"الأسود يليق بك".. الغناء وثيقة بقاء ضد التطرف والإرهاب الدينى

الإثنين، 10 ديسمبر 2012 01:00 م
"الأسود يليق بك".. الغناء وثيقة بقاء ضد التطرف والإرهاب الدينى الروائية الجزائرية أحلام مستغانمى
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"حاذر أن تغادر حلبة الرقص كى لا تغادرك الحياة»....بمثل هذه التحذيرات الكثيرة تعكف الروائية الجزائرية أحلام مستغانمى عبر صفحات روايتها الجديدة "الأسود يليقُ بكِ" الصادرة مؤخرًا عن دار نوفل، على خلق وثيقة حرية سطرتها النوتات الموسيقية، من أجل البقاء والخلود أمام الإرهاب الدينى والتطرف بكافة أشكاله المادية والمعنوية من خلال قصة حب غير عادية.

تعترف "مستغانمى" فى بداية روايتها بأنها ما نثرت روايتها إلا من أجل صديقتها التى تعيش على الغبار الذهبى لسعادة غابرة، كل ما حاولته إيقاد المزيد من النار لتطيل عمر الرماد، فلم تندم يومًا على عشقٍ التهم تلابيب شباكها، فترى فى الألم كرامة تجمل العذاب، فتحاول – مستغانمى - بتلك النوتات الموسيقية أن تعلمها الرقص على الرماد لتنفض غبار الذاكرة، وتصطحب القارئ معها عبر أربع حركات ليتعرف على سيناريو سينمائى لقصة حب جمعت بين ثرى عربى وفتاة جزائرية، يتعرف على قريتها، وعملها كمدرسة قبل أن ترحل إلى بيروت وسوريا حيث موطن أمها، وصولاً إلى بداية شهرتها كمطربة تهرب من الحب لتجده يختبىءُ لها فى باقة الورد التى وصلتها فى "عيد الحب" ومعها كارت كتب عليه عبارة "الأسودُ يليقُ بكِ".

لم تكن تدرى "هالة الوافى" وهى تتحدث فى إحدى الفضائيات التى خصصت حلقتها عن "عيد الحب" أن رجلاً من بين كثيرين يشاهدونها يدعى "طلال" ستعيش معه قصة عشقٍ لم تسمع بها، أو تتخيلها، ولم يكن يدر "طلال" أنه سيفعل كل هذا من أجلها، وهو الذى لا يعرف ما يريده منها، فهى فى نظره فتاة ليست أجمل من غيرها، ولا تهزه أغنياتها، لعله يريد فقط حالة الشغف التى سكنته مذَّ رآها.

ولن يعترف "طلال" حتى لنفسه بأنه خسرها، سيدعى أنها من خسرته، وأنه من أراد لهما فراقًا قاطعاً كضربة سيف، فهو يفضل على حضورها العابر غيابًا طويلاً، وعلى المتع الصغيرة ألمًا كبيرًا، وعلى الانقطاع المتكرر قطيعة حاسمة، لشدة رغبته بها، قرر قتلها كى يستعيد نفسه، وإذ به يموت معها، فسيف العشق كسيف الساموراى، من قوانيه اقتسام الضربة القاتلة بين السياف والقتيل، وكما يأكل القط صغاره، وتأكل الثورة أبناءها، يأكل الحب عشاقه، ويوم شاهدها لأول مرة تتحدث فى حوار تليفزيونى، ما توقع لتلك الفتاة مكانةً فى حياته، فلا هو سمع باسمها يوماً، ولا هى كانت تدرى بوجوده، لكنها عندما أطلت قبل أيام، كان واثقًا أنها لا تتوجه لسواه، فما كانت أبهتها إلا لتحدّيه، وكما دخلت حياته من شاشة تليفزيون غادرتها، لكأنّ كل شىء بينهما حدث سينمائى فى عالم افتراضى، وحده الألم غدا واقعًا، يشهد أن ما وقع قد حدث حقًا، ولذا فإن عزاءه أنها لا تسمع لحزنه صوتًا – وحده البحر يسمع أنين الحيتان فى المحيطات، لذا لن تدرى أبدًا حجم خسارته بفقدانها.

و"هالة الوافى"...هى ابنة القتيل، وأخت القتيل، لها قرابة بمئتى ألف جزائرى ما عادوا هنا. قتلهم الإرهابيون، واختلف فى قتلهم الفقهاء: أهم "قتلى"؟ أم "ضحايا"؟، أم "شهداء"؟ فكيف يفوزون بشرف الشهادة، وهم لم يموتوا على يد "النصارى"، بل يد من يعتبرون أنفسهم يد الله، وبيده يقتلون من شاءوا من عباده؟.

كان يحدث أن تقوم قوات الأمن بمداهمة الحدائق والتحقيق مع كل اثنين يجلسان متجاورين، ففى نوبة من نوبات العفة، تم إلقاء القبض ذات مرة فى العاصمة على أربعين شابًا وصبية معظمهم من الجامعيين، وأودعوا السجن فيما كان الإرهابيون يغادرونه بالمئات مستفيدين من قانون "العفو"!!.. كان زمنًا من الأسلم فيه أن تكون قاتلاً على أن تكون عاشقًا.

كانت جامعة قسنطينة ممرًا إجباريًا لكل الفتن، ومختبرًا مفتوحًا على كل التطرفات، وبرغم ذلك، حاول "علاء" شقيق "هالة" على مدى أربع سنوات أن يضع مسافة حذر بينه وبين زملائه، ولكن ليس بينه وبين الزميلات، وهو ما لم يغفره له أصحاب اللحى، وخاصة بعدما أحبَّ فتاة لم يكن يدرى أن أحد الملتحين يشاركه حبها، ولأنه لم يحظ بها، وشى به زورًا حتى لا يخلو لهما الجو أثناء اعتقاله، فحدث أن قبض على "علاء" أيام الرئيس "بوضياف"، حينما قامت السلطات بمداهمة الجامعة، وإلقاء القبض على عشرات الإسلاميين وإرسالهم إلى معتقلات الصحراء بعد أن ضاقت المدن بمساجينها، وكانت هذه المعتقلات تضم عشرات الآلاف من المشتبه فيهم، يقبع بينهم الكثير من الأبرياء، فلا وقت للدولة للتدقيق فى قضاياهم، أو محاكمتهم، لانشغالها بمن احتلوا الغابات والجبال، وأعلنوا الجهاد على العباد والبلاد.

وجد "علاء" نفسه متعاطفًا مع الأسرى، بعد ما رآه من مظالم وتعذيب، وما عاشع من قهر وهو يحاول عبثًا إثبات براءته، بعد خمسة أشهر أطلق سراحه، ولم يقم بين أهله أكثر من بضعة أسابيع، كان ثمة فى كل حى شبكات تجنيد، كما شبكات لاختطاف الأطباء والتقنيين وكل من يحتاج الإرهابيون إلى مهاراته، أقنعوه بأن يلتحق بالجبال، ليضع خبرته فى إسعاف "الإخوة"، هناك ومعالجة جرحاهم.

كان "علاء" يكره أصحاب البزات وأصحاب اللحى بالتسوى، وقضى عمره مختطفًا بينهما بالتناوب، وجد نفسه خطأً فى كل تصفية حساب، يحتاج إلى لحيته حينًا ليثبت لهؤلاء تقواه، ويحتاج إلى أن يحلقها ليثبت للآخرين براءته، حاجة الضحية إلى دمها ليصدقها القتلة. فانتهى به الأمر أن أصبح ضدهما معًا وأدرك متأخرًا أن اللعبة أكبر مما تبدو، كان المتحكمون يضخمون بعبع الملتحين، فكان الخيار إذًا بين قتلة يزايدون عليك فى الدين، وبذريعته يجردونك من حريتك، وآخرين مزايدين عليك فى الوطنية، يهّبون لنجدتك، فيحمونك مقابل نهب خزينتك.

ومن القصص القصيرة لمن اغتالهم الإرهاب الدينى تذكر "هالة" حادثة اغتيال الشاب "حسنى"، وقطف زهرة صوته، إلا أنهم ما توقعوا أن يصعد شقيقه إلى المنصة، ليثأر لدم أخيه بمواصلة أداء أغانيه أمام جثمانه، فأربكهم أن يواجههم أعزل إلا من حنجرته.

بمثل هذه الإحالات والقصص القصيرة التى ترويها "مستغانمى" من خلال "هالة الوافى" تصل للغاية التى تستقر فى القلب قبل العقل كمن يؤمن بدينٍ جديد، وهو وبقاعة فقهية لم يفت بها أحد من قبل تقول "من يغنى قد هزم خوفه.. إنه إنسان حرّ، بلي، بإمكان من لا يملك إلا حباله الصوتية أن يلف الحبل حول عنق قاتله، يكفى أن يغنى، فلا قوة تستطيع شيئًا ضدَّ من قرر أن يواجه الموت بالغناء".





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة