جاء من الجنوب من وسط "الصعايدة" الطيبين البسطاء الجدعان.. منذ 9 سنوات تقريباً.. يحلم كغيره من الصحفيين المخلصين بنقل هموم هذا الوطن وأعباء المواطنين الكادحين إلى المسئولين لعله يخفف الأعباء عنهم، فرصد بكاميرته أحلام البسطاء وآمالهم وآلامهم، كما رصد الأوقات العصيبة التى عاشها الثوار وسط برودة الشتاء وقسوته بميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011، وحتى لحظات الفرح فى 11 فبراير لحظة تنحى مبارك وما بعدها من أحداث، فكانت كاميرته دائما وسط الثوار لا تفارقهم، إنه "الحسينى أبو ضيف" الصحفى بالزميلة "الفجر".
الحسينى أصيب اثناء تواجده أمام قصر الاتحادية لتأدية واجبه الصحفى، هكذا تسربت إلينا الأخبار، سألنا عنه فوجدناه داخل قسم الرعاية الحرجة بقصر العينى نظراً لسوء حالته، أيام تمر وتكاد عقولنا لا تصدق ما حدث للحسينى فقد كان ولا يزال بيننا، فتتصاعد الدعوات المخلصة إلى السماء نسأل الله أن يعافى "الحسينى"، إلا أن الموت سبقنا إليه.
أسرعنا إلى المستشفى واحتشدنا بداخلها فى انتظار خروج جثمانه، ويالها من لحظات مهيبة فالدموع تتساقط و"الحواديت" الإنسانية ومواقفه الرجولية تطغى على الحديث وتتوالى من أفواه الزملاء عن هذا الصحفى "الصعيدى، الثائر، الراجل، الشهم، الجدع".. فالبعض يقول أنه حصل على مبلغ 5 الآف جنيه وكان يعقد العزم على الزواج بعد شهور من الخطوبة لكنه فضل أن يشترى بالمبلغ كاميرا ليصور ويرصد بها الأحداث فكانت "كاميرا" الوداع بعد يوم من شرائها.
وإذا بصوت زميلتى الفاضلة "شيماء عادل" الصحفية اللامعة التى تم احتجازها بالسودان منذ شهور، يصرخ فى جنبات المستشفى "يا اخونا والله مرسى ما طلعنى من السودان اللى جابنى هو الحسينى"، وتؤكد بأن مرسى تخاذل عنها طوال 14 يوما، فى الوقت الذى ذهب فيه الحسينى إلى سفارة السودان بالقاهرة واعتصم أمامها بمفرده وأضرب عن الطعام حتى تم الإفراج عنها، بالرغم من أنه لا يعرفها شخصياً ولم تلتقى الوجوه قبل ذلك، نعم.. هو ده "الحسينى" الشاب الصعيدى الجدع.
وسط الصراخ والعويل من الزميلات أبرزهن الصحفية اللامعة "سماح عبد العاطى"، يرتفع صوت "الحسرة" أنه صوت والدة "الحسينى" هذه السيدة التى ظلت فى مدينة طما بسوهاج وقتا طويلاً تنتظر الحسينى يدخل عليها بعروسته وها هى اليوم تستقبل جثمانه تزفه إلى جنان الفردوس.
وينتهى بنا الأمر أمام نقابة الصحفيين نهتف بكل ما أوتينا من قوة: "يسقط يسقط حكم المرشد" و"الحسينى مات مقتولا والمرسى هو المسئول" نلعن الإخوان.
سرد رموز الصحافة والسياسة أمام نقابة الصحفيين ـ من خلال كلمات لهم ـ قصصا رائعة عن الحسينى وحمل الجميع الإخوان المسئولية، كان بينهم نجل الرئيس الراحل عبد الناصر الاسم الذى سيظل يؤرق الإخوان، حيث أكد أن ما يفقده الشعب المصرى الآن من أرواح للثوار أكثر بكثير مما فقدناه أثناء التصدى للصهاينة، ليهتف الجميع بصوت واحد "عبد الناصر قالها زمان الإخوان مالهمش أمان" ثم شاركنا فى تشيع الجثمان لميدان التحرير تمهيداً لوصوله للصعيد، فكم كنت فخورا بـ"الحسينى" لأنه منى فهو ابن محافظتى وزميل مهنتى، لكن الموت كان هو الأقوى هكذا سنة الحياة فإن العظماء لا يموتون والحسينى كان عظيما فى قلوبنا فموعدنا معه فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
محمود عبد الراضى يكتب: الحسينى منى وأنا من الحسينى
السبت، 15 ديسمبر 2012 07:39 م