أكتب الآن «السبت 15 ديسمبر 2012» وقبل أن تصدر نتيجة الاستفتاء.
وأعلم أن المقال سينشر يوم الاثنين وربما كانت النتيجة قد ظهرت ولكنى أردت أن أكتب مقالى هذا وأنا متحرر من كل القيود التى ستفرضها علينا النتيجة.
لم أنم ليلة السبت فى انتظار الصباح.. وكنت حريصا على الذهاب للجنة مبكرا جدا قبل أن يبدأ الناس فى التوافد على اللجان لكى لا أتعطل مع الجمهور والأصدقاء ويتهمنى البعض -وما أكثر الاتهامات- بأننى أستغل شهرتى وأحاول الترويج أو السيطرة على أصوات الناخبين.
اصطحبت ابنتىّ للجنة وأصرتا على وضع إصبعيهما فى الحبر الفوسفورى كتقليد طفولى لأبيهما وسمحت لهما القاضية المشرفة على اللجنة بذلك فى جو ودود، أشكرها عليه.
«مريم الكبرى 7 سنوات» كانت تعى ما يحدث جيدا وتتجاذب معى أطراف الحديث السياسى بشكل بدائى وطفولى بالطبع، ولكنه كان بالنسبة لى مبهرا وعظيما ربما لأنها ابنتى وأحب منها كل شىء.. أو ربما لأنها تكلمت فى أشياء بدت لى أكبر من سنها بكثير، خاصةً أننى حين كنت فى سنها لم أكن أعرف اسم وكيل المدرسة التى أدرس فيها.
شعرت بالأمل تجاه الجيل المقبل وأدركت أن مرحلة التغييب السياسى والتضليل الفكرى الذى عشنا فيه لعقود طويلة قد بدأت فى الانبلاج وأن الغد سيكون أفضل مما نحن فيه مهما كثرت الادعاءات المتشائمة ومهما حاولوا تخويفنا وبث الرعب فى صدورنا ونشر شائعات تصف المستقبل بأنه مستقبل معتم ومظلم ومحبط.
كنت أستقبل الانطباعات عن الاستفتاء من خلال أصدقائى فى اللجان سواء من يقومون بالمراقبة أو من ذهبوا ليدلوا بأصواتهم، وكانت تأتينى شكاوى كثيرة تروى مخالفات أكثر.. ولكنى كنت أشعر ببعض المبالغة ممن يسردون المخالفات ولهذا لم أتحمس لنقل هذه المخالفات للإعلام بنفسى.. ولكنى كنت أعطى لأصدقائى أرقام الهواتف الخاصة بالصحافيين والإعلاميين ذوى الخبرة ليتمكنوا من التحقق من صحة هذه المخالفات قبل نشرها لمنع ترويج الشائعات.
من يدخل على مواقع التواصل الاجتماعى الآن -أقصد يوم السبت- سيجد جيوشا متأهبة من الطرفين ينتظرون أى تعليق من أى شخصية عامة أو أى شخص مشهور لينقضوا عليه بالاتهامات والتخوين والتتفيه والتسفيه والتكفير -إذا لزم الأمر- وهذه الجيوش قد لا تتعدى الخمسة عشر شابا وشابة على الأكثر ولكنهم يجتهدون فى صناعة حسابات شخصية وهمية ولكل شاب منهم ما يقارب الخمسة أو العشرة «أكونتات» ليُشعروا من يشاهد أنهم كثيرون وأن رأيهم هو الغالب.. خاصةً بعد أن انزلقنا -بفعل قرارات الرئاسة المتعجلة وغير المدروسة- إلى منزلق «الغلبة للأكثر عددا» وبدأنا جميعا فى الاهتمام بفكرة الحشد والعدد والسواد الأعظم وأهملنا -تماما- معالجة الشقوق وتقريب وجهات النظر وفتح قنوات للتواصل والنقاش بين الأطراف.
وأنا فى الفقرة السابقة لا أتحدث عن فصيل بعينه ولا أقصد فئة واحدة بعينها فاللجان الإلكترونية -للأسف- أصبحت سلاحا يستخدمه كلا الطرفين للإمعان فى فكرة الحشد والكثرة العددية.
أنا ألوم فى مقالى هذا مؤسسة رئاسة الجمهورية وحكماءها ومستشاريها قبل أن ألوم المعارضة التى نهجت -للأسف- نفس المنهج، لأن الرئاسة أصدرت قوانين وإعلانات دستورية غير منطقية وغير محسوبة العواقب وفى فترة حساسة جدا أثارت حفيظة المعارضة وأهاجت عليها الرأى العام.. والأسوأ أنها لم تكترث لهذا الهياج وهو فى مهده وإنما أهملته وتفّهته وتعالت عليه واعتبرته «زوبعة فى فنجان» كما كان يصفنا نظام مبارك القديم.. وعندما زاد هياج الناس وتحول إلى كرة ثلج جارفة تزداد يوما تلو الآخر واجهتْه بالقوة وبالهجوم وبالتخوين بدلا من احتوائه والتفاهم معه حتى بلغ الأمر محاصرة أكبر محكمة قضائية من جهة.. ومحاصرة مسجد من الجهة الأخرى.
تخيلوا يا سادة.. المسلمون يحاصرون المساجد!.. أى وضع هذا؟
تخيلوا يا سادة.. شباب الحزب الحاكم الذى يحكم بالقانون يمنع قضاة أرقى وأرفع محكمة فى الدولة من الدخول إلى حرم المحكمة!.. ما هذا الهذيان؟
أنا لا أعرف لماذا تتعامل التيارات الإسلامية مع بقية التيارات السياسية على أنها عدوٌ لها وقد كانوا منذ أقل من نصف العام فى مركب واحد ويمسكون بنفس الدفة؟
وهل هو عدم خبرة سياسية بالفعل أم أن الأمر أكبر من ذلك ونحن لا ندرك أبعاد الموقف؟
على أية حال.. أنا أكتب مقالتى قبل أن تظهر نتيجة الاستفتاء لكى لا يقول الناس أننى أشمت فى تيار بعينه أو أننى أركب الموجة مع تيار بعينه.
أردت فى نهاية المقال أن أقول إن نظام «جمال عبدالناصر» ونظام «أنور السادات» ونظام «حسنى مبارك» قضوا قرابة الستين عاما يحاولون أن يشوّهوا صورة التيارات الإسلامية فى نظر الشعب المصرى ولم ينجحوا.. إلى أن جاءت حكومة الدكتور مرسى -للأسف- ونجحت بجدارة فى ما لم يستطع كل رؤساء مصر السابقين أن يفعلوه.
لقد أصبحت نظرة الشارع الآن للإسلام السياسى نظرة ريبة وخوف وقد ساعد على ذلك استمرار التيارات الإسلامية فى التعالى على الشعب وعلى القضاء -بغض النظر عما يروجون له من فساد فى منظومة القضاء- فى حين كانت التيارات الإسلامية منذ ستة أشهر مثالا للذكاء والحفاصة وحسن النية والصدق.
أقول لكم يا قيادات التيارات الإسلامية إنكم أسأتم وتعجّلتم وخدمتم التيارات السياسية الأخرى -بما فيها تيارات الفلول- وأظهرتموهم فى مشهد العظماء والمتحضرين.. ودفعتم بالناس دفعا ليرتموا فى أحضانهم للاحتماء منكم.. حتى إننى سمعت بأذنى أحد أصدقائى الذين كانوا معى فى جمعة الغضب 28 يناير 2011 يقول «ولا يوم من أيامك يا حسنى مبارك».
لقد حولتم قبلة الناس عنكم بتعاليكم وعنفكم واعتقادكم -غير المبرر- بأن لكم الأغلبية الساحقة وأنكم قادرون على دهس المعارضة وتصفية رموزها.
أنتم ورثتم نظام «حسنى مبارك» بكل تفاصيله وتكررون مع من يعارضونكم نفس ما كان يفعله «حسنى مبارك» معكم.
وأنا -والله- لأننى أميل بقلبى إلى كل المتدينين الوسطيين أقول لكم ناصحا لوجه الله تعالى إن الفرصة لم تضع بعد.. ويمكنكم استقطاب الناس مرة أخرى بالحسنى والموعظة الحسنة كما عهدناكم، وأخشى عليكم أن تسيروا سير «حسنى مبارك» فتنتهوا نهايته.
هشام الجخ
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد سمير
الشعب يريد اعلاما لكل المصريين
عدد الردود 0
بواسطة:
D Aly
لا تتعب نفسك يا جخ
عدد الردود 0
بواسطة:
إبراهيم العربي
رائع
رائع جدا هشام
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو يمنى
اللهم احمي مصر وشعبها
عدد الردود 0
بواسطة:
fathy70
أنت رجل طيب
عدد الردود 0
بواسطة:
حميد
كل دا كلام فاضى مع احترامى لان معروف مين اللى قسم البلد البرادعى وحمدين
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب ايوب
كلامك اراحنى
عدد الردود 0
بواسطة:
ناجى
الخداع
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
السبب الحقيقي
عدد الردود 0
بواسطة:
bondok
أستنساخ النظام القديم