محمد السنوسى الداودى يكتب: الحاكم عندما يعد

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012 05:17 م
محمد السنوسى الداودى يكتب: الحاكم عندما يعد محمد على ولى مصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحاكم هو الحاكم فى كل العصور والأزمان، ومهما حدثنا أى فرد عن أنه سيختلف فى حكمه عن من سبقوه ولكن يبقى العنصر البشرى المرتبط بصولجان الحكم وغرور المنصب حتى وإن قل تأثيره من حاكم لآخر ولكن النتيجه تبقى منطقية فلابد من أن يضفى الحاكم على نفسه نوعاً من الصرامه وأنواع من التحكم، وبفضل من حوله يتحول الحاكم إلى مدرسة فكرية كبيرة ونهر من النظريات وشلال متدفق من الشجاعة والحكمة والعلم حتى يبلور بنفسه نظرية الوصاية التى دائما ما يستخدمها الحكام لكى يفرضوا ما يريدون على الشعب والسبب بسيط أن الحاكم يمتلك رؤية ثاقبه وبعد نظر عالى يجعله يرى الغد بعيون اليوم ويبصر لشعبه لذا لابد أن يفكر هو لشعبه ويخطط لهم ويقرر لهم وما على االشعب إلا أن يستجب بل وفى بعض الأحيان يرضخ إن لزم الأمر.

وإذا تتبعنا حلقات التاريخ لنبحث عن الحكام الذين وعدوا بأن يبقوا على حالهم كبشر عاديين ولا يغرنهم السلطان نجد أنهم كثيرون وربما ارتبط كل واحد منهم بمشروع نهضوى فى البداية يبدو براقا وجذابا إلى أبعد حد إلى أن يأتى الوقت الذى يكتشف فيه الشعب المسكين أنه بلا مضمون بل ربما مجرد عنوان وفقط.

فمحمد على الذى بايعته النخبة المصرية فى ذلك الوقت لكى يصبح والياً على مصر بعد أن تم الاتفاق على أن يكون هناك مشاركة فى الحكم ونهضة فى الدولة ولكن بعد أن تولى محمد على السلطه ورأى علماء مصر وعلى رأسهم عمر مكرم أنه لم يف بالوعد واستأثر بالسلطة وخرج عن المسار، ما كان من محمد على إلا أن قام بنفى عمر مكرم من القاهرة وبالتعامل العنيف مع معارضيه، هنا وبصرف النظرعن النهضة التى أحدثها محمد على بعد ذلك، والتى ترجع إلى أنه كان والياً على ولاية قوية ولها مكانه وإمكانيات أهلته بفضل ذكائه وحنكته إلى أن ينهض فى مجالات كثيرة. ولكن بقى أن الحاكم الذى وعد الشعب بأن يكون واحداً منهم تحول إلى سلطان وملك وصار الحكم حكراً على نسله حتى قيام ثورة يوليو.

فالفارق هنا أن النهضة التى جائت فى البداية بفضل الاستبداد والسيطرة على مقاليد الدولة خلقت بعد ذلك واقعاً مأزوماً تمثل فى توارث الحكم والسلطة فى البلاد على أنها تركه شخصية والتعامل مع الشعب والوطن على أنه جزء من الممتلكات وهو الأمر الخطير الذى خلق حالات من العجز الاجتماعى وتفاوت السلطة ورأس المال بين فئات الشعب الواحد.

ومن هنا فإن ثورة يناير قد خلقت واقعاً جديداً جعل الشعب المصرى يعى أهمية العقد الاجتماعى مع الحاكم وهو الأمر الذى خلق نوع من الاستقطاب بين جموع الشعب فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين من يمثل أحد فصائل العمل الثورى وبين من يمثل أحد وجوه النظام القديم وهو الأمر الذى جعل القوى الثورية ونتيجة للأزمة التى وقعت فيها، جعلها تختار الفصيل الثورى وإن تعارضت الوسائل والآليات التى ينتهجها مع توجهم ولكنهم ومعهم الكثير من أبناء الوطن أبرموا عقداً اجتماعياً بعضه كان ظاهراً واضحاً بخروج بعض القوى التى تعلن التأييد العلنى للفصيل الثورى وبعضه كان خفى غير معلن ولكن انحاز للخيار الذى بدا أنه وطنى لذا احتفل الكثير بنجاح هذا الخيار ولكن الأزمة كانت فى الوعود التى كثرت لدرجة أصبح تحقيقها أمر صعب ويحتاج إلى الكثير من الإمكانيات.

وبعد تولى الفصيل الثورى الحكم ظهر توجه مختلف فى التعاطى مع الأحداث وهو ما ظهر للقوى الثورية الأخرى على أنه محاولة منه للسيطرة على مقاليد الحكم ولكن رد من يؤيد الفصيل الثورى كان بأن المشاكل كثيرة وهى نتاج للنظام السابق ولكن يجب أن نعلم أن الرئيس الذى ينجح بسباق يفترض أنه قائم على أسس الديمقراطيه وهو الأمر الذى يوجب على كل من يخوض الانتخابات أن يحمل ببرنامج واضح ومحدد يتم انتخابه على أساسه ويتم محاسبته على وعوده وبالتالى إذا تولى السلطة ولم ينجز برنامجه فإن ذلك يعد قصورا فى الرؤية التى تعالج بها الأمور، فكثير من الأحداث كان يمكن فيها أن يلتف الشعب حول رئيسه لو وجد عملا جادا، فحادث قطار أسيوط والذى سببته مشكلة المزلقانات كان يمكن أن نشعر بعمل الرئيس ووزارته إذا كانت الوزارة فعلا قد وضعت خطه لدراسة وضع كافة المزلقانات ووضعت جدول زمنى للتعامل معها ولكن عندما نكتشف من جديد أن المشكلة لا تحل إلا برد الفعل ولا يكون هنا مبادرة لدراستها وحلها فإننا أمام أسيوط جديدة ودويقة جديدة وعبارة جديدة.

الحاكم عندما يعد فإن الأمر مختلف تماماً، فلابد أن يرى الحاكم أنه جزء من فصيل العمل الوطنى وليس هو الوصى على الشعب أو الذى يمتلك القدرات الفذه للتعامل مع المشكلات ولو كان الأمر كذلك لتولى حكم كل بلدان العالم مجلس رئاسى يضم كافة العباقرة وتستطيع أمريكا مثلاً أن تجمع عباقرة نوبل لديها فى كافة التخصصات وتشكل مجلس رئاسى يقودها للنهضة إذا كان هذا هو مفهومها ولكن العالم يبقى فى إطار نظرياته ويبقى الواقع لديه هو الأمر الصعب لذا يتولى دفة الأمور حاكم واحد ولكنه يعمل مع العلماء والمتخصصين الذين يشيرونه ويأخذ بما يشيرون به عليه وليس مجرد استشارة وهمية، فمصر الآن تحتاج وبصدق إلى عمل جماعى جاد وإلى توحيد العقل الجمعى الذى يتفق على القيم الأصيلة ويلتفت لبناء الدولة بحق ولا ينشغل بالبحث فى هويتها التى هى خالدة مدى الدهر أصلاً.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة