سياسة الهروب إلى الأمام هى حالة من تمرير ما لا يُقبل بشكل يبدو مقبولا، وإلباس ماهو مُختَلف عليه بلباس يبدو عليه اتفاق وتوافق، خاصة وإذا كان هناك مَن يقومون بدور حصان طروادة فيمررون بدواخلهم ما لا يطيق الرئيس وحده أن يمرره، فيمرر من خلال إرادتهم إرادته هو المنفردة أو ربما إرادته هو، لتبدو إرادة الجمع والمجموع وهى فى الواقع إرادة جماعة واحدة ووحيدة!
جاء الإعلان الدستورى الجديد والأخير ليكرِّس حالة من الخلاف السياسى وسط حالات من التحريك من جانب جماعات الإسلام السياسى، ووسط غزوات من التصريحات المنفعلة أحياناً والمفتعلة أحياناً أخرى، وفى هذه الضبابية والمناخ غير الصحى يعلن الرئيس بإلغاء الإعلان الدستورى الذى أثار الجدل دون إلغائه، ولا يقبل بدعوة القوى الوطنية بتأجيل الاستفتاء على الدستور وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور.
وكان الرئيس مرسى قبيل انتخابه وعد بشكل واضح وصريح بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وكذلك عدم طرح مسودة الدستور للاستفتاء إلا إذا جاءت بتوافق شعبى، ويبدو أن الرئيس قد نسى ما وعد به، أو تناسى أو ربما هو يعلم كما قال الجبرتى إن "ذاكرة العوام، ثلاثة أيام" أو كما قال الأديب المصرى نجيب محفوظ أن "آفة حارتنا النسيان".
الرئيس مرسى مسئول مسئولية سياسية عن دماء المصريين التى أريقت على جدران الاتحادية بغض النظر عن هويتهم وانتماءاتهم وقناعاتهم، حيث كان الإعلان الدستورى الذى أثار الجدل هو المتسبب الرئيسى فى حالة الاحتقان السياسى التى شهدتها البلاد والتى كادت أن تصل بمصر إلى حرب أهلية، وهى حالة مازالت مستمرة، وسط أخبار الاشتباكات فى معظم محافظات مصر إن لم يكن كلها، ووسط إعلان بعض المدن استقلالها عن مصر، وبرغم استقبال البعض لأخبار الاستقلال بنوع من الدعابة والسخرية إلا أن دلالات الأمر وما فيه من رمزية يوحى بأننا أمام وضع جد خطير.
وبغض النظر عن عواصف الأسئلة المتعلقة بالإعلان الدستورى المثير للجدل، الإعلان قبل الأخير، سواء من حيث توقيت إصداره، أو من حيث طريقة إصداره دون تشاور مع مستشارى الرئيس أو نائبه المستشار أو وزير الدولة للشئون القانونية، وبغض النظر عن ما احتواه من مواد تعصف بمبدأ استقلال القضاء وتكرس لوضع ديكتانورى جديد، وبغض النظر عن التساؤل الهام الذى قد يحمل نصف إجابة: "مَن يصنع القرار داخل مؤسسة الرئاسة"، وبغض النظر عن الإعلان الدستورى الأخير الذى هو تكريس للاختلاف والانقسام الذى تشهده البلاد، على القوى الوطنية الرافضة للدستور - وللمناخ غير الصحى الذى تعيشه مصر الآن - محاولة قبول قواعد اللعبة والتعامل معها بما لايسمح باستخدام قوى الإسلام السياسى لفزاعة أن القوى الرافضة للدستور تريد زعزعة الاستقرار ولا ترضى بأى طرح سياسى يدعوا للوفاق والتوافق.
ضرورى بدء حملات توعوية للناس فى هذه المدة القصيرة من أجل إقناعهم بضرورات رفض الدستور إذا تلاقت مع قناعاتهم، فالدستور وإن كان ضمانة حقيقية لحقوق المواطن فى علاقته مع الدولة، إلا أن الضمانة الحقيقية هى حالة الحراك المجتمعى والحشد الناجح الذى قامت به القوى السياسية من غير الإسلام السياسى فى الأسابيع القليلة الماضية، وكسرت احتكار القوى الإسلامية لفكرة الحشد، وكسرت احتقار القوى الإسلامية لدعوات الحشد دونهم.
وضرورى أن نعى أن المقاطعة فى هذه الحالة بين اختيارين، هى خيار يبدو أقرب للموافقة والقبول وليس للرفض، فإذا كانت مبررات البعض بأن المقاطعة تُعرى الاستفتاء من الشرعية السياسية، فإن هذه نظرة قاصرة وقصيرة، لأنها لا تمنع الشرعية بل تمنحها بقبول مبطَن ورفض خجول بعدم الاختيار,
وضرورى أن نعى أن العبرة ليست أبداً بالدستور، حيث كان مبارك يعصف بحقوقنا وحريتنا الأساسية بدستور يكفلهما بشكل كبير، وبالتالى الحراك فى الشارع الآن أمر ضرورى ومهم.
وبرغم المناخ غير الصحى فى مصر الآن، وبرغم حالة الاستقطاب الشديدة التى ظهرت منذ استفتاء مارس 2011، ووصلت الآن إلى قمتها، إلا أن ما يحدث هو أمر صحى للغاية، ضرورى تقويم الإعوجاج إن وُجد ولو كان بثمن، ولو لم يتم تقويمه بشكل كامل، وضرورى التعامل مع واقع الأمر ومع الخيارات السياسية وإن كانت على غير هوانا، وضرورى تقييم المسار والمسيرة لنستمر، ليعرف كل فرد منا أين أخطأ، لأنه لا سياسة بلا أخطاء، من أجل نرى مصر أفضل ولتظل الثورة مستمرة!
أحمد عبد العليم يكتب: الرئيس وسياسة الهروب إلى الأمام!
الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012 08:58 ص
الرئيس محمد مرسى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
رافت الديب المحامى
صناعة الكذب
عدد الردود 0
بواسطة:
م/ اسامة
قل اللهم ارحم الشهداء
عدد الردود 0
بواسطة:
بيبو
ههههههههه