قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى بيان لها، اليوم الأحد، إن المواد المتعلقة بالحريات العامة وعلاقتها بالدين فى مسودة الدستور المطروحة للاستفتاء تفصح عن أمرين أساسيين حكما صياغة هذه المواد:
أضافت المبادرة أن قراءة المسودة تكشف أولا عن سيطرة مجموعة من الهواجس السلطوية والطائفية، بما يشكل إقحامها فى نصوص دستورية تهديدا لدولة المواطنة والمساواة، وبشكل يبتعد عن الانحياز للحريات الدينية أو للحقوق للحريات بشكل عام.
كما تكشف ثانيا عن محاولة صنع "توازن هش" وحل وسط مأزوم بين ضمان الحقوق والحريات وبين هذه الهواجس عبر كوابح عقائدية وشرعية أنتجت نصوصا تضع الحقوق الحريات فى ساحة صراع بدلا من أن تضمنها وتحميها، كذلك ترصد المبادرة الأمور التالية.
1- بين الحريات الأساسية و"الشريعة".. تأسيس لتناقض وصدام بين نصوص الدستور:
المادة الثانية التى بقيت على نصها كما هو فى دستور 1971 والتى تنص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ولكن تم تدعيمها بالمواد (4) الأزهر والنص على أخذ رأى هيئة كبار علماء الأزهر فى الأمور بالمتعلقة بالشريعة الإسلامية والمادة (219) لتفسير مبادئ الشريعة بما يجعلها بابا للتراث الفقهى القديم كله و(81) (تمارس الحريات والحقوق بما لا يتعارض مع مقومات الدولة والمجتمع) وهذه المواد مجتمعة تدفع بالنص على دين الدولة فى اتجاه ممارسات طائفية وسلطوية باسم الدين ويجعل من التراث الفقهى ومرجعية الفقهاء مرجعا دستوريا للتحفظ على التشريع وعلى حدود ممارسة الحقوق والحريات ويهدد بصدام بين ضمانات الحفاظ على هذه الحريات والحقوق التى ينص عليها الدستور، وبين ما يمتلئ به التراث الفقهى وآراء الفقهاء المعاصرين من أطياف واسعة من الاجتهادات بعضها يطيح تماما بالحريات الأساسية والحقوق والمساواة فيها.
كما أن المادة (76) التى تنص على أنه (لا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى) متناقضة فى ذاتها، لأن الدستور ليس مجالا للنص على عقوبات ولكن صياغتها الغامضة تهدد بفتح باب الجدل حول الزج بعقوبات من الشريعة بحسب التراث الفقهى استنادا للنصوص الدستورية السابقة.
2- التهديد باستدعاء مرجعية دينية وتأسيس لصدامات بينها وبين مؤسسات الدولة الديمقراطية:
النص على هيئة كبار العلماء كهيئة يجب أن يؤخذ رأيها فى تفسير الشريعة كأحد مصادر التشريع فى المادة (4) يعد منحا لمؤسسة دينية غير منتخبة دورا فى التشريع بما ينتقص من حق الشعب فى التشريع بحرية، وهو أساس الديمقراطية، وينتقص من حق ممثلى الشعب فى استشارة أو عدم استشارة من يشاءون بدون إلزام، كما أنه يهدد بصدام بين المؤسسة القضائية التى تمارس الرقابة الدستورية على التشريع وبين الأزهر، وهو ما ينذر بصدام بين مؤسسة لعموم المواطنين وبين مؤسسة تنتمى لطائفة من المواطنين.
كما تمثل المادة الدستورية تمييزا لمؤسسة دينية بعينها دون باقى المؤسسات أو الأفراد على حق الاجتهاد المستمد من الشريعة وتكريسا لوصايتها.
وحاول النص الدستورى فيما يخص الأزهر تحقيق توازن بين الرغبة فى إقرار مرجعية دينية وبين مطالب استقلال الأزهر، فجاء النص متناقضا وأكد استمرار تبعية الأزهر للدولة بنص دستورى، حيث لا يزال ينظم القانون – الذى يضعه البرلمان – شئون الأزهر، بينما تنص المادة نفسها على أن الأزهر وحده قائم على شئونه. وهو ما يفتح الباب لمحاولة تنظيم شئون الأزهر وتنظيم طريقة اختيار هيئة كبار العلماء نفسها وفقا لقانون يصدره البرلمان وبطريقة تقدم أغراض التيارات السياسية فى البرلمان ليعود الأزهر ويقوم بدوره الاستشارى للبرلمان، وذلك فى تجاهل لحق أبناء الأزهر فى تحديد طريقة الاختيار وجواز عزل شيخ الأزهر من عدمه، وفى المجمل يبقى الأزهر رهنا لقوانين تصدرها السلطة التشريعية وتصدق عليها السلطة التنفيذية وهو ما يمثل استمرارا لتبعية الأزهر للدولة، وبذلك يستمر النص فى تجاهل معنى الاستقلال الحقيقى لمؤسسة الأزهر بعيدا عن الدولة وعن توازن السلطات والصراعات السياسية.
3- التهديد بمطاردة الأقليات الصغيرة وحرية التعبير:
محاولة صنع توازنات هشة بين ضمانات الحقوق والحريات وبين المرجعيات الشرعية المختلفة كما سبق أن أدى لنصوص تؤسس للتناقض والصدام داخل الدستور نفسه.
ومحاولة صنع هذا التوازن تتغافل عن أن الوضع الدستورى والقانون الحالى وفق دستور 1971 يستخدم نص المادة الثانية بالأساس وعبر أحكام وتفسيرات قضائية وممارسات للدولة المصرية فى تقييد الحريات الدينية لبعض الطوائف بزعم مخالفتها للنظام العام – مثل البهائيين وشهود يهوه – أو اعتبار عقائدهم نفسها "ازدراء للدين" – مثل الشيعة والأحمدية، كما يمثل عدوانا على حرية الرأى والتعبير فى مطاردة أصحاب المواقف العقائدية المختلفة والآراء المخالفة للسائد، الوضع الحالى إذن بما يتضمنه من تمييز وتقييد يمثل عدوانا على حقوق وحريات مواطنين مصريين كان هاجسا لواضعى مسودة الدستور، لا لتغيير هذا الوضع ورفع التمييز والعدوان، ولكن لتحويله إلى وضع دستورى. فجاءت المادة 43 لتطيح دستوريا بحقوق المصريين المنتمين لعقائد لا تنتمى للأديان الثلاثة وتؤسس لتمييز ضدهم وقصر حرية إقامة دور العبادة على الطوائف المنتمية للأديان السماوية الثلاثة، ولتطيح بمبدأ المواطنة الذى يقضى فى المادة الخامسة بتساوى كل المواطنين فى الحقوق.
4- استدعاء مرجعيات دينية غير إسلامية مهيمنة على طوائفها:
وكما أن هناك محاولة فى تأسيس سلطة دينية طائفية "إسلامية" تكرسهما المادتين 4 و219، رأينا محاولات أخرى لتكريس تلك السلطة من زاوية أخرى، حيث تنص المادة (3) من الدستور على أن مبادئ شرائع المسيحيين واليهود هى المنظم لقوانين أحوالهم الشخصية، وهو الأمر الذى يعيد إنتاج النظام الملى العثمانى السابق على الدولة الدستورية الحديثة، وهو نص لا حاجه له فى ضوء وجود نص على حرية العقيدة وفى ضوء أن قوانين الأحوال الشخصية فى مصر مستمدة بالفعل من الأحكام الدينية لكل طائفة، إلا أنه لا يمكن فهم هذه المادة إلا فى إطار تصور عن توزيع مكاسب طائفية للأقليات فى مقابل السلطات الطائفية التى تم تأسيسها كما سبق توضيحه، كما أنه يؤسس لتصادم آخر بين حق المواطنين المنتمين لأديان أخرى غير الإسلام فى التمتع بحقوقهم التى كفلها الدستور ولو عارضتها اجتهادات مؤسساتهم الدينية، والمثال الأبرز لذلك هو مطالبة بعض المسيحيين الأرثوذكس بحق الطلاق والزواج مرة أخرى وهو ما يكفله لهم الدستور من ناحية، ولكنه يقيده من ناحية أخرى ويجعل من اجتهادات الكنيسة حاكما لهذا الحق.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعلق على مسودة الدستور
الأحد، 16 ديسمبر 2012 03:53 م