د. عبد المنعم عمارة

صقور وحمائم السياسة المصرية

الأحد، 16 ديسمبر 2012 03:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تسمية الشخصيات السياسية بالصقور والحمائم أصبحنا نجدها فى كل الأحزاب وكل المفاوضات.. بل يتم التصنيف على هذا الأساس
فى السياسة كلمات وجمل تتردد مرة وقد تتحول إلى علامة فى عالم السياسة، سياسة حافة الهاوية التى أخذها وزير خارجية أمريكا والاس أصبحت نظرية سياسية، الهدوء الحذر، وفض الاشتباك، والفصل بين القوات، كلمات أصبحت تتردد فى كل الصراعات السياسية.

تسمية الشخصيات السياسية بالصقور والحمائم أصبحنا نجدها فى كل الأحزاب وكل المفاوضات، بل يتم التصنيف على هذا الأساس كنا نطلق هذا الوصف على القيادات الإسرائيلية من أول شارون حتى نتانياهو.

ثورة يوليو فى بداياتها كان مجلس قيادة الثورة من الصقور حاول بعض الناصريين خلع هذه الصفة من الرئيس عبدالناصر، لأنه لم يوافق على قتل الملك فاروق والقول أنه الوحيد فى مجلس قيادة الثورة الذى كان متمسكاً بالديمقراطية.

عزيزى القارئ
تعالى ننسى الماضى ونحلل الوضع الحالى على ضوء شخصيات المشهد السياسى الآن، البرادعى يراه كثيرون أنه أحد أهم صقور السياسة فى مصر الآن مواقفه وليس سماته، نفس الكلام يقال على حمدين صباحى.

د. السيد البدوى يحسبونه على الحمائم، عمرو موسى من الحمائم بسبب مظهره وطبيعته الدبلوماسية.

جاءنى ناشط سياسى من الشباب مهتماً بتحليل هذه الشخصيات، لأنه يرى أن معرفة نوعية الرموز السياسية قد توضح لنا المسار السياسى وخاصة فى هذا التوتر الذى تعيشه مصر الآن.

سألنى عن رأيى فى د. محمد البلتاجى القيادى الإخوانى وفى الدكتور عصام العريان، ولأننى لم أتشرف بمعرفة شخصية بهما فهذا قد لا يؤدى إلى صدق حكمى على ضوء نظرية صنع القرار السياسى، وهى المادة التى أدرسها فى الجامعة لطلبة الدكتوراة والماجستير، كما أن رسالتى عن الدكتوراة كانت عن نظرية صنع القرار فى مصر فى زيادة المديونية الخارجية على مصر، ولهذا كان ردى: اقرأ تصريحات كل منهما ثم احكم.. هو يرى أن البلتاجى مثلا يضرب ويلاقى فى حواراته.. يقول إنه مع الحوار السياسى مع القوى المدنية السياسية ويشجعها بل متحمس لها.

ثم كانت آخر كلمات الرجل فى مؤتمر رابعة العدوية، كان هناك من يتصور أنه قادر على صناعة شعب من خلال القفز على إرادة الشعب عن طريق الإعلام واستخدام الرصاص والخرطوش والقنوات والصحف، ويؤكد أنه لن يحدث حتى لو قدمنا الشهداء بالآلاف والملايين.

ثم سألنى ألا تعتبر أن الرجل هو أشد الصقور فى جماعة الإخوان المسلمين.. ولم أعلق فالكلمات واضحة وقاسية.. ولا تدعو إلى السلام الاجتماعى بين المصريين.

أما عن د. عصام العريان فهو يراه صقرًا سياسيًا أشد وأقسى من كل الصقور داخل حزب الحرية والعدالة، استشهد بذلك على تعلقيات وحوارات د. العريان التى قالها منذ بداية الثورة حتى الآن.

فى ظنى وبعد الظن إثم أن الساحة المصرية مليئة بالصقور التى تطير عاليًا ثم تنقض على خصومها السياسية وتنهش فى لحمهم.

باختصار مصر للأسف لا يوجد فيها لا حمام ولا حتى يمام.

مصطفى الفقى
سنوات عمره الضائعة
فى السياسة خصوصاً فى مصر، إنت وبختك، إما تلمع أو تنطفئ، لا وسط.. يا إما رجال سياسة عظام لم يتألقوا، ويا إما رجال سياسة تافهون تألقوا وصعدوا إلى سماء السياسة بسرعة البرق..

السياسة فيها قليل من الحظ وكثير من الواسطة وبعض من الإبداع..

عزيزى القارئ..
أنا أريد أن أكتب عن شخصية آراها محظوظة وغير محظوظة.. محظوظة بالموقع الهام التى شغلته وغير محظوظة بالنهاية الدراماتيكية عن ترك الموقع.

أكتب عن د. مصطفى الفقى الرجل الذى فقد ظله، مرة بسبب أخطائه ومرة بسبب مواقف الغير ضده..

مصطفى إنسان جاء من الريف وكان ينقصه خبث الفلاحين، إبداعه السياسى لم يساعده على تخطى الصعاب التى قابلته.

كان رأيى -ومازال- أن د. الفقى هو مفكر ومفكر فقط، فالله أعطاه بسطة من العقل وكثير من القدرة على التفكير والتحليل، ولم يعطه المواصفات اللازمة لأن يكون موظفًا حكوميًا أو سياسيًا.

د. الفقى فى رأيى أنه لم يكن يصلح وزيراً، كنت أتمنى له أن ينشئ مركزا للبحث فى السياسة وخاصة من الاستراتيجيات، ويكون هو الرأس المفكر له، فى أثناء دراستى القصيرة فى أمريكا، قابلت معظم مسؤولى مراكز Think Tanks، وتحاورت معهم خاصة أننى كنت أعد لرسالة الماجستير عن الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، وعندما تعمقت عرفت قوة هذا المركز فى إدارة الشأن الأمريكى خاصة فى الدراسة التى قدموها تحت عنوان New American Century، أى القرن الأمريكى الجديد، وفيها يتصورون كيف سيكون حال أمريكا فى القرن الحالى، وما هى الصعوبات التى ستواجهها رداً على الهاجس الذى كان يشغلهم أن الحضارة الأمريكية تسقط كما سقطت الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية والفارسية وغيرها من الحضارات.

دراسة تضع تصورات اقتصادية وعسكرية لأمريكا حتى نهاية هذا القرن.

حضرات القراء
مصطفى الفقى كان شعلة مضيئة عندما كان يعمل فى رئاسة جمهورية؛ تحليلات رائعة، موضوعية آراء مهمة، تصورات مستقبلية كان يضعها أمام الرئيس السابق مبارك والذى يبدو أنه لم يكن يتمسك بها كثيراً.

أما عن الفقى وعلاقاته الإنسانية مع كل فئات الشعب خاصة المسؤولين من وزراء ومحافظين وسياسيين ومعارضين كان أداؤه رائعًا ونموذجًا للحيدة والنزاهة، ولم يختلف اثنان على حبه، أنا شخصيًا كما غيرى كان يتصل بنا ليحذرنا ويحكى لنا حكاية زمبة قيلت أمامه فى حق أى واحد منا للرئيس.. وكان يحذرنا.. ولم يكن يبخل على أحد فى النصيحة فى مشاكل العمل.

أنا شخصيًا له معى موقفان من ضمن مواقف كثيرة لا أنساها، أول موقف عندما ملأت مصر كلها شائعة زواج الرئيس مبارك لشقيقتى، كنت أتعجب من هذه الشائعة الغريبة فهى لم تره فى حياتها وهى أصلاً لم تكن تهتم بالسياسة ولا شؤونها.. اتصل بى د. الفقى تليفونيًا، وقال لى الرئيس مبارك يسألك هل تزوج شقيقتك فعلاً؟ وكان ردى أن شقيقتى متزوجة وتحب زوجها ولم تره ولا تعرفه إلا من خلال التليفزيون.

المرة الثانية عندما كان لى موقف عنيف مع الحزب الوطنى، حيث لم يوافقوا على المرشحة التى اقترحتها وفرضوا اسمًا مغايراً لها.. وقد غضبت غضبًا شديداً وأعلنت أننى لن أساند مرشح الوطنى ولا يهمنى ما قد يحدث.

يبدو أن الرسالة وصلت للرئيس السابق، وفوجئت بالدكتور الفقى يزورنى فى الإسماعيلية ليغير موقفى.. وكان اقتراحى هو أن يعينها الرئيس من ضمن العشرة الأسماء الذى له حق تعيينهم فى مجلس الشعب.. ولا أنكر مجهود الدكتور مصطفى فى تهدئة خاطرى، وفى إقناع الرئيس بهذا الاقتراح بل إنه جعل الرئيس يكلمنى قبل توقيع قرار تعيين العشرة بأنه سيعينها وهو فعلاً ما تم هذه الأزمة كنت مستعداً فيها للاستقالة أو محاربة الحزب الوطنى علنًا، وهو ما حدث فى انتخابات تالية كنت فيها ضد مرشح الحزب الوطنى.. أقول ذلك لأوضح الدور المحترم الذى كان يقوم به الدكتور مصطفى معى ومع غيرى.

حضرات القراء
حزنت وغضبت عندما ترك الفقى مكتب الرئيس وهو الإنسان الخلوق الكفء الوطنى المحترم بسبب الزنب التى كان معروفاً من يضربها فى زملائه أو أى مسؤول آخر داخل الرئاسة.

لم أكن راضيًا عن دخول الفقى معترك السياسة أو العمل التنفيذى كنت أراه مفكراً وطنيًا رائعًا، وكنت أفضل له ذلك وطالما قلت له ذلك.. حاول البعض والذنب ليس ذنبه جره إلى المواقع التنفيذية كما فعل د. الجنزورى رئيس الوزراء بوضعها ليكون وزيراً للشباب محلى.. ولكن مبارك رفض ثم عندما أقنعه الحزب الوطنى بالترشح نائبًا فى إحدى دوائر دمنهور أمام قيادة إخوانية لها شعبية وهو د. جمال حشمت، وللأسف د. مصطفى قبل ذلك، وكانت هذه أكبر خسارة شعبية له كما أنه لازال لها تأثير سلبى على الدكتور مصطفى الفقى.. أعتقد أنه لازال يعانى منها.

د. الفقى حتى يرضى بعض خصومه هذا الكلام قيمة وطنية محترمة ومفكر وطنى محترم.. أضعه فى مصاف كبار المفكرين المصريين الكبار.

دكتور الفقى دخل فى السنوات الضائعة من عمره.. ضاع الفقى فى الوقت الذى نحتاجه فيه.

رجال حول الرئيس
كتبت كلمات معبرة عن شخصيتين أحبهما وكنت أراهما يمكن أن يكونا علاقة مضيئة فى هذا الزمن الأغبر.

الأول السفير محمد رفاعة الطهطاوى وقلت إن الرئيس مرسى اختار الرجل المناسب فى المكان المناسب.

والثانى هو د. علاء الحديدى المتحدث الرسمى لمجلس الوزراء.. عشت متفائلا بالطهطاوى فى الرئاسة.. وقلت إنه برقته وهدوئه وعلمه ودبلوماسيته يمكن أن يقيم علاقات طيبة مع كل معارضى الرئيس، ويمكنه أن يذيب الجليد الذى كان قد بدأ يظهر فى علاقات مؤسسة الرئاسة ومعارضيها.. تمنيت أن يلعب دوراً كدور د. مصطفى الفقى عندما كان بالرئاسة.. كنت سعيداً بصمته إلى أن توقف هذا الصمت، وإلى أن انفجر هذا الهدوء الذى يغلف الرجل وإلى أن ضاعت الدبلوماسية التى هى سلاح الرجل.

تابعت أحد لقاءاته التليفزيونية وقلت لمن حولى انتظروا الرجل فهو سيقول «درر»، وكلامه سترونه مغلفاً بالذهب ولسانه سيقطر عسلاً.. وبدأ الحوار وإذا بمن تصورته يفيض رقة يتحول إلى كتلة من النيران.. الكلمات متلاحقة متسارعة غير مرتبة.. غلب عليها الحماس والاندفاع والسخونة.. ألفاط وجمل عنيفة جعلتنى أخجل ممن هم حولى.. وضاع حماسى له بسبب كلماته وبسبب نظرات الأصدقاء المعاتبة لى.

لم أصدق أن هذا هو السفير الذى أعرفه والتقيته شخصيا وأحببته، حزنت عندما قرأت صفحة كان من ضمنها فى جريدة الوطن، وكان عنوانها ديناميت حول الرئيس والطهطاوى على خطى «عزمى» يقصدون د. زكريا عزمى.. وحزنت من بعض ألفاظه فى عز الصراع السياسى والمظاهرات والاعتصامات الهادرة مثل «أن الرئيس مرسى لن يغير الإعلان الدستورى قيد أنملة»، وقد تعجبت من إصراره على هذه الجملة حينما اعترض المذيع على ذلك، ولكنه أكد وأصر عليها.. للأسف السفير لم يكن وسيطا مقبولاً كما كنت أتوقعه. ولم يقم بإطفاء النيران التى كانت مشتعلة، ضاعت ألفاظه وكلماته الرقيقة وأغضب الجميع من أول المواطن العادى حتى الرموز السياسية، السفير كان متواضعًا مثل المنصب وبعده، ضاع هذا التواضع. السفير كان بسيطًا قبل وبعد المنصب فقد بساطته.

رئيس الديوان الذى أحبه أصبح يتحدث فى الوقت غير المناسب بالكلام غير المناسب.

هل الرجل فعلا قطعة من الديناميت الذى حول الرئيس.. يبدو ذلك كذلك.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة