هكذا إذا تدار الأمور !!
قضاء يعلق جلساته وانقسام الشارع إلى مؤيد للرئيس بشكل يصل إلى افتقاد الفهم لما يتم التأييد له، وفريق يرفض الأخونة واختطاف تيار الإسلام السياسى لمشروع الدستور والوطن بشكل يصل إلى حد غياب الموضوعية والجنوح إلى العنصرية فى محاولة إخفاء قطاع كبير من أبناء الشعب بلا أى مبرر.
ومباراة بين الفريقين فى أينا أكثر عددا فهناك مئات الآلاف وربما المليون يذهبون لقصر الاتحادية وينادون بسقوط النظام ومثلهم فى الإسكندرية وباقى المحافظات يهتفون بسقوط حكم المرشد ومثلهم ويزيد، من أنصار التيار الإسلامى أمام جماعة القاهرة ورابعة العدوية يهتفون بالتأييد للنظام ودستوره الموضوع من قبل أنصاره وينددون (بشكل رخيص) برموز عامة فى الدولة ويهتفون ضدهم.
وفريق يعتصم فى التحرير وعودة للخيام بشكل ملفت لم يوجد له مثيلا إلا أيام ما قبل سقوط الرئيس السابق وفريق آخر بقيادة أنصار أبو إسماعيل يعتصمون أمام مدينة الإنتاج الإعلامى ويرهبون مقدمى البرامج ويبنون دورات المياه ويمارسون التمرينات الصباحية !.
وبين الفريقين وطن يضيع !!
الحقيقة هى الكلمة الأكثر اختفاء من قاموسنا بعد ثورة 25 يناير وتم استبدالها بكلمات أخرى مثل الشائعة ونشر الخبر ونفيه حتى يصح أن نطلق على الواقع الأليم الذى نحياه بأننا نعيش فى دخان له رائحة خانقة كما أنه يحجب الرؤية فلا ترى إلا ما تحب أن تراه فقط بينما الحقيقة لا تدركها أبدا مثلما غابت عن معرفة من قتل ثوار يناير ومن اقتحم السجون ومن أحرق مقرات الحزب الوطنى ومقرات الحرية والعدالة ومن قتل شهدائنا الأحياء من جنودنا لحظة إفطارهم فى شهر رمضان؟
الواقع على الأرض يتجاوز الحقيقة ليغيب لنا القانون ولا نعرف من المسؤول بالضبط فنجد من يقطع السكك الحديدية ومن يشعل الحرائق ومن يطلق الرصاص الحى ورغم كل ذلك لا تعرف من فعل ؟!
ستسمع فقط عن تورط الفلول أو أشخاص يفترض أنها من رموز الوطن فى الداخل أو الخارج أو حتى مليشيات الجماعات التى تنسب للإسلام السياسى وستسمع عن حكايات هنا وهناك لكنك لن تعرف أبدا من يفعلها حقيقة وسنكتفى بأن نشير إليه بأنه الطرف الثالث المجهول الذى يتواجد فى كل كارثة فتعرفه باسم الطرف الثالث لكنك لن تتعرف عليه أو تراه خلف القضبان لكنه سيتركك دوما فى أسى وحزن عن قتلى ودماء لم يقتص لها أبدا.
حتى بعد أن جاء رئيس منتخب لا تزال الأمور على حالتها وبالغة السوء فلا الأمن عاد ولا تحسن الاقتصاد ولم نر فى الأفق بارقة أمل فى غد أفضل.
دستور ينتهى بليل حتى ساعات الصباح! وقد انسحبت منه معظم قطاعات المجتمع من تيارات ليبرالية وكنسية وأحزاب مدنية وممثلى نقابات مجتمعية حتى يصبح السؤال ولماذا يتعب هؤلاء فى دستور لا يمكن أن يعبر بأى حال من الأحوال عن المجتمع وكيف سيتم تمريره وسط هذا الرفض المتزايد شعبيا والذى وضح من امتلاء الميادين للمرة الأولى بدون تيار الإسلام السياسى مما يعنى أن هناك طبقة جديدة تكونت فى المجتمع من حزب الكنبة نزلت إلى الشوارع فضلا عن طبقة أخرى متوقع نزولها وسط هذا التدهور الاقتصادى المفزع وهم من سيعبرون عن رفضهم لغلاء الأسعار وعجز الحكومة عن دفع عجلة التنمية بالشكل المطلوب ولجوئها للحل السهل وهو زيادة الضرائب حتى يشبه الأمر الجباية لجيوب المصريين الخاوية أصلا !!
