نعيش فى الدنيا ونعلم أننا يقينا راحلون ورغم ذلك نهرب جميعا من لحظة الرحيل ولا نفكر فيها وكيف ستكون وكيف نقابلها وهى واقع لا محال فيه، نمر فى حياتنا بعبر كثيرة وحكم للخالق جل وعلا ولا نعتبر، نعيش بين غفلة ورغبة ونهرب من صحوة ورهبة، حتى الموت لم يعد لنا فيه عبرة فكم قريب وغريب علمنا بموته ونسينا الموت وسكراته،
ولكن كيف حالك لو رأيت الموت بعينيك وعلمت أن ما يفصل بينك وبينه ما هى إلا لحظات وثوان فماذا عساك أن تفعل فى تلك اللحظات التى تمر عليك كالبرق تريد أن تفعل فيها كل شىء قبل أن ينفذ فيك قدر الله.
ومنذ أيام مضت كنت بين الموت والحياة وهاأنا اليوم قد نجوت برحمة الله وكأنما قدر الله لى أن أعيش لحظات موتى أمام عينى وأقسى ما يمر عليك أن ترى أثر لحظات موتك فى عيون أبنائك وأهلك بين صراخهم وصيحاتهم وتضرعهم للخالق سبحانه، ما أقساها من لحظات تريدها أن تطول وأنت على يقين أنها العدم وما أقسى أن تنظر النظرة الأخيرة لصغار تتركهم فى الدنيا لبارئهم وقلبك يعتصر ألما وحزنا أنك لم تشبع منهم بعد وتريد أن تراهم أكثر حين يشخص بصرك بين يدى الله وتعجز الكلمات وتفقد الحراك وأنت مشتت بين الاستعداد للقاء الله بين التشهد والاستغفار وبين الخوف على مصير هؤلاء ومستقبلهم، وهم فى غربة عن الوطن والأهل، فتسرع بالاتصال بأقرب أصدقائك لتوصيهم بهم وكأنك تسابق الزمن لتلحق بمن يمد لهم يد العون والمساعدة من بعدك وفاءً لك ولذكراك، وحين تقف مقلتاك محدقتين أمام طفلتك الصغرى ذات العشر سنوات وهى تصرخ "لا لا لا"، وتتساءل فى نفسك من ذا الذى سيحن عليها مثلك بعد موتك، وحين تنظر بشفقة وألم لابنك الوحيد ذى الإثنى عشر عاما، وأنت توصيه بأمه وإخوته خيراً وتطلب منه أن يتحمل الموقف بثبات وهو ينهار أمامك، وماذا عساك أن ترى مرارة بطعم العلقم وأمامك زوجتك تنظر إليك نظرة وداع فى عينيها وتطلب منها أن تكون الأب والأم وهى من تتكئ عليك فتلقى عليها بكاهل الأسرة جميعا فى لحظة واحدة لم تخترها ولم تستعد لها.
هى لحظات بين الموت والحياة تتمناها ألا تمر، وتقع أمام عينيك ثم تسرع بعد ذلك فى سجدة لله وأنت ترجوه الرحمة بك والمغفرة لك، وأى حظ عاثر وابنتك الوسطى تطالبك ألا تموت وأنت لا تملك لنفسك من أمرك شيئا، وأن يكون صوت ندائها آخر ما تسمعه وأنت منقول على سرير فى سيارة إسعاف، أى لحظات ألم وعذاب وحزن ومرارة تلك وهى الحقيقة سواء تأجلت إلى حين أو نفذت حينها وأى طعم للحياة بعد الموت وأى رغبة فى كل فتن الدنيا وشهوتها، بعد أن تسمرت قدماك وعجزتا عن الحراك وفقدتا الإحساس والدفء، وبعد أن زاغ بصرك وصعدت روحك للحلقوم والدموع تملأ عينيك بحراً، وأنت تفارق الدنيا وكنت تعتقد أنك ما زلت بعد شابا يافعا، كم تدفع فى تلك اللحظة لمن يهب لك لحظة حياة أخرى بعد موتك وماذا عساك أن تفعل إذا منحك الله فرصة لتعلم كيف تكون رحمة الله بعباده وماذا ينفعك فى دنياك غير آخرتك، وبماذا تدعو الله تعالى الآن وقد وهبك عمراً آخر رحمة وكرماً وعطاءً من غير حساب من الخالق الوهاب، وبأى المحامد والشكر ستشكر رب النعم ذا الفضل السميع العليم.
قصتى أحكيها عبرة لنفسى ولغيرى فسبحان من بيده ملكوت السماوات والأرض من جعل لكل أجل كتاب فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستئخرون.
اللهم إنك أريتنى الموت رؤيا العين ووهبتنى الحياة من رحم الممات فكيف لا أكون من الشاكرين الذاكرين الأوابين، فاللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويسر لى عند الفراق وعبراته والموت وسكراته ولا تجعل الدنيا فى قلبى واجعل لى فى الآخرة حظا أوفر من دنياى واغفر لى إنى كنت من الظالمين.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح لطف الله
تحربة قاسية
عدد الردود 0
بواسطة:
أيمن جمال مشيمش
حمدلله على سلامتك
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدحامدحسين
حمدلله علي سلامتك
ويارب يطمنا عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
عابر سبيل
يبتلى المؤمن ليهذب لا ليعذب
عدد الردود 0
بواسطة:
د صفاء الليثي
ألف حمدالله عالسلامة يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
سيف الحق ادريس
حفظك الله يادكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
معتز البسيوني
لابأس طهور إن شاء الله
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو منعم الشطوي
آآآآآآآآآآآآآآآدي الربيع عاد من تاني..!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمان محمد البستانى
تحياتى دكتور هانى والف سلامة
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرم
حمدنا الله علي سلامتك - ورأفة بنا لاتبكينا ولا تدمينا