بعد ماراثون طويل من المفاوضات، توجت بقمة بين الرئيسين البشير وسلفا كير فى أديس أبابا، تمكن الطرفان – السودان وجنوب السودان – من توقيع اتفاقيات للتعاون الثنائى، تنهى حالة من التوتر وعدم الثقة بل والحرب بين البلدين اللذين انفصلا قبل أقل من عامين.
وتضمنت اتفاقية التعاون الشاملة ثمانى اتفاقات جاءت نتاج مفاوضات استمرت لأكثر من عامين تحت رعاية الهيئة الأفريقية رفيعة المستوى بقيادة السيد/ تابو مبيكى رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق، توصل عبرها الطرفان إلى اتفاقية شاملة.
ولقد جاءت الجولة الأخيرة من المفاوضات التى انطلقت فى الفترة من الثالث إلى السابع والعشرين من سبتمبر 2012م فى أديس أبابا متوجة بقناعة لدى الجميع بأن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق ينهى التوتر ومخاطر الصدام المحتمل بين البلدين، حيث كانت الأولوية لتلك الجولة للاتفاق على الترتيبات الأمنية بين البلدين حتى يتمكن الطرفان من تهيئة مناخ آمن وأرضية صالحة لأى اتفاقيات أخرى تعود بالمنافع للبلدين. وعليه، فقد شمل التفاوض الموضوعات الاقتصادية لإنجاز حزمة من الاتفاقيات تنقل البلدين إلى مربع التعاون والتكامل بين البلدين.
وبذلك، تم إنجاز اتفاق التعاون الذى وقعه رئيسا البلدين تتويجاً للاتفاقيـات التى تم التوصل إليها.
يؤكد الاتفاق التزام كل دولة بازدهار وحيوية الدولة الأخرى بناء على الصلات والارتباطات الوثيقة بين شعبى السودان وجنوب السودان من أجل تطوير علاقة تعاونية فى كافة المجالات التى تخدم المصالح المشتركة للبلدين، وتعزز الأمن والاستقرار والسلام المستدام، حيث تعهد الطرفان بتطبيق الاتفاقيات بحسن نية بصفة مشتركة متضامنة ومنسقة. وينص الاتفاق على تحديد الطرفين لمزيد من الآليات التنفيذية له وللاتفاقيات التى يتضمنها. كما ينص الاتفاق على آليات لمتابعة ومراقبة حسن التنفيذ من المستوى الفنى إلى الوزارى إلى الرئاسى، للحفاظ على علاقات حسن جوار.
وقد صادق البرلمانان فى جنوب السودان والسودان على الاتفاقية يومى 15 و17 أكتوبر المنقضى على التوالى، ليبقى أن على القارئ العربى أن يعلم ما تضمنته تلك الاتفاقيات، والتى جاءت كالتالى:
اتفاقية الترتيبات الأمنية:
يلتزم الطرفان بموجب هذه الاتفاقية عدم اللجوء للحرب ووقف كافة العدائيات العسكرية والسياسية والإعلامية، تطبيق كافة الترتيبات والاتفاقيات الأمنية التى تم التوصل إليها سابقاً، الانسحاب الفورى لقوات البلدين إلى جانبهم من الحدود الدولية، وإقامة المنطقة الآمنة منزوعة السلاح مع تفعيل لجان المراقبة والتحقق المشتركة حسب الخريطة المؤقتة المتفق عليها، عدا فى منطقة 14 ميل جنوب بحر العرب، حيث تم الاتفاق على جعل المنطقة بكاملها منزوعة السلاح على أن تسرى فيها الأعراف والتقاليد ومحاكم المجموعات السكانية مع فتح المعابر المتفق عليها.
هذا، وقد اتفق الطرفان على الامتناع عن عدم دعم الحركات المعارضة والمتمردة فى كل بلد ضد البلد الآخر، وجعلا لذلك لجنة مشتركة للمراقبة والتحقق فى البلدين، خلق المنطقة الآمنة منزوعة السلاح.
اتفاقية حول النفط والمسائل الاقتصادية ذات الصلة:
تعهد الطرفان بالتعاون الكامل من أجل استئناف تصدير نفط جنوب السـودان عبر السودان، حيث اتفق الطرفان على رسوم تجارية للمعالجة والنقل تبلغ نحو عشرة دولارات للبرميل فى المتوسط، بما فيها رسوم العبور السيادى، وهو مبلغ دولار بدلاً عن أربعة دولارات، بما يعبر عن العلاقات الخاصة بين الدولتين، حيث سيدفع جنوب السودان مبلغ 3.028 بليون دولار (بمعدل 15 دولاراً للبرميل)، عبارة عن ترتيبات مالية انتقالية (TFA) لفترة ثلاث سنوات ونصف هى عمر الاتفاقية، ويشكل هذا المبلغ ثلث الفجوة الاقتصادية للسودان بفعل فقدان موارد النفط المنتج فى الجنوب، وسيتم تحرك مشترك نحو المجتمع الإقليمى والدولى لتوفير نحو مبلغ الثلث الثانى من الفجوة على أن يغطى الإصلاح الاقتصادى للدولة عبر البرنامج الثلاثى للإصلاح الاقتصادى، الثلث الثالث من الفجوة. هذا وقد تم الإتفاق على إعفاء متبادل للمتأخرات والمطالبات النفطية فيما يتعلق بالدولتين.
اتفاقية حول مسائل اقتصادية معينة، تشمل تقسيم الأصول والديون، المتأخرات والمطالبات غير البترولية والسعى المشترك تجاه المجتمع الدولى:
وضعت الاتفاقية منهجاً متكاملاً لمعاجلة مواضيع الأصول، الديون، المتأخرات غير البترولية والمطالبات، وبموجب الاتفاقية يتحمل السودان كل الديون الخارجية وتؤول له كل الأصول الخارجية (الخيار الصفرى)، شريطة أن يعفى السودان من ديونه خلال عامين من خلال مبادئ مبادرة الدول الفقيرة الأكثر مديونية "HIPCS"، وإذ لم يتم الوفاء بهذا الشرط خلال عامين يتم تقسيم الديون والأصول الخارجية بين البلدين، وفقاً لأسس ومعايير متعارف عليها دولياً فى حالة الانفصال، وقد اتفق الطرفان على برنامج محدد لتحرك مشترك تجاه المجتمع الإقليمى والدولى من أجل إعفاء الديون الخارجية على السودان ورفع العقوبات الاقتصادية الأحادية المفروضة عليه التى تقف عائقاً أمام إعفاء الديون.
كما اتفق الطرفان على برنامج التحرك المشترك تجاه المجتمع الدولى للحصول على مساعدات اقتصادية للدولتين، تشمل توفير ثلث الترتيبات الانتقالية المالية (TFA) بما قيمته نحو ثلاثة إلى ثلاثة ونصف بليون دولار للسودان وأموال لتنمية الجنوب، وكذلك تم الاتفاق على إعفاء متبادل للمتأخرات والمطالبات غير النفطية فيما يتعلق بالحكومتين دون المساس بأى حقوق للقطاع الخاص أو الأفراد.
والتزم الطرفان بتشكيل لجنة لتسهيل ومتابعة الإجراءات القانونية والإدارية لاستيفاء ممتلكات وحقوق القطاع الخاص والمواطنين فى الماضى من كل دولة فى الدولة الأخرى.
الاتفاقية الإطارية للتعاون فى قضايا البنوك المركزية:
يقر الطرفان بالحاجة إلى التعاون فى إدارة السياسات المالية والنقدية من أجل بناء ثقة، للحد من التضخم وتجنب الآثار المضرة لتغيرات سعر الصرف، ويلتزم كل طرف بالاستمرار فى العمل بالأسس الدولية التى تنظم الصيرفة والتمويل. وبموجب الاتفاقية يتم تشكيل عدة لجان للمساعدة فى الاستقرار المالى فى الدولتين، من خلال تطوير نظم وإجراءات تعزيز وترقية التعاون فى مجال البنوك المركزية والمصارف التجارية.
(5) اتفاقية حول التجارة والمواضيع المتصلة بها:
التزم الطرفان باتباع المبادئ والسياسات التجارية الخاصة بالمنظمات الإقليمية والدولية التى ينتميان إليها، ويحق لكل دولة اتباع سياسة تجارية مستقلة مع الوضع فى الاعتبار إمكانية الاتفاق على سياسات مشتركة بين الطرفين، هذا مع الالتزام بتطوير وترقية العلاقات التجارية بين البلدين، بما فى ذلك تشكيل لجان وزارية ولجان فنية مشتركة، ومستقبلاً يمكن للدولتين الاتفاق على سياسة تجارية طويلة المدى لمصلحة شعبى البلدين.
اتفاقية حول مسائل الحدود (بما فى ذلك الترسيم):
تتضمن مجموعة من المواضيع المتعلقة بإدارة الحدود المشتركة بين الدولتين ومن بينها:
أ- الحدود المرنة.
ب- نهج إدارة الحدود المتكاملة.
ج- ترسيم الحدود المتفق عليها (1/1/1956).
وذلك بما يؤكد الحراك والانتقال السلمى للمواطنين، البضائع والمواشى عبر الحدود دون أى معوقات، كما تضمنت الاتفاقية ترتيبات خاصة تتعلق بالحركة الموسمية للرعاة وماشيتهم مع ضمان استمرارية نمط معيشتهم البدوية، مع التزام الدولتين بإنشاء مؤسسات إشرافية وفنية لاستكمال ترسيم الحدود المتفق عليها (نحو70-80%)، كما وردت فى التقرير المشترك الذى رفعته اللجنة الفنية المشتركة لترسيم الحدود إلى رئاسة الجمهورية أثناء الفترة الانتقالية.
الاتفاقية الإطارية حول وضع مواطنى كل دولة فى الدولة الأخرى:
وقعت هذه الاتفاقية (الإطارية) بالأحرف الأولى فى 13 مارس 2012م، وقد حددت مبادئ وآليات لمعاملة رعايا كل دولة فى الدولة الأخرى فى ظل علاقات جوار آمنة، أحد أهم المبادئ هو الحريات الأربع، الإقامة، الحركة، النشاط الاقتصادى وحرية التملك، وتتضمن الاتفاقية الإطارية التى تقوم على مبدأ التعامل بالمثل تشكيل لجنة عليا من الدولتين برئاسة وزير الداخلية وعضوية الجهات المعنية لوضع الاتفاقية موضع التنفيذ وفقاً لقوانين ولوائح كل بلد. وقد أشارت الاتفاقية إلى أمر تعديلها أو إلغائها بحسب الحال.
(8) الاتفاقية الإطارية لتسهيل دفع وتسوية حقوق ما بعد الخدمة (المعاشات):
بعد انفصال جنوب السودان، أكد الطرفان التزامهما بالاستمرار فى دفع المعاشات واستحقاقات ما بعد الخدمة للذين كانوا فى الخدمة العامة فى السودان وفى جنوب السودان من المستحقين قانوناً، ويقتضى ذلك تشكيل آليات تضمن دفع مستحقات مواطنى كل دولة فى الوقت المحدد وبسهولة، أينما كان مقر إقامتهم.
المسائل المتبقية:-
أبيى: إن موقف الحكومة الثابت هو الالتزام ببروتوكول أبيى وقانون استفتاء أبيى المستمد من البروتوكول، وذلك بحيث يتمكن كل مواطنى المنطقة، على حد سواء، حسب تعريفهم بواسطة مفوضية يتم تكوينها بموجب البروتوكول والقانون من الطرفين للإدلاء بأصواتهم فى استفتاء يحدد (بقاء) المنطقة فى جمهورية السودان أو انتقالها لجمهورية جنوب السودان (سابقاً بقاؤها فى الشمال أو انتقالها لجنوب البلاد)، وبما أن المقترح المقدم فى الجولة السابقة قد سلب المفوضية حق تحديد معايير المواطنة وقام بتحديدها مسبقاً، كما اقترح رئيس للمفوضية من خارج الطرفين فقد رفضت حكومة السودان المقترح، بينما أكدت على التزامها بالبروتوكول والقانون بشأن تشكيل المفوضية وتحديد معايير المواطنة وإجراء الاستفتاء. وقد أكدت الحكومة على عدم ممانعتها فى التفكير فى خيارات سياسية مرضية للطرفين حال اتفاقهما على البحث عن خيارات أخرى سلمية للتسوية النهائية لمسألة أبيى.
- الحدود: التزم الطرفان على ترسيم الحدود القائمة (1/1/1956) كما كانت عليه عند توقيع اتفاقية السلام الشامل فى 5/1/2005م بناءً على التقرير المشترك المرفوع من قبل الطرفين فى اللجنة الفنية المؤقتة إلى رئاسة الجمهورية فى الفترة الانتقالية، على أن يتواصل التفاوض حول المناطق الخمس المختلف عليها (دبة الفخار، المقينص، كاكا، 14 ميل جنوب بحر العرب، كافيه كنجى).
وقد تواضع الطرفان على الاستعانة بخبراء أفارقة لتقديم رأى غير ملزم للطرفين، وحال عدم الاتفاق على ذلك، يختار الطرفان أحد الخيارات المتعارف عليها دولياً لفض نزاعات الحدود بين الدول سلمياً، وبالتالى تستمر عملية فض النزاع حول المناطق المختلف عليها، ومعلوم أن تظل السيادة، كما هى عليه، إلى أن يتم حسم النزاع حول كل منطقة من المناطق الخمس (أربع منها تحت سيادة السودان، والخامسة تحت سيادة جنوب السودان - كاكا).
وفيما يتعلق بتقديم حكومة الجنوب لادعاءات جديدة، خلافاً للمناطق الخمس المختلف عليها، فقد رفضت حكومة السودان أى ادعاءات جديدة، حيث إنها، بالضرورة، ستقع ضمن المناطق المتفق عليها، وهو أمر غير وارد، منطقاً وقانوناً، على الإطلاق.
* صحفى سودانى
محمد آدم محمد يكتب: اتفاقيات التعاون بين جوبا والخرطوم.. حان الوقت لإنهاء مخاطر الصدام المحتمل
الخميس، 08 نوفمبر 2012 06:17 م
البشير
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة