قامت الثورة المصرية المباركة فى 25 يناير 2011 م، وخرج الشعب بكل ألوانه وطوائفه وطبقاته يطالب بإسقاط النظام واستجاب القدر وسقط النظام وتبلورت أهداف الثورة المعروفة ولكن فى حقيقة الأمر لم نتفق جميعا على من سيرث هذا النظام.
جيش مصر العظيم بصفته جيش الشعب ومكوناته هم أبناء الشعب من الطوائف والطبقات وبصفته أمينا على مقدرات الشعب وبصفته المؤسسة الوحيدة القادرة على العمل كمؤسسة تأسيسية محايدة لإعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد استلم المهمة بصفة مؤقتة، وكان جاهزا لها وحدد الهدف وهو تسليم السلطة إلى هيئات منتخبة من الشعب بإرادة حرة معتمدا الآليات الديمقراطية فى تبادل السلطة، وأعطاه الشعب الضوء الأخضر فى استفتاء مارس 2011م.
أعظم هدية قدمها جيش لشعبه على مدى التاريخ أن يحمى انتخابات حرة ونزيهة يتوجها إشراف قضاء مصر العادل وفى النهاية سلم السلطة لرئيس منتخب لأول مرة فى التاريخ وانصرف الجيش إلى مهمته الأساسية، وهى حماية البلاد وتأمين حدودها ضد الطامعين والمعتدين.
فى الأزمة الحالية التى تمر بها البلاد وهى على الأرجح أخطر الأزمات، لأنها مرتبطة كلها بميلاد الدستور الجديد والذى يعنى شيئا واحدا وهو ميلاد مصر الجديدة كدولة وطنية حديثة وديمقراطية لاحظنا جميعا عدة ملاحظات هامة وتستحق التأمل لنرى فى آخر نفق المرحلة الانتقالية بصيص الأمل فى النهوض من كبوة الانهيار الاقتصادى الذى يهدد المجتمع بثورة جوع تخرج من عشوائيات تنمو نموا كبيرا وسريعا تنمو أفقيا ورأسيا بسبب سياسات النظام المخلوع الذى تحيز إلى الطبقة الرأسمالية وبارك الزواج الباطل بين المال والسلطة وسمح بنهب أموال الشعب وأراضيه فى هجمة تجريف شرسة لم تر مثلها مصر فى أى تاريخ أو فى أى عصر.
رأينا الجميع من أقصى البلاد إلى أدناها ومن أقصى بلدان العالم إلى أدناها يطالب باحترام إرادة الشعب، واعتماد الديمقراطية فى حسم الخلافات السياسية.
الجميع يؤكد على ضرورة الذهاب إلى صناديق الاقتراع الحرة والنزيهة لحسم الخلافات حول قبول أو رفض المسودة المعروضة من الدستور، الشعب هو صاحب الحق الأصيل فى حسم الخلافات القائمة بين من يؤيد ومن يعارض سواء الدستور كمنتج أو اللجنة التأسيسية أو حتى قرارات الرئيس.
التنوع الذى تتميز به مصر وشعبها العظيم لا بد أن ينتج عنه تنوع وخلاف فى الآراء والرؤى، وهذا أمر طبيعى وصحى، وهذا الخلاف ينتج عنه تنافس وربما صراع من المفترض أن يكون سلميا تماما كما كانت الثورة السلمية، وفى النهاية نذهب إلى الشعب، والشعب يحسم الخلاف بالموافقة أو الرفض، لا حل إذا إلا الديمقراطية والإرادة الشعبية، الديمقراطية هى الحل الذى لا يحمل إلا أحد احتمالين، الموافقة أو الرفض، إعطاء الثقة أو سحب الثقة.
الحلول الديمقراطية تحتاج دائما إلى حراك سياسى فى المجتمع والحراك السياسى له آليات تحددها الديمقراطية أيضا، منها التظاهر والاحتجاج السلمى بدون أى عنف ولو لفظى وبدون تعطيل عجلة الإنتاج وحرية الرأى والتعبير السلمى وحرية الإعلام، وحرية تكوين الأحزاب والجماعات والجمعيات وفى كل المراحل لا بديل عن قبول الآخر وقبول الجلوس معه على مائدة الحوار التى هى الخيار الوحيد ولا بديل إلا الحوار حتى الوصول إلى محطة الحسم من قبل الشعب فى صناديق الاقتراع.
هذا تماما ما طالب به قادة القوات المسلحة فى بيانهم الأخير وهذا ما أقرته مائدة حوار الرئيس التى حضرها أكثر من خمسين شخصية بارزة، وكلهم وطنيون ومنهم الفقهاء القانونيون والدستوريون ولم يمنع أحد من حضورها إلا من رفضوا الحوار، وهذا هو ما طالب به المجتمع الدولى فى بيان وزارة الخارجية الأمريكية وبيانات الاتحاد الأوروبى، وهذا هو المنطق والعقل والواقع كلهم طالبوا أن نذهب جميعا إلى الاستفتاء وندع الصناديق الانتخابية تقول ماذا يريد الشعب مهما كان هذا الدستور.
علينا جميعا السير فى اتجاه واحد وإجبارى، وهو حل الخلافات السياسية عن طريق الحوار، ووفقا للقواعد الديمقراطية، ما عدا ذلك لا يعد إلا تناقضا مع المبادئ التى تعارف عليها العالم فى مجال الحرية والديمقراطية، لا مجال بيننا لمن يرفضها، لأن رفض الحرية والحوار والديمقراطية يعنى فتح الأبواب إلى الفوضى والديماجوجية، وترك القوى المختلفة فى المجتمع للصراع غير الأخلاقى فى الشوارع والميادين والذى يلغى الإرادة الشعبية.
نرى البعض اليوم يناقض نفسه ويتراجع عن مبادئه ويحاول أن يعطل المسيرة الديمقراطية ويقف فى طريق الوصول إلى الإرادة الشعبية، البعض الآخر يحاول تشبيه الرئيس المنتخب بالرئيس المخلوع، وهذا أمر يجافى الحقيقة والصواب والواقعية ويتنافى مع العقل الجمعى للشعب، نشأ هذا الوضع المختل من استمرار الصراع بين رئيس نجح فى كسب ثقة الشعب ومرشحين رئاسيين فشلوا فى الحصول على هذه الثقة، رئيس نجح فى كسب الثقة بقواعده الشعبية التى فرضت إرادتها عن طريق صناديق انتخابية حرة ونزيهة بشهادة العدو والصديق وكان ذلك كفيلا بوقف الصراع وإعطاء الفرصة للرئيس لتطبيق برنامجه وهو الآن المسئول أمام الشعب طوال مدته القانونية والدستورية ثم الذهاب إلى يوم الحساب فى صناديق الاقتراع الحرة مرة أخرى.
من أكبرالتناقضات التى رأيناها أن يتحالف بعض القوى السياسية والثورية من أنصار الرئيس المخلوع الذى طالبوا جميعا بإسقاطه هو ونظامه المستبد، كل المبررات لهذه السقطة السياسية المشينة غير مقبولة من أبناء شعب مصر الشرفاء الذين عزلوا مؤيدى الرئيس شعبيا فى الانتخابات السابقة.
من التناقضات أيضا الحلم أو بناء الآمال على تدخل الجيش فى الحياة السياسية للمصريين، وخاصة ممن طالبوا بسقوط حكم العسكر سابقا، وكان رد الجيش حاسما لا شأن له بذلك ولا حل إلا الحوار كطريق وحيد لحل الخلافات السياسية ولا بديل عن الشرعية التى تمثل الإرادة الشعبية ولا قبول بأى عنف يضر بأمن البلاد، وأن الجيش متيقظ للحفاظ على خطوط الدولة الاستراتيجية وجاهز لحماية الشعب وممتلكاته.
نرى البعض يطالب بإعادة انتخابات الرئيس بعد الاستفتاء على الدستور الجديد وهذا سيحسمه رفض أو قبول الدستور الذى استقر من وضعوه على ضرورة الحفاظ على الاستقرار فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر، وخاصة أن العالم يتعامل فقط مع من لا يمكن المزايدة عليه عندما يتخذ قراراته.
كل من يرفض الإرادة الشعبية فهو صاحب رهان خاسر لا محالة وستتخلى عنه قواعده الشعبية، وخاصة أن رفض الإرادة الشعبية ورفض أو تعطيل الاحتكام إليها ما هو إلا غطاء مبطن لاستدعاء الفوضى إلى الشارع أو استدعاء تدخل الجيش أو الاستقواء بالخارج، وكلها أمور مرفوضة تماما من الشعب المصرى الحر والعريق.
على مدار المرحلة الانتقالية كلما اقترب موعد أخذ رأى الشعب حسب الآليات التى آمنا بها جميعا، نلاحظ لجوء البعض إلى الفوضى والصراع مع إسالة الكثير من دماء أبناء الشعب المصرى المناضل والشريف.
سالت دماء مع استفتاء مارس، ودماء ارتبطت بانتخابات مجلس الشعب وأخرى ارتبطت بانتخابات الرئاسة وحتى اليوم الدماء الذكية تنزف مع تحديد موعد الاستفتاء مع الدستور، الأسباب ما هى إلا رفض البعض للمسار الديمقراطى ولا أكون مبالغا أن قلت خوف البعض من الدخول فى امتحان الإرادة الشعبية ربما لعدم وجود القواعد الشعبية التى تؤهله لكسب ثقة هذا الشعب.د
بعد كل ذلك لا مجال إلا الحوار الجاد والبناء والمستمر ولا مجال إلا الحسم الديمقراطى للخلافات والرجوع إلى الشعب، ولا حكم إلا حكم الشعب، فلندع الإرادات تتصارع ولكن الإرادة النهائية والشرعية هى إرادة الشعب من خلال صناديق الديمقراطية.
المجال مفتوح للجميع للتنافس على السلطة بالطرق المشروعة والحراك السياسى السلمى، وفى النهاية الحكم للشعب الحر الواعى، على النخب السياسية والثقافية والإعلامية التحرك السلمى والديمقراطى والحوار البناء، وفى النهاية تلتزم بحكم الشعب وما يوافق عليه الشعب، هذا هو الطريق الذى أجمع عليه المصريون جميعا وأجمع عليه العالم كله ولا بديل آخر له.
عاشت بلادى حرة وديمقراطية وسلمت من كل شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.
د. عبد الجواد حجاب يكتب: لا حكم إلا لإرادة الشعب
الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012 11:17 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة