استقبلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بكثير من الارتياح نبأ تأجيل البت فى اتفاق الحكومة المصرية مع إدارة صندوق النقد الدولى لمنح مصر قرضاً بقيمة 4.8 مليار دولار، وقالت فى تقرير لها اليوم الخميس حصل "اليوم السابع" على نسخة منه، أنها ترى فى هذا التأجيل فرصة قيمة لطرح سياسة الاقتراض الخارجى بمجملها للنقاش والتقييم على الرأى العام المصرى، وبمشاركة القوى السياسية والحزبية والنقابية والمجتمع المدنى فى ضوء ضرورة إيجاد تصور متكامل لمستقبل السياسات الاقتصادية والاجتماعية فى مصر بعد الثورة.
وكانت الحكومة المصرية قد وقعت اتفاقاً مبدئياً مع بعثة صندوق النقد، وكان مقرراً عرض الاتفاق على مجلس إدارة الصندوق لإقراره فى 19 ديسمبر الجارى، إلا أن تصاعد الاضطراب السياسى بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس فى 22 نوفمبر الماضى، بالإضافة إلى السخط الذى صاحب إعلان الرئاسة لقرارات رفع الضرائب الأخيرة ثم التراجع عن ذلك الإعلان، قد دفع الحكومة والصندوق إلى الاتفاق على تأجيل البت فى الموضوع لمدة شهر.
وفى حال الموافقة على هذا القرض تكون الحكومة المصرية قد أتمت توقيع الاتفاق المثير للجدل، والذى ظل محلاً للشد والجذب، والرفض والقبول على مدار العامين الماضيين.
ومن المنتظر أن يكون قرض الصندوق بداية لمزيد من الاقتراض الخارجى من مؤسسات مالية أخرى، ومقدمة لإجراءات تقشفية وانكماشية تمس صلب السياسات المالية والنقدية والاقتصادية عامة لمصر فى السنوات المقبلة.
وأصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريراً بعنوان "هل تنجو مصر من المزيد من الاقتراض فى ظل غياب الشفافية وانعدام الرؤية الاقتصادية؟" تحذر فيه من استمرار نفس سياسات الاقتراض التى تبنتها الحكومات المتعاقبة قبل قيام الثورة، والتى يشوبها غياب الشفافية وانعدام الرؤية الاقتصادية. وينبه التقرير إلى أن الحكومات التى تولت المسئولية بعد ثورة 25 يناير قد لجأت للاستدانة على الصعيدين المحلى والخارجى حتى تجاوز الحجم الكلى للديون 100٪ من الناتج المحلى. وقد اقترن غياب الشفافية عن إجراءات الحكومة بخصوص سياسة الاقتراض بفقدان البوصلة لتبنى أية خطة اقتصادية شاملة.
وفى ظل استمرار التدهور فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومع ارتفاع معدل البطالة "الرسمى" إلى 13٪، وحقيقة أن نحو 25٪ من السكان (22 مليون نسمة) يقبعون تحت خط الفقر، فإن تراكم الديون فى ظل غياب الشفافية، وغياب خطة أو عملية صنع قرار شاملة تأخذ فى الاعتبار التعامل مع واقع الفقر والبطالة يساهم بدوره فى تعميق حالة التدنى فى الأوضاع الاقتصادية ومزيد من الإفقار لأغلبية السكان التى هى أصلا فقيرة ومهددة.
وقال محمد مسلم، مسئول ملف المعونات والتجارة الخارجية بالمبادرة المصرية: "إن التحليل الذى أصدرته المبادرة اليوم يوضح أن جزءاً كبيراً من القروض التى حصلت عليها مصر لم توظفه الحكومة فى تمويل الاستثمار فى الخدمات الاجتماعية، أو القطاعات الإنتاجية، أو خلق الوظائف، وهى أمور من شأنها إحياء النمو وخلق عائدات جديدة من أجل تسديد الديون. كما أنها تؤدى أيضا إلى تحقيق معدل نمو أكثر استدامة. لكن وعلى العكس من ذلك، فإن الحكومة استغلت القروض فى خدمة التزامات الديون الموجودة بالفعل، علاوة على أشكال أخرى من الإنفاق الجارى من أجل تخفيض العجز".
وأضاف مسلم، "أن هذه السياسة قد ساهمت فى الواقع فى رفع عجز الموازنة الفعلى ليصل فى السنة المالية 2011/2012 إلى 166.7 مليار جنيه مصرى (توازى نحو 11 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى) بزيادة 32.2 مليار عما كان متوقعاً. والجدير بالذكر أن الزيادة فى حجم الإنفاق الموجه لخدمة الدين الحكومى من أسهم وسندات وصلت لنحو 15 مليار أى ما يساوى 50٪ من العجز الإضافى".
وتابع، "من شأن هذه الزيادة الهائلة فى الديون أن تؤدى إلى استمرار التوزيع غير العادل للدخول نظراً لأن جزءاً كبيراً من الإنفاق الحكومى سيوجه لخدمة أعباء الديون مما يصب فى مصلحة الدائنين الممثلين فى القطاعات الأكثر ثراء وجهات التمويل، إلا أن المسألة الحاسمة هنا ليست فى مجرد حجم الدين فحسب، ولكن أيضا فى حجم النفوذ الذى يمارسه أصحاب المصلحة من عملية صنع القرار".
وقد اختتمت المبادرة المصرية تقريرها بطرح عدد من التوصيات بشأن وقف عملية الاستدانة فوراً ما لم تتوافر عوامل الشفافية فيما يتعلق بمستوى الدين وشروطه من قبل الهيئات المانحة والالتزامات التى ستترتب على الحكومة فى حال حصولها على أى قروض، فضلا عن معرفة طرق توظيف هذه القروض وطريقة سدادها. وكذلك وضع إرشادات ومبادئ توجيهية لإدارة عملية الاستدانة مع صياغة آليات لتمكين السلطات المنتخبة من التحكم في هذه الديون وممارسة الرقابة عليها وعلى أعبائها، بالإضافة إلى بدء حوار وطنى لبحث السياسات الاقتصادية المتبعة، والحلول والبدائل الممكنة ووضع خطة اقتصادية قومية بحيث تكون أى محاولة للاستدانة من الخارج أو أى قرار اقتصادى آخر فى سياق هذه الخطة.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تصدر تقريراً حول مساوئ سياسة الاقتراض
الخميس، 13 ديسمبر 2012 03:57 م