وشكلت تساؤلات الإعلاميين والمفكرين والسياسيين المشاركين فى الندوة هجوما كبيرا على رؤية الدكتور صالحة لإعادة الدور المصرى فى المنطقة، الأمر الذى أثار حفيظة الباحث التركى قائلا:"أشعر وكأننى أمام البرلمان الأوروبى الذى دائما يطارد تركيا فى العديد من المسائل الداخلية".
وأقيمت الندوة وسط حضور كبير من رموز الإعلام والفكر والسياسة كان على رأسهم الدكتور مصطفى الفقى، والدكتور أسامة الغزالى حرب، وعبد المعطى حجازى، والكاتبة الصحفية أمينة خيرى، والإعلامية سحر عبد الرحمن، والمحلل السياسى إيميل أمين.
ففى بداية الندوة، قال الدكتور سمير صالحة، إن المشهد المصرى كما يراه من أنقرة وبعد مضى عام على الثورة فى مصر هى وجود مطالبة لمصر بتحسين أدائها فى الداخل والخارج وهى بدأت تفعل ذلك، مشيراً إلى أن الثورة نجحت فى قطع الطريق على محاولات رموز النظام السابق حماية المواقع والمقارعة والعودة إلى الإمساك بزمام الأمور.
وشمل البحث الذى ألقاه صالحة أربعة محاور رئيسية وهى الخارطة الإقليمية يعاد رسمها فأين مصر؟، تركيا: التجربة والمصالح الإقليمية، العلاقات التركية المصرية، ما الذى ينتظرنا: سيناريوهات المستقبل عربيا إقليميا ودوليا.
ويوضح صالحة أن هناك رغبة حقيقية فى إعادة تنظيم الشئون الداخلية السياسية الدستورية الاجتماعية الإنمائية فى مصر.. المهم أن لا تتحول حالة الاندهاش السياسى القائمة اليوم إلى صدمة تخيب الآمال وتعيد المصريين إلى نقطة البداية التى تحركوا منها فى ساحة التحرير.
ويتابع: "لا يمكن لمصر أن تتحرك وتتغير دون إصلاحات حقيقية فى الداخل.. نحن نفهم أن الإصلاحات الدستورية الأخيرة فى مصر ليست نهائية حاسمة وأن الرئيس المصرى سيقود عملية إعلان دستور آخر بأسلوب وطريقة حضارية تجمع الشمل وتوحد شرائح المجتمع المصرى".
ويلفت أستاذ القانون التركى إلى أن الرئيس المصرى الجديد أقنع الكثيرين أنه يعيش مشاكل الناس ويتابع مصالحهم من خلال المعلومات التى ذكرها عن التلاعب بأسعار البوتاجاز، ودقيق الخبز والملابسات التى تحيط بمشكلات المرور وغير ذلك، لكنه يقول كذلك أن دائرة الفساد أوسع مما يظن كثيرون، وأن معركة النظام والحكومة ضد رموزه ومظاهره شاقة وأن القضاء عليها يحتاج إلى وقت طويل كما يحتاج إلى تعاون المجتمع فى ذلك.
واستطرد: "الرئيس نجح فى مخاطبة الجماهير والتعامل معها لكن الحكومة والقيادات السياسية فى السلطة لم تصل إلى ذلك بعد".
ويشير صالحة إلى أن مصر لم تحدثنا عن رؤيتها الاقتصادية للمستقبل، نحن ننتظر الرؤية الاستراتيجية.نريد أن نتعرف إلى تفاصيل خطة انتشال مصر وإعادتها إلى قلب مركز القرار الإقليمى بعيدا عن الموالاة والارتماء فى أحضان البعض.
وينوه إلى أن القاهرة أعلنت موقفها إزاء ما يجرى فى المنطقة العربية التى تعيش وسط الرياح والعواصف وهى تستعد لمراحل الدخول فى إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، حيث لا نعرف بالضبط ما الذى سيحدث بعد سقوط النظام السورى، وتأثير ذلك على أكثر من بلد وعاصمة.. لا أحد كما نفهم فى مصر يريد العودة إلى الماضى لكن المستقبل أيضا ينبغى أن يحدد مساره وخطوطه العامة بأسرع ما يكون، فمصر لم تنجح بعد فى خلع لباس الاشتراكية بمواصفاتها الكلاسيكية السلبية التى هرب منها العديد من الدول الشرقية منذ أواخر الثمانينات وتبنى التحول والانتقال إلى إعطاء الأولوية للحرية الفردية والاقتصاد الحر.
مستطردا: "هل صحيح هو ما يقال عن جهاز إدارى فى مصر عدده 6 ملايين موظف، وجهاز إدارى فى الصين عدده 3 ملايين موظف".
ويؤكد الدكتور صالحة أن العقبة الرئيسية التى تقف عائقا فى طريق المسيرة تظل ترجمة شعار الحرية المتفق عليه فى ساحة التحرير حيث يبدأ التطبيق والممارسة.
وألقى مقرر اللجنة الإعلامية عبد المنعم الأشنيهى كلمة سمو الأمير طلال بالنيابة عنه والتى جاء نصها:
يسرنا فى هذا الملتقى الفكرى " مصر الموقع والدور" أن نلتقى بكم وأنتم تمثلون النخبة من أهل الفكر والسياسة والإعلام لنستمع معاً إلى ضيفنا الكريم الدكتور سمير صالحة عميد كلية القانون بجامعة غازى عنتاب بأسطنبول وخبير فى الدراسات السياسية المصرية التركية، لكى يثرى معلوماتنا.. لكن لماذا الدكتور سمير صالحة بصفة خاصة ولماذا مصر؟.
فضيفنا كان له مقالة من الأهمية التى دعت الأمير طلال إلى إشراك أبناء هذا البلد للاطلاع على أفكار هذا الرجل، أما مصر فأعتقد أنه لا يخفى على أحد الحب الكبير الذى يكنه راعى هذا المنتدى سمو الأمير طلال لهذا البلد العزيز على نفسه، هذا الحب الذى يملأ قلبه، ويجعله حريصاً على مستقبله ومكانته ووصيه والده الملك عبد العزيز.. رحمه الله.
انتبهوا لمصر.. مصر أهم بلد بالنسبة للعالم العربى عموماً وللسعودية بصفة خاصة، هذه الوصية لا تفارق وجدانه وإنه دائم الحرص على تنفيذ مضمونها.
وكشف الدكتور مصطفى الفقى خلال الندوة أن الرئيس المصرى السابق كان حريصا على العلاقات المصرية التركية حيث كان يعمل على بناء علاقات طيبة ومقربة معها لكى يتجمل بها أمام أمريكا والغرب وأيضا لتعويض علاقاته السيئة مع إيران.
وانتقد الفقى فى مداخلته عدم إشارة المحاضر إلى الإرث الناصرى فى العلاقات التركية، مشيرا إلى حادث الأوبرا عام 1953 عندما ألقى ناصر المنضدة فى وجه السفير بسبب تدخله فى المشروع الزراعى المصرى.
وأشار الفقى فى مداخلته إلى رفض أوروبا الدائم لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبى وفى المقابل إصرار تركيا الشديد على أن تكون فى ذيل دول الاتحاد الأوربى.
وقال الفقى إن النظام الحالى لم يتمكن من تبنى رؤية جديدة بل يضرب فى كل اتجاه دون تخطيط وخريطة واضحة، والسبب الرئيسى فى ذلك نقص الكوادر والانغلاق على الجماعة.
وأشار الفقى إلى عدم النظر إلى تركيا على أنها الملاك البرىء فالتاريخ التركى ملىء بالمآسى والآثام بداية من الأرمن والبلقان وآسيا الوسطى.
ودعا الدكتور صبرى الشبراوى أستاذ الإدارة والتنمية البشرية، السلطة المصرية الجديدة إلى أن تركز على أن تكون دولة تنافسية فى إطار عالمى وأن تترك الماضى السيئ وأن تنحى منحى علميا بإرادة حديثة.
وقال يجب على مصر إن تنظر إلى ما قامت به الدول المتقدمة مثل أمريكا وتركيا وأن تنتهج المنهج البشرى القائم على العلم عبر استخدام الشعب لموارده فمصر بلد غنية بمواردها ولكن ما تعانيه هو غباء حكامها منذ 60 عاما حيث لم يستفيدوا أبدا من جغرافية مصر وموقعها المتميز.
وأشار الدكتور الشبراوى على هامش الندوة إلى أن شركات عالمية مثل "كارفور" لديها ميزانية سنوية مثل ميزانية مصر وهو ما يدعو إلى الخزى والعار، مؤكدا أن الإنتاجية والإبداع والابتكار هى أهم بداية للحاق بركب التقدم مؤكدا أن مصر ليست أقل من إندونيسيا وتركيا.
وحث الشبراوى المسئولين فى مصر على تفعيل مفهوم القيم الجديدة التى تحث على الإنتاج والتعليم، فالدين الإسلامى حمل أجمل القيم الإنسانية واهتم بـ"العلم والعمل".. مشيرا إلى أن كمال أتاتورك كسر كل القيم التركية القديمة الجامدة، كما شدد على أن الأمل هو القوة الناعمة التى تحرك المجتمعات.
وقال د. أسامة الغزالى حرب فى مداخلته خلال الندوة أن هناك نوعا من الازدواجية فى العلاقات "الإسرائيلية - التركية" فهى طيبة للغاية فى بعض الأحيان وهناك محاولات تركية لتسجيل مواقف ضد إسرائيل فى أحيان أخرى.
وأشار إلى أنه لم يكن هناك خلاف واسع بين السياسة الخارجية المصرية التركية خاصة فى مرحلة ما قبل الثورة حيث كانت التوجهات الخارجية متقاربة.
وقال الدكتور سليمان نمر، رئيس الملتقى الخليجى للدراسات إن الدكتور صالحة تحدث عن منظومة شرق أوسطية عمادها مصر وتركيا، متسائلا أين الدور السورى فى هذه المنظومة، وكذلك الدور السعودى والخليجى، خاصة أن تركيا وقعت بالفعل مع مجلس التعاون الخليجى اتفاقية للتعاون الاستراتيجى.
كما أشار نمر إلى أن صالحة تحدث عن سعى مصر لاستعادة دورها فى المنطقة، ومع ذلك لم يناقش أيا من مشاكل مصر الحقيقية أو حتى يشر إليها.
انتقد الدكتور أحمد عبد المعطى حجازى الدعوات التى تطالب بمنظومة شرق أوسط جديد بيد مصرية وتركية حيث اعتبرها دعوة لإعادة النظر فى علاقات مصر بأوروبا والعرب والمسلمين وهو ما يعنى إعادة الاعتبار إلى التاريخ العثمانى.
وطالب حجازى بمراجعة التاريخ العثمانى الذى فقدت خلاله مصر استقلاليتها عند دخول الأتراك لمصر حيث أصبحت ولاية فى الإمبراطورية العثمانية، مشددا على ضرورة أن تعمل مصر بداية على استعادة زعامتها فى المنطقة ودراسة علاقاتها مع الأنظمة الأخرى بالمنطقة فمنها من يتوافق مع سياسة مصر ومنها مالا يتوافق وهذا ما سيكلفها الكثير خاصة فى ظل سلطة حالية تأخذها للوراء.
وقال حجازى إن مصر لم تكن أبدا اشتراكية فلم ينشئ فيها حزبا اشتراكيا بل كان فيها الحكم شموليا.
وأضاف حجازى فى مداخلة خلال الندوة أن المحاضر لم يركز على موضوع الطائفية فى حديثه، مشيرا إلى تحويل فئة مصرية ميدان التحرير يوم الجمعة القادم من ميدان للثورة إلى ميدان لتطبيق الشريعة، وطالب بضرورة وضع حد لحالة الخوف التى أصابت أقباط مصر من خلال الحديث عن الدستور وما يدور من جدل حول المادة الثانية من الدستور.
وفى نهاية الندوة كرم سمو الأمير طلال بن عبد العزيز الباحث التركى الدكتور سمير صالحة عميد كلية الحقوق والقانون بجامعة غازى عنتاب بتركيا ومنحه درع وشهادة تقدير.









