أجرت مجلة "نيو ريباببلك" الأمريكية حوارا مع اثنين من الخبراء الأمريكيين المتخصصين فى الشأن المصرى، أكدا فيها على أنه بالرغم من أن الدستور لا يؤسس نظاما دينيا أو أى شىء أقرب إلى ذلك، إلا أنه سيمكن حزب الأغلبية القادم من تمرير مجموعة واسعة من القوانين التى ستعيد على الأرجح تشكيل أجزاء من أجهزة الدولة بشكل بطئ.
وقال ناثان براون، الخبير بمركز كارنيجى إن أغلب الشكاوى فى مصر من الدستور الجديد تتعلق بالعملية نفسها أكثر من المضمون، أى من قام بصياغته وكيف، بل ربما نفاجأ بعدم تدخل الإسلام فى الأغلبية الكاسحة من مواده.. صحيح أن هناك تصعيدا لدور الأحكام الدينية مقارنة بدستور 1971، إلا أن هذه التغييرات لم تأت نتيجة ضغوط الإخوان المسلمين، ولكن نتيجة لمفاوضات دقيقة بين القوى السياسية المختلفة.
ولو أصبحت هذه المواد مقلقة فى السنوات القادمة وهو أمر محتمل، فإن هذا بسبب من يوجد على رأس المؤسسات الحيوية للدولة، وهذه الوثيقة لا تنشئ دولة دينية، لكن لو كان هناك حزب أغلبية فى الانتخابات القادمة فإنها ستمكنه من تمرير مجموعة كبيرة من القوانين التى ربما تعيد تشكيل أجزاء من أجهزة الدولة.
وهناك بعض الأمور التى يفضلها الليبراليون أيضا فى الدستور، لكنها أقل بكثير مما كانوا يتوقعون قبل عام.
أما إريك ترايجر، الخبير بمعهد واشنطن، فيقول إن الدستور لا يعطى الإسلاميين امتيازا، لكنه يوفر لهم موطئ قدم لإضفاء الطابع المؤسسى على سلطتهم وتحقيق أجندتهم، وتحدث عن المادة 2 والمادة 219 التى تعطى للدين دورا كبيرا فى النقاش السياسة بما يخلق ميزة للإسلاميين فى صياغة القوانين.
ويتابع ترايجر قائلا صحيح أن التغييرات فى اللغة الدينية للدستور هى نتيجة تفاوض حذر وليست ناجمة عن ضغوط الإخوان المسلمين، لكن جدير بالذكر أن القوى السياسية التى تفاوض معها الإخوان على هذه المواد هم فى الحقيقة السلفيون المتشددون.
وربما يكون هذا مؤشرا على أحداث قادمة: فبدلا من أن تكون مصر ديمقراطية شاملة، تتحول إلى ثيوقراطية تنافسية بين رؤيتن مختلفتين للحكم الإسلامى. وصحيح أن الدستور ينص على أن السيادة للشعب وحده، لكن نظرا للديناميكيات السياسية فى مصر الآن، حيث يظل الإسلاميون القوى الأفضل فى التعبئة السياسية، فإن من المرجح أن يكون الإسلاميون أول من يفسر ويطبق الدستور.
وأشار براون إلى أنه يختلف مع ترايجر فيما يتعلق بدور الدين فى الدستور، موضحا أن انطباعه مختلف نوعا ما، وقال إنه يعتقد أن الإسلاميين خدموا أنفسهم بشكل جيد فى الدستور، وكان السلفيون مشاركين أيضا، لكن هذا ينطبق كذلك على غير الإسلاميين وممثلى الأزهر والمسيحيين، فكل هذه القوى الأخرى كانت تشعر بقلق شديد من محاولات السلفيين إسناد الدستور لأحكام الشريعة.
وهو لا يرى أن النتيجة جاءت لصفقة سلفية إخوانية.. لأنه لو كان الأمر كذلك لبدت هذه الوثيقة مختلفة.
وتحدث عن اختلاف اصطلاحى بينه وبين زميل معهد واشنطن قد يكون له أهمية عند قراءة الدستور.
فترايجر يستخدم كلمة "ثيوقراطى" للتعبير عن الدور القوى للدين وعلى العكس من كلمة ديمقراطية، لكنه يرى أن الثيوقراطية هى تلك التى تمنح سلطة سياسية لمن يدعون أن لديهم سلطة دينية أو تمنح دورا دينيا للسلطة السياسية، وهذا هو ما يكون غير ديمقراطى، لكن الوثيقة الحالية ليست كذلك، فهى تمنح دورا استشاريا لعلماء الأزهر، وأيا كانت النكهة الدينية التى تظهر منه، وربما تكون قوية خاصة مع مرور الوقت، فإن هذا سيحدث مباشرة من خلال العملية الديمقراطية وليس بالعمل حولها.
