فى لحظة فارقة أخرى فى مسيرة الأمة المصرية بعد ثورتها الشعبية المشهودة وقف الحضور فى كاتدرائية الأقباط الأرثوذوكس بالعباسية والشعب المصرى والعالم كله يشاهد الطفل الذهبى بيشوى جرجس مسعد وهو معصوب العينين يمد يده ليختار إحدى الكرات الشفافة الثلاث والقائمقام الأنبا باخوميوس يعلن اختيار البابا الثامن عشر بعد المائة البابا تاوضروس الثانى " البابا تاوضروس الأول هو البابا الخامس والأربعون للكنسية الأرثوذوكسية" والبابا الجديد بالصدفة هو من مواليد المنصورة فى مثل هذا اليوم 4 نوفمبر 2012م. البابا الجديد من تلامذة البابا كيرلس وخدم مع البابا شنودة أسقفا عاما للبحيرة.
بقدر الله ومشيئته قام الشعب المصرى العظيم بثورته المجيدة وكانت اللحظة الفارقة الأولى هى تنحى الرئيس المخلوع وإعلان انتصار الشعب ثم اللحظة الفارقة الثانية كانت فى إعلان الرئيس محمد مرسى أول رئيس منتخب لمصر بعد الثورة وأيضا بقدر الله كانت اللحظة الفارقة الثالثة هى اختيار البابا الجديد لكنيستنا المصرية الوطنية بعد وفاة البابا شنودة الثالث فى مارس الماضى بعد الثورة بعام تقريبا، البابا الجديد اختاره الله ليكون رجل صلاة وتعليم ورعاية لإخواننا الأقباط، وتم اختياره بطريقة قانونية حسب اللائحة أو القانون 57 بعملية طويلة وشفافة من خلال سلسلة من الإجراءات التى دلت على حكمة وحنكة القائمقام الأنبا باخوميوس الذى رفض ترشيح نفسه كعرف راسخ بالكنيسة.
تاريخيا وكما هو معروف لنا كمصريين نفخر بتاريخنا، جاء إلى الإسكندرية المعروفة بأم المدائن اليونانية فى مصر أو باريس العالم القديم، القديس مرقس الإنجيلى وأسس الكنيسة المصرية على الأرجح عام 60 ميلادية، وكان سبقه فى زيارة مصر السيد المسيح عليه السلام فى السنة الأولى من التقويم الميلادى والذى جاء إلى مصر وهو طفل مختفيا من بطش هيرودوس ملك اليهود فى القدس الذى كان يقتل كل المواليد من الذكور وهذه الزيارة تم رسمها فى صورة تسمى "سنة الرب" فى متاحف لندن وموجودة حتى اليوم.
من تاريخ تجليس البابا الثانى أنيانوس عام 63 ميلادية وإلى الآن ظلت الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية محافظة على طقوسها الأصلية خلافا لأى كنيسة أخرى فى العالم وبقيت سلسلة الرتب الكنسية الثلاث "أساقفة وقسيسين وشماسين" متصلة إلى يومنا هذا. حافظت أيضا الكنيسة المصرية على الأسرار السبعة للكنيسة منذ نشأتها، بالرغم من عقود طويلة ومريرة من الاضطهاد الرومانى الوثنى وهدم الكنائس وحرق الكتب واستشهاد الآلاف من إتباع هذه الكنيسة فيما عرف بعصر الاستشهاد وعلى رأسهم الشهيد مار مينا والشهيد مار جرجس والشهيدة دميانة وراهباتها الأربعين، ويسجل التاريخ أن هذا الاضطهاد لم تذقة أى كنيسة أخرى فى العالم.
لا يمكن أن نترك التاريخ دون الإشارة إلى ما تحمله بابابوات الكنيسة الأرثوذكسية من آثار التنافس والصراع وصل إلى حد الاضطهاد فى أحيان كثيرة من الكنائس الأخرى وهى الكنيسة الرومانية وكنيسة القسطنطينية وأصحاب البدع وأشهرها بدعة أريوس ونسطور وأظهروا براعة فى الدفاع المستميت عن عقيدتهم الأورثوذكسية فى كل المجامع التى عقدت فى التاريخ المسيحى وكان أشهرهم المدافع ديسقورس فى مجمع خليكدونية عام 449م. ظل الصراع والاضطهاد حتى جاء عمرو بن العاص إلى مصر فاتحا عام 640 ميلادية حيث طرد الرومان وأعاد الأنبا بنيامين إلى الكرسى المرقسى وخلص المصريين من بطش الحكام الرومانيين.
واقعيا وعمليا تعايش الأقباط والمسلمون فى نسيج فريد من نوعه يد بيد قاوموا الاحتلال ويد بيد حاربوا الأعداء واختلطت دماؤهم على رمال وتراب مصر ومارسو المواطنة والمحبة فى عموم الأيام والسنين. كانت الكنيسة المصرية على الدوام صرح عظيم للوطنية لايستطيع أحد المزايدة عليه، كانت ساعدا قويا للدولة المصرية فى سياساتها الخارجية وأيضا بوظيفتها الرعوية والاقتصادية أصبحت قيمة اقتصادية مضافة للدولة المصرية. لا ينكر أحد دورها ودور الأزهر الشريف فى تشكيل الشخصية المصرية والحفاظ على قيم الوسطية والتسامح والمواطنة وحياة الشراكة.
واقعيا أيضا يواجه البابا الجديد تاوضروس الثانى العديد من التحديات على رأسها مشاركة الكنيسة المصرية فى لجنة وضع الدستور الجديد الذى لايمكن أن يكون إلا دستورا توافقيا يؤدى بنا إلى دولة القانون والعدل والمساواه بهدف تحقيق أهداف ثورة يناير.
التحدى الثانى وهو إلزامى تغيير لائحة اختيار البابا فى خلال عام من تجليسه على كرسى مار مرقس. تحديات أخرى أهمها إعادة ترتيب البيت من الداخل مثل إعادة هيكلة المجمع المقدس وتوزيع المسئوليات وانتخابات المجلس الملى وإعادة هيكلته وتعديلات القانون 38 الخاص بالأحوال المدنية لغير المسلمين وأيضا قانون جديد لبناء دور العبادة وتفعيل بيت العائلة للحوار حول القضايا التى تحافظ على حرية العقيدة وحرية بناء دور العبادة والتواصل مع كل أجهزة الدولة فى إطار القانون ونشر مبادئ التسامح والمواطنة بين شركاء الوطن الواحد.
للبابا تاوضروس الثانى نقول ألف مبروك لك ولنا ولمصر كلها وندعو له بالتوفيق فى حمل هذه الأمانة وهذا العبء الكبير لصالح كنيسة الوطن ولصالح مصر وشعبها فى بقاع الأرض. وعاشت بلادى حرة متحدة وقوية.
د.عبد الجواد حجاب يكتب: مصر وكنيستها ولحظة فارقة
الخميس، 08 نوفمبر 2012 10:55 ص
البابا تاوضروس
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
coptic
الي الدكتور عبد الجواد ( بحث رائع ومقاله ممتاذه )
عدد الردود 0
بواسطة:
Tito
بصدق
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري مسيحي
مقال رائع