قرار على استحياء فاجأتنا به حكومة د. هشام قنديل بإغلاق جميع المحلات بمصر الساعة العاشرة مساء على أن يسرى تطبيقه بعد إجازة عيد الأضحى، أثار هذا القرار كثيرا من الجدل فى الشارع المصرى حيث إنه يمس جموع المصريين وينعكس أثره بدرجات متفاوتة على أطياف الشعب المصرى، ولذلك اختلفت ردود الأفعال تجاه تطبيق هذا القرار.
أصحاب المحال التجارية بصفتهم المعنيين الأساسيين بهذا القرار وأثاره المباشرة على حياتهم الاقتصادية والمعيشية قابلوا هذا القرار برفض تام ومعارضة قوية لقناعتهم أنه سيضر بمصالحهم الاقتصادية ويزيد البطالة للعاملين معه بهذه المحال أثناء الفترة الليلية مما يزيد من الأعباء الاقتصادية الملقاة على عاتقهم دون أن يكون لهذا القرار مردود إيجابى من وجهة نظرهم.
ومن نفس المنظور يرى العاملون بقطاع السياحة أن غلق المحلات ليلا قرار هادم للنشاط السياحى بمصر، فقد اعتاد السائح العربى والأوربى أن يرى القاهرة المضيئة ليلا ونهارا، حيث تنشط السياحة الليلية والمزارات السياحية والترفيهية التى يرتادها السائحون، وقرار كهذا سيلحق الضرر بالقطاع السياحى الذى يعد مصدرا هاما للدخل القومى المصرى.
ويرى قطاع كبير من أبناء الشعب المصرى أن تطبيق هذا القرار سيغير نمط الحياة الاجتماعية والمعيشية التى اعتادوها لسنوات طويلة وتأقلمت حياتهم وفقا لهذا النظام، ويخشون من تغير شكل المجتمع والحياة فى مصر بصورة لم يعتادوها تشعرهم بالغربة فى بلدهم.
ويبدى الكثير من المصريين تخوفهم من إظلام مصر بعد العاشرة مساء ويرون أن هذا التوقيت غير مناسب لغياب الأمن فى الشارع المصرى وانتشار البلطجة وخوف المواطنين على حياتهم وأموالهم، وقرار غلق المحلات ليلا سيزيد من انتشار الجريمة وتصبح الشوارع المظلمة مرتعا خصبا لعصابات الترويع والسرقات وكل أنواع البلطجة التى زاد معدلها زيادة غير مسبوقة وبتنا جميعا ضحايا لها.
وفى المقابل ترى حكومة قنديل أن قرار غلق المحلات ليلا من شأنه ترشيد الاستهلاك وتوفير الطاقة الكهربائية واستغلال هذه الطاقة لتشغيل المصانع والوحدات الإنتاجية التى تعمل على زيادة الإنتاج والدخل القومى.
وأيا كانت مبررات الحكومة لتفعيل هذا القرار، ووجهات النظر المقابلة الرافضة والغاضبة وتخوفاتها المشروعة. فالقضية أن قرارا بإظلام مصر بعد العاشرة مساء يهم المصريين جميعا ولا يجب أن يقرره فرد أيا كان دون الرجوع للشعب المعنى بهذا القرار، وكفانا قرارات عنترية أحادية الجانب تفرض علينا دون استشارة أو رأى وعلينا أن نتجرع نتائجها حتى وإن كانت بمرارة العلقم.
فقد قمنا بثورتنا وسقط شهداؤنا وجرحانا وانتفضنا جميعا لإسقاط نظام سابق لا لنجد حكومتنا أول حكومة للثورة تمارس ذات الأساليب القديمة وتتخذ قرارات تمسنا جميعا وتفرضها علينا قسرا دون استطلاع رأى وكأنهم أوصياء على شعب قصر لا يمتلك إرادته.
إن الشعب المصرى يمر بمرحلة نقاهة فقد تمخض الجبل عن ثورة عظيمة جاءت لتحيى الآمال وتقشع الظلام وامتلكنا زمام أمورنا فى اتخاذ قراراتنا والنهوض ببلدنا، وما زلنا نعانى السلبيات الكثيرة التى خلفت الثورة من احتجاجات، وبلطجة، وقصور أمنى، وتدهور اقتصادى، وغياب رؤى المستقبل، وغيرها من السلبيات التى انعكس أثرها علينا جميعا وجعلنا فى حالة من الاحتقان وانفلات الأعصاب وفقدان الأمل من أن نرى حلم ثورتنا يتحقق ويصبح واقعا، فقد عانينا الآلام ولم نجن الثمار.
فمازالت مصر تعانى آلام المخاض ولم تتعاف بعد، وفى هذه الأوقات التى تمر بها الشعوب يجب أن تتريث الحكومات ولا تتخذ قرارات متسرعة غير مأمونة العواقب وتعطى مزيدا من الدراسة لقرارتها ومدى ملاءمتها للمرحلة التى تعيشها البلاد.
ويجب على الحكومة إجراء استفتاء للقرارات الهامة التى تمس حياة المصريين، ولا ضرر أن تلجأ لهيئة استشارية من علماء الاجتماع لدراسة آثار مثل هذه القرارات حتى لا تفاجأ بردود أفعال غير متوقعة خاصة فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر والتى نحاول جميعا اجتيازها بأقل خسائر ممكنة حتى ننطلق إلى أهدافنا التى نسعى جميعا لتحقيقها.
وحكومة الإخوان عليها أن تتعلم من دروس الماضى القريب وتدرك أنها حكومة شعب وثورة وعليها أن تعمل لما فيه صالح البلاد.
وعلى وزارة (قنديل) أن تضىء لنا الحياة لا أن تظلم بلادنا وبيوتنا، ، فمصر ستظل دوما قاهرة الظلام.
