إذا تأملنا علاقة الشعب المصرى بجماعة الإخوان المسلمين، سنجد أنها أبعد ما يكون عن الوسطية، فهى علاقة تشتمل على واحد من نقيضين إما الكره الذى يصل إلى حد العداء والحقد المطلق، وإما المحبة القائمة على الاستسلام والخنوع والطاعة العمياء المطلقة، والغريب أن الإخوان بكل دهائهم وتاريخهم لم يفطنوا إلى حقيقة أنهم يبذلون جهودا فقط فى زيادة انتماء من هم منتمون بالفعل لديهم، واجتذاب من هم منضمون بالفعل لهم، ويبذلون الغالى والنفيس فى إقناع أنصارهم بما هم مقتنعون به فعليا، ولكنهم للأسف لا يبذلون أى جهد فى اجتذاب معارضيهم إليهم، بل العكس يتفننون فى تعزيز مشاعر العداوة الكامنة فى نفوسهم، وتكون النتيجة أن ينقسم الشعب إلى حزبين، كل حزب يقاتل الآخر، وكل حزب ينظر إلى الآخر بعين العداوة المطلقة.
لقد انتقل الإخوان من مجرد تنظيم إسلامى سرى قائم على السمع والطاعة له قوانينه الداخلية التى تحكمه وتحكم علاقة أعضائه ببعضهم البعض، وعلاقتهم بالقادة، وكذلك علاقتهم بالعالم الخارجى، إلى حزب حاكم يتولى حكم شعب غير متجانس، يحوى مسلمين وأقباطا وأيضا ملحدين، يحوى متدينين وغير متدينين، يحوى نشطاء ومتمردين، يحوى متعلمين وأميين، يحوى ناشطين، شعب ينشد الحرية والديموقراطية، شعب حطم القيد وكسر حاجز الخوف من الحاكم، شعب لا يصح أبدا أن تكون لغة الخطاب الموجهة إليه هى نفسها اللغة الموجهة إلى أعضاء الجماعة.
ليس كل المصريين أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين، وليس كل المصريين مسلمين، والرئيس محمد مرسى رئيس لكل المصريين، أيا كانت توجهاتهم وأفكارهم ومستوياتهم، وهو أخطأ خطأ فادحا عندما استبعد كل هؤلاء ليس فقط من دائرة اهتمامه، وانما أيضا من خطابه، فأصبح الناس يشعرون وكأنهم يستمعون لإمام مسجد يخطب فى جماعة من المصلين، وليس رئيس دولة يخاطب عقول وقلوب شعبه، فانصرفوا عن الإنصات إليه لأنه ببساطة لا يوجه حديثا إليهم، بل يحادث أهله وعشيرته، ولست أدرى بأى عقل وأى منطق يتحدث رئيس دولة إلى شعبه بلغة مثل هذه، رئيس الجمهورية ليس أبا للمصريين، ولا أخا ولاعما ولا خالا، إنه موظف لديهم، يتقاضى راتبه فى مقابل أن يقوم على خدمتهم، ولاؤه لهم، وهو الذى يطيع أوامرهم وليس العكس، لا هم أهله ولا هو أبوهم، إن ما يربطه بهم تعاقد مكتوب وله شروط، يجوز إنهاء هذا العقد إذا لم يستوف الحاكم شروط التعاقد.
سيدى الرئيس
السادة الكرام قادة الإخوان، لاشك أنكم مصريون، ولكنكم لستم مصريين درجة أولى وسواكم درجة ثانية أو ثالثة، أنتم مواطنون عاديون، لكم من الحقوق ما لسواكم من المصريين على اختلاف دياناتهم ومستوياتهم وأفكارهم وانتماءاتهم، وعليكم ما عليهم من واجبات، ولتعلموا أن الأيدى التى رفعتكم إلى مقاعدكم هى نفس الأيدى القادرة فى أى لحظة أن تسقطكم أرضا مرة أخرى، ولكنه سيكون سقوطا لا قيام بعده، لأنه سيكون سقوطا من أعلى.
يقول إمامكم حسن البنا "لا تهدموا على الناس أكواخ عقيدتهم، ولكن ابنوا لهم قصرا من الإسلام السمح"، ويقول لكم شعبكم إن قانون الاستثناء ونهج التصنيف الذى تنتهجونه سيجعل الجميع ينقلبون أول ما ينقلبون ضدكم، ولا يغرنكم تلك الأيدى الممدودة نحوكم، لأنها لن تستطيع أن تتلقفكم فى حال سقوطكم، ولكم فى مبارك ونظامه أبلغ عبرة، فمهما بلغت إمبراطوريتكم من قوة، فلا شىء يقوى على إرادة شعب قرر أن يشق طريقه نحو الحرية.
إنكم للأسف ترقصون على سلالم درجاتها هشة، فلا أنتم تطبقون روح الدين بمثاليته وقيمه، ولا أنتم تجيدون احتراف السياسة حتى فى لغة خطابكم.
عفوا فحتى الآن أنتم لستم حكاما، وأيضا أنتم لستم رجال دين ......
عزة هاشم تكتب: لا تهدموا على الناس أكواخ عقيدتهم
الأحد، 16 ديسمبر 2012 04:29 م
حسن البنا