وفيما يتعلق بمخاوف الإخوان من محاولات بقايا نظام مبارك عرقلة حكومتهم، قال ترايجر إن هذا صحيح بالتأكيد، خاصة فى السلطة القضائية إلا أن الدليل الأوضح يشير إلى أن مخاوف الإخوان تتعلق بجنون العظمة أكثر من وجود حملة حقيقية ضدهم من جانب الدولة العميقة.
من جانبه، يقول براون إن الإخوان ارتكبوا أخطاء نتيجة لتلك المخاوف، فالجهات الفاعلة فى القضاء المصرى مثل المحكمة الدستورية العليا لم تتصرف كمجرد جهة مقربة لمبارك، بل كانت مهتمة فى المقام الأول بحماية استقلالها.
وطرحت مجلة "نيو ريبابللك" تساؤلا على الخبيرين عن تقييم دبلوماسية أمريكا إزاء حكومة مرسى حتى الآن، فقال ترايجر، إن الإدارة الأمريكية محقة فى كونها لا ترى بديلا لمرسى، لكنها مخطئة فى الاعتقاد بأن مرسى أو الإخوان المسلمين يمكن أن يكونوا شركاء فى السياسة الخارجية على المدى الطويل. ففى الأشهر الأخيرة، صدرت من الجماعة مؤشرات مرارا تدل على أنها تنوى التحرك ضد المصالح الأمريكية، ويضرب مثلا بذلك بدعوة مرشدها العام للجهاد من أجل القدس مرتين، ومنهما واحدة بعد وقف إطلاق النار فى غزة.
وفى نوفمبر الماضى، قال أحد كبار مسئولى السياسة الخارجية أن مرسى ينهى التطبيع مع إسرائيل بشكل بطئ.
ويرى ترايجر أنه من المهم جدا لإدارة أوباما أن تضغط على مرسى للتراجع عن الصلاحيات التى منحها لنفسه وإثارة المخاوف العامة بشأن شرعية الاستفتاء الدستورى، والفشل فى ذلك سيقنع الإخوان أن بإمكانها أن تذهب بعيدا بأى شىء ويشجعهم على الانتقال للعمل على طموحاتهم فى السياسة الخارجية فى أقرب وقت ممكن.
أما براون، فقال إن صعود الإخوان يمثل تحديا لأمريكا لأن سياسات الحركة وتفصيلاتها تختلف بشكل كبير مع السياسة الأمريكية فى المنطقة، وحتى فى أفضل الظروف، فإن هذا سيتطلب تعديلا، وأفضل الظروف ليس من المحتمل أن تسود فى أى وقت قريب.
ويعتقد براون أن أمريكا لديها بعض القدرة للتأثير على إعادة الإعمار السياسى المصرى إلا أن تفصيلاتها لا يمكن أن تترجم ببساطة بشكل آلى إلى نتائج. فلو كانت واشنطن ترغب فى بيئة سياسية أكثر استقرارا وتوافقا فى مصر، فبإمكانها أن تتواصل مع الرئيس الذى سيتوقف موقفه الدولى إلى حد ما على قدرته على تمثيل مصر كلها، وهذا يتطلب منه أن يتصرف كرئيس وليس كشخصية حزبية، ويتواصل بتنازلات حقيقية وملموسة للمعارضة.
كما بإمكان واشنطن أن تتحدث مع المعارضة أيضا، مع الحذر. ويحذر براون فى فكرة التعامل مع الاستفتاء على الدستور على أنه غير شرعى لأنه سينظر إليه على أنه حزبى، كما أنه سيشجع عناصر داخل المعارضة التى تميل على رفع سقف المطالب ومن ثم البحث عن منقذ، الجيش ثم القضاء والآن أمريكا.
وختم حديثه قائلا إن مجموعة من المطالب الواقعية مثل تعديلات دستورية ومطالب بأغلبية فائقة فى البرلمان حول القضايا المهمة ومزيد من الضمانات الأكثر قوة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ستجد تعاطفا دوليا.
المراكز البحثية بأمريكا تضع تصورها حول الاستفتاء.. دستور مصر لا يؤسس لدولة دينية لكنه يمكن حزب الأغلبية القادم من وضع قوانين تغير شكل الدولة.. وشكاوى المصريين تتعلق بالشكل أكثر من المضمون
الأربعاء، 19 ديسمبر 2012 10:55 ص