أين المفرٌ من سيناريو مفزع ومتوقع بوقوع البلاد فى غمار حرب أهلية بدأت بشائرها أمام قصر الاتحادية بين مؤيدين ورافضين للرئيس وبين حرق مقرات للإخوان المسلمين ودعوات جهادية غريبة وأحكام تكفيرية لمجتمع لم يعرف على مدار تاريخه مثل تلك الأزمات فقد تجاوز من قبل الغزاة والطامعين والمستعمرين حتى بقى شامخا لا يشقه خائن ولا يؤثر عليه كاذب إلا أن المؤامرة تدفع بنا إلى مواجهة أنفسنا وجها لوجه حتى يكون الأخ فى مواجهة أخيه لا يقطع رحمهما إلا الدم ومن أجل ماذا ؟!
أعجزنا نحن المصريين عن إدارة شؤوننا بعد مبارك ؟ أم أننا يوما بيوم نثبت أننا لا نستحق أن نعيش فى كنف الديمقراطية وأننا لا نعرف كيف نسمع بعضنا بعضا وكيف نتحاور دون أن نتهم بعضنا بعضا بالعمالة ولا التبعية لنظام مستبد؟!
لقد كانت مشكلتنا فى المنهج الذى يحكم تعاملاتنا مع بعضنا وليس الموضوعات التى نختلف عليها وتيار الإسلام السياسى دخل معركة الدستور بمنطق دعوة الرسول لكفار قريش ورأى أن من رفض طرحهم كاره للشريعة وهى تهمة أقبح من الكفر نفسه لأنهم ينسون أن هذا الشعب متدين بطبعه ويصلى الصلوات المفروضة ويؤتى الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت بدموع اللهفة للبيت الحرام وأن من عارضهم فى الحقيقة كان لا يخشى تطبيق الشريعة وإنما يعارض بعض النصوص التى رأى فيها تكريسا لنظام مبارك الاستبدادى وكان من الواجب عليهم احتوائهم داخل الجمعية التأسيسية بدلا من تركهم ينسحبون شيئا فشيئا حتى خلت الجمعية تماما من أى صوت غير صوتهم وما لهذا تكتب الدساتير التى هى أصلا تكتب لضمان حقوق الأقلية لا الأغلبية.
وبدلا من الاتهامات المتبادلة بين أطياف المجتمع تعالوا نتفق على ثابتنا أولا وهو الوطن وبناؤه وترك ما نختلف فيه مؤقتا أو لندرك القواعد ونحترمها ويبقى الخلاف فكريا لا يتجاوز إلى السقطات للأشخاص ولا لأعراضهم ولا يكون وسيلة للابتزاز والفضح والتشهير فتلك أجواء الحرب وليست تساعد على نهضة الوطن .
نحن بحاجة لميثاق شرف نحتكم إليه وكيف عندنا قرآننا ودستورنا الحقيقى الذى ينص على عدم التنازع لأنه يؤدى إلى الفشل وعدم القول إلا ما حسن منه ولا يغتب بعضنا بعضا وكنا نحب من الإسلام السياسى أن يقدم لنا دعوته بدلا من التشهير بالناس فى مليونياتهم وبدلا من استعراض العضلات كانوا ليقولون للناس بما يقولونه على المنابر ولا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهكذا فقط نعبر بسلام جميعا ودون ذلك سيعنى أن السفينة ستقف مكانها حتى تغمرها مياه الفرقة والاختلاف وعندما تغرق السفينة لن تفرق بين هذا وهذاك!
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة