معصوم مرزوق

حالة إنكار

السبت، 01 ديسمبر 2012 10:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما نهرب من الواقع والوقائع الواضحة، ونتحدث عن صورة لا وجود لها.. تلك حالة إنكار، وهى تتحول إلى حالة مرضية إذا أدمنها فرد أو جماعة أو مجتمع..
تنتقل بالحالة إلى السقوط فى الوهم، على ضوء الأحداث المتتابعة التى تمر بها مصر وحتى كتابة هذه السطور فإنه يبدو أن السؤال لم يعد هو «هل احتمال حرب أهلية قائم؟»، وإنما السؤال هو «متى؟»، فلا أظن أن هناك تفسيرا آخر للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس سوى أنه إعلان للحرب، وربما يكون تمهيدا للإعلان الدستورى القادم بتشكيل «الحرس الثورى» لحماية الثورة من الثوار، ثم إعلان آخر بنقل مسؤولية المحكمة الدستورية إلى اتحاد كرة القدم، بعد أن أصبح القانون كرة يتم التلاعب بها بين الأقدام.

لا علاقة للدين بما يحدث، ولا يمكن حتى اعتباره صراعا سياسيا.. إنه إفلاس النخب المصرية وعجزها عن قيادة أو حماية الجماهير ولا علاقة له أيضا بالثورة لأنها صارت مثل «محظية» يتم الاستمتاع بها دون أن يتحمل مسؤوليتها أحد.. فمن الواضح أن هناك تعنتا كاملا يرفض كل اقتراح بحل وسط أو مخرج، يستند على سحب الإعلان الدستورى الذى فجر الموقف كله.. ويرى أهل الحكم أن التراجع الكامل يعنى انتحارا سياسيا لمرسى وجماعته، ولكن ألا يرون أن مواصلة جمود موقفهم يعنى انتحارا للأمة، ومع ذلك أتمنى أنه لاتزال هناك نافذة أرجو أن تسمح للضوء أن ينفذ.

لقد كنت فى ميدان التحرير يوم الثلاثاء الماضى، وهو اليوم الذى أراه وبدون مبالغة يوما من أيام مصر الخالدة، رأيت فيه نسخة محدثة من ميدان 25 يناير، نساء ورجالا، شبابا وكهولا.. هتافات وأغانى.. قلب مصر ينبض من جديد.. من جميع التيارات، وقد قابلت هناك بعض شباب الإخوان.. ولم تكن هناك واقعة تحرش واحدة رغم العدد الكبير من النساء الذى تواجد فى زحام المتظاهرين، وظنى أن التحرش الفكرى أسوأ من التحرش الجسدى.. لأن التحرش الفكرى يمارس فيه «لواط العقول»، ويؤدى إلى ما نراه من سلبيات أخرى.

كان الميدان فى ذلك اليوم ملخصا بليغا لشعب مصر، يرسل رسالة حضارية سلمية لأولى الأمر أن هذا الشعب لن يستعبد بعد اليوم، ولن يركع إلا لله، وأقول باختصار إنه لو كان للإعلان الدستورى أى فضيلة فهى أنه أعاد وحدة الشعب المصرى وحماسه لمواصلة الطريق.

عندما كنت أعبر كوبرى قصر النيل بين الحشود تذكرت الدماء التى سالت هناك، وترحمت على شهداء مصر فى كل الأزمان.. حمدت الله الذى مد فى عمرى حتى أرى بعينى ذلك المشهد الذى يجمع الشعب بمختلف طوائفه يعبر عن رأيه بحرية، لأن ذلك كان حلمنا فى خنادق الانتظار وميادين القتال، وفى عيون الشهداء فى لحظة الوداع.. أيها الرفاق هاهى مصر التى افتديتموها تشرق كما كنتم تحلمون.

مازلت أرى أن هناك أملا فى إدراك الموقف عن طريق حوار عاقل.. المهم أن يدرك كل طرف مسؤوليته فى هذه اللحظات الحرجة.. إن ما حدث من اعتداء على أبوالعز الحريرى يتكرر بأشكال مختلفة فى حملة ترهيب لا يمكن إلا أن يكون وراءها عقول شريرة واندفاع أعمى، أدت أيضا إلى وفاة طفل فى دمنهور.. كم مواطناً مصرياً يجب أن يقتل قبل أن نتوقف عن هذه الكوميديا السياسية السوداء.. ما الذى ينتظره الرئيس؟ ما الذى ينتظره قادة الرأى.. هل اكتفى الجميع بالإعداد للصدام فى الشارع.. عار عليكم، عار علينا جميعا.

ومع ذلك لا أظن أنه من الحكمة تعميم الاتهام.. الإخوان فى النهاية جزء من الجسد السياسى المصرى، له أشياع ومؤيدون لا يجوز إغفالهم.. لذلك أدعوهم إلى الاشتباك السلمى الإيجابى مع كل الفصائل السياسية.. ذلك هو القدر المأمون لتحقيق تطور الحياة السياسية دون عزل أو إقصاء أو خلق أعداء من بين أبناء الوطن الواحد، فلا يختلف أحد على أن الإخوان فصيل سياسى مصرى أصيل، وأعلم أنه كانت هناك محاولات مخلصة لمنح الرئيس مخرجا مشرفا من الأزمة التى خلقها، حيث لم يعترض أحد على اقتراح يتضمن سحب الإعلان الدستورى، مع إعلان القوى السياسية إبداء الرغبة فى العمل مع وتحت قيادة الرئيس لمواجهة المصاعب التى تواجه الوطن، سواء فى الاقتصاد والأمن وتحقيق أهداف الثورة، وأهمها العدل الاجتماعى.. وللأسف مازالت هذه المحاولات تواجه بتعنت، بل وصل الأمر إلى التهديد، وأظن أن مشكلة مؤسسة الرئاسة فيما نراه حاليا أنها صارت كمن ينظر إلى المرآة ولا يرى فيها سوى نفسه، وكم أتمنى مخلصا أن يتخذ الرئيس الخطوة التى لا مناص عنها قبل فوات الأوان..

أصبح القابض على العقل مثل القابض على الجمر، ولكن لابد من التمسك بالوعى والإصرار عليه مهما كانت الصعاب، وذلك هو أول ما ورد إلى ذهنى بعد نقاش محتد مع بعض «محدثى» السياسة.. كان الحديث حول التجربة التركية، فكشرت بعض الوجوه وكشفت عن أنيابها، وتفضل أحدهم بقذف أوصاف مثل «أنت ليبرالى كافر» ثم أضاف سلسلة من الشتائم النابية إلى اسم رجل فارق دنيانا منذ 42 عاما «ناصر».. إنهم لا يرون الآخر، ويظنون أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة، فى حالة من الإنكار تصل إلى حد جنون الانتحار الذى يريدون بوعى أو بغير وعى دفع الوطن كله إليه.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر

والله انتا بتحلم!

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

حالة انكار وحالة "قرف"

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

صراع الارادات

عدد الردود 0

بواسطة:

جرجس فريد

دستور فتح المزاد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة