د. رضا عبد السلام

حل وسط للتغلب على مشكلة الدستور!

الجمعة، 30 نوفمبر 2012 06:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أستطيع القول بأن محصلة رحلة نحو عامين منذ قيام ثورة 25 يناير هى أن المجتمع المصرى تم اختزاله؛ ما بين تيار يُصنَف على أنه تيار دينى، وهذا يضم كلا من جماعة الإخوان والتيار السلفى والتيارات الدينية الأخرى، وحتى من لا ينتمون إلى تيار دينى بعينه، وإن كانت قلوبهم أكثر ميلاً للتيار الدينى، وتيار آخر يسمى بالتيار الليبرالى وهذا يضم كافة الأحزاب المدنية والجماعات والفئات الأخرى من قضاة وفنانين وبعض المنتمين لنظام السابق وبالطبع الإخوة المسيحيين.

بالطبع، ما كنت أتمنى أن تسقط مصر فى هذه الهوة السحيقة، وهذا أمر حذرت منه فى مقال بهذه الجريدة أتى تحت عنوان "هل نحن مقبلون على كارثة التطرف والتطرف المضاد" وذلك عقب قيام الثورة بشهر أو شهرين. فالكل يخون الكل، والكل يتهم الكل، حتى افتقدنا الرؤية الوسطية المعتدلة التى لطالما ميزت مصر وشعبها.
ما نحن فيه هو وضع طبيعى ومنطقى، لأن لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، فالتطرف لا يمكن أن يقود إلا إلى تطرف مضاد!.

خلال مناقشات الجمعية التأسيسية كان هناك تباين واضح فى وجهات النظر بين التيارات الدينية، التى حاولت حشر نصوص معينة فى الدستور، اعتقاداً منها بأن النص عليها ضرورى لضمان الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة المصرية، لأن ما ورد بالمادة الثانية غير كافٍ، فى حين رأت التيارات المدنية أن حشر تلك النصوص فيه تضييق وربما يقود مصر مستقبلاً للخضوع لتفسيرات مذهبية متشددة كالمذهب الحنبلى أو غيره، وأنه كان يكفى ما ورد فى المادة الثانية من النص على "أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع"!.

ولهذا، وفى ضوء إصرار التيار الدينى- الذى يشكل أغلبية فى الجمعية التأسيسية- قام الليبراليون فى آخر لحظة بقلب الطاولة، وإعلان انسحابهم من التأسيسية! لن أدخل فى تفاصيل عرضت لها فى مقال سابق، بشأن تقييمى لموقف التيار المدنى أو الليبرالى، الذى لم يختلف قيد أنملة تصرفاته وانفعالاته عن التيارات الدينية التى يكيل لها الاتهامات، وكانت مصر هى الغائب الحاضر فى هذا المشهد الكئيب!!.

فأستطيع أن أجزم بأن كل من كانوا جلوساً على طاولة الجمعية التأسيسية أغرقتهم الأنانية والمصالح الفئوية والذاتية، وأنه لو كان لمصر وشعبها مكان فى قلوبهم لما قادونا إلى هذا المصير المظلم!!.

الآن ما الحل؟! فقد فرغت الجمعية التأسيسية من صياغة مشروع الدستور وسلمته أو ستسلمه لرئيس الجمهورية، ليطرحه للاستفتاء عليه خلال الأيام القادمة، كيف يمكن الموازنة بين مطالب التيارات الليبرالية (بوضع دستور يعبر عن إرادة مصر