"تشبهُ راياتِ اللهِ" قصيدة لـ"سمير درويش"

السبت، 01 ديسمبر 2012 12:03 ص
"تشبهُ راياتِ اللهِ" قصيدة لـ"سمير درويش" سمير درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
توقَّفَ القصفُ إذًا، فلا أسمعُ الآنَ إلا صوتَ دمِي
وأصواتَ طلقاتٍ متفرِّقةٍ تقيسُ قدرةَ القتيلِ
علَى مواصلةِ اللهوْ.

فخذُوا الصغارَ إلى الأسرَّةِ، واحضنُوا زوجاتِكُمْ
بعدَ اكتمالِ النميمةِ، والبهجةِ المستعارَةِ،
ولا تفتحُوا النوافِذَ حتَّى لا يراكُمُ اللهُ عرايَا!
***

القتيلُ يحوِّمُ فوقَ رؤوسِنَا متدثرًا بقصائدِ اللهْوِ
التِى تبادلْنَاهَا ليلةَ القصفِ،
ربَّمَا يرميهَا علَى رؤوسِ أعدائِهِ منْ علِ
لتكبِّلَ الطائراتِ الحربيَّةَ حينَ ينامُ الصغارُ،
وربَّمَا يعيدُهَا إلينَا لنموتَ تدريجيًّا،
إنْ لمْ تتحرَّرِى سريعًا منَ الكآبةِ المفرطةْ.
***

لكنَّهْم زرعُوا الظلامَ علَى فوهاتِ البنادِقِ،
والجنازيرَ الثقيلةَ علَى الإسفلتِ،
وراياتٍ تشبهُ راياتِ اللهِ علَى أسنَّةِ الحرابِ،
وقالُوا: سلاما.
فلماذَا تستغربِينَ أن الكشافاتِ لا تزيلُ السوادَ،
وأنَّ البلاغَةَ تلهِبُ الأكفَّ، ولا تغسلُ القلوبْ!
***

أرصُّ الحالمينَ علَى رصيفٍ منزوٍ
لا يفخِّخُهُ جنودُ الأمنِ بأغانٍ وطنيَّةٍ
ولا تهجرُهُ الحبيباتُ،
وحينَ يتساقطُونَ ميتينَ واحدًا بعدَ واحدٍ
ألوِّنُ موجَ النيلِ بالأحمرِ الحزينِ
وأتلُو: "ولا تحسبَنَّ.. .."
***

اللهُ لمْ يرسلْ جنودَ الأمنِ إلى "قصرِ العينيَ"
فقطْ أرسلَ شمسًا زاهيةً، ولوحاتٍ تشكيليَّةً،
وكتبًا مقدسةً، وحالمينَ، وعشاقًا، وقرًى، وموسيقَى.
اللهُ مشغولٌ..
تسندُ راحتُهُ نبتةً تحاولُ اختراقَ الطينِ
وينفخُ مطرًا بأجنحةٍ بيضاءَ
وضحكاتِ الأطفالْ.
***

أحاولُ أن أرمِّمَ رأسِى الذِى يتصدَّعُ علَى مهلٍ
أسحبُ ركبتى منْ مستنقعٍ مُوحلٍ
وأكملُ صورةً للضبابِ: ندفةُ ثلجٍ لصقَ أخرَى
لكنَّنِى أصطدمُ بأعمدةٍ تصبُّ عتمةً لزجةً
وكائناتٍ منْ حديدٍ مغطَّى بصدأٍ قديمٍ
فأصرخُ: يسقطُ المرشدُ.. يسقطُ.. ..
***

كانَ أبيضَ، ضحكتُهُ مرفرفةً
شممتُ أريجَهَا حينَ اصطفَّ جسدٌ لِصْقَ جسدٍ.
قلتُ لصاحبِي: هلْ ترَى اللهَ؟
هزَّ رأسَهُ بولَهِ ناسكٍ،
أفرجَ عنْ دمعةٍ شفَّافَةٍ
وقالْ: أربعُ تكبيراتٍ، وفاتحةٌ، ودعاءانِ،
ويصيرُ الفتَى ضحكةً بيضاءْ!
***

رأيتُ اللهَ يحرِّكُ الأقدامَ،
يرفعُ الأجسادَ الصغيرةَ علَى ظهرِ الهواءِ،
يُدْخِلُهَا منْ نافذةٍ بيضاءَ كقلبِهِ الممتدِّ:
أنهارًا وبحارًا وحدائقَ وقرًى وشموسًا وبساتينْ.
لكنَّ الدخانَ تسرَّبَ إلى عيونِهِمْ
فتساقطُوا بقعًا حمراءَ علَى لوحةِ الأبدْ!
***





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة