قال له، يا يابه: علمنى الهيافة، قاله: تعالى فى الهايفة واتصدر.
ويبدو أن كثيرا من السياسيين وصل لهم المثل الشعبى خطأ، وآفة الأخبار رواتها، فاستبدلوا السياسة بالهيافة، فصار مذهبهم فى السياسة أن يتركوا الأمور الكبار، والأحداث العظام، وأن يتصدروا فى الهايفة، ويقفوا على الواحدة.
ومما يجعل لهم بعض العذر، أن الكلمتين الهيافة والسياسة على وزن صرفى واحد، وهو الفعالة، هذا بالكسر وذاك بالفتح، فإذا كان بسمع السامع ثقلا، أو فى أذنه وقرا، فلا عجب أن يخلط بين الكلمتين.
وحين تطالع ما تنقله لنا بعض الصحف من انتقادات للرئيس مرسى، يتأكد لك ما أقول، فالبعض يعلق على خطاب الرئيس، وأنه قال: أهلى وعشيرتى. ولم يقل كما اعتدنا: أيها الإخوة المواطنون. وهذا فى نظرهم يدل على لغة شعبوية، وليس على لغة سياسية راقية، كالتى يحسنونها.
والبعض ينتقد وضع سجادة صلاة خصيصا أمام الرئيس مرسى دون غيره من المصلين، رغم علو شأنهم.
والبعض يسخر من أن الرئيس يلبس جلابية وهو يصلى التراويح، وكيف لرئيس مصر أن يلبس جلابية ويقل قيمتنا أمام العالم أجمع.
والبعض يفرح لضبط موظف بالرئاسة فى وضع مخل، وتخرج الرئاسة لتبين أن الموظف ترك الرئاسة من ثلاث سنوات، وأنا فى الحقيقة لا أفهم ما الذى تنتقد الرئاسة عليه، حتى لو كان الموظف ما زال على رأس عمله، إنما تنتقد الرئاسة إذا تم ضبطه، وتدخلت لتفرج عنه مخالفة للقانون، أما إذا أجرم أى إنسان، وضبط، وعرض على القضاء، وحكم عليه بالقانون، فهذا مثار فخر لا مثار خزى ولا فضيحة لو كانوا يعلمون.
ومثل هذه الانتقادات كثير، تقدم لها برامج، وتقام عليها حوارات، وتسود بها صفحات الجرائد، وتتصدر صفحات المجلات.
ولا اعتراض لى على انتقاد الرئيس، بل هذا مما يبشر بالخير، ويؤكد حدوث التغيير، شرط أن يكون الكلام مفيدا لا ناقصا، والاعتراض جادا لا هازلا، والانتقاد بناء لا هداما، وأن يكون الكلام فى المفيد، وليس فى "المتسابة" على رأى الفريق شفيق الله يمسيه بالخير.
لا يدرى أصحاب هذا المذهب فى السياسة أنهم يضرون أنفسهم من حيث أرادوا نفعها، وأن كلامهم سيأتى بنتيجة عكسية، وأنهم يزدادون عن جموع الشعب بعدا، فالشعب المصرى - يا ساسة - شعب كادح، يسعى على لقمة عيشه طوال النهار، وقد يستطيع تحصيلها، أو تقصر يده عنها، ويريد أبناء هذا الشعب أن يروا كلاما مفيدا حين يشاهدون التلفزيون، أو يقرأون الجرائد، لا كلاما ساقطا لا يقوله العوام فى الأحياء الشعبية، ولا الأميون وهم جالسون على المصاطب.
لن يضير الشعب المصرى أن يقول الرئيس: أهلى وعشيرتى، كما لن ينفعه أن يقول: الإخوة المواطنون، ولن يضره أن توضع سجادة صلاة خصيصا له، طالما لم توضع مصر بأسرها رهنا لأهوائه، وجلابية الرئيس لن تنقل مصر من العالم الأول للعالم الثالث، والموظف سواء كان بمؤسسة الرئاسة أم بهيئة النظافة ليس أول مواطن مصرى يجرم ولن يكون الأخير.
والغريب أنه ليس المنتقدون وحدهم من وقع فى التركيز على الأمور الهامشية الشكلية، التى لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغنى من جوع، ولكن بعض المؤيدين من فرط حبهم للرئيس، أصابهم ما أصاب غيرهم، فتراهم يملؤون المواقع والصفحات بأمور يحسبونها إنجازات، وما هى من الإنجازات فى شىء، على سبيل المثال: أن هيلارى كلينتون حين استقبلها الرئيس لم تضع رجلا على أخرى فى مواجهته. وفى نظرهم أن هذا يدل على أن عندنا رئيس محترم من العالم وليس كسابقه.
وفى نظرى أن هذا لا يدل على شىء، وأنه سيأتى من هو أقل من هيلارى كلينتون وسيضع رجلا على أخرى فى مواجهة الرئيس، وأن موازيين القوة لا تقاس بمثل هذه الشكليات.
وخذ من مثل هذا كثير.
ونصيحتى للفريقين: أن نركز على المفيد، فى القدح والمدح، وفى الاعتراض والتأييد، وفى الغضب والرضا، مع من نحب ومع من نكره.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى إلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:9].
وصلى الله على من قال: "أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة، وكلمة الحق فى الغضب والرضا، والقصد فى الفقر والغنى".
الرئيس محمد مرسى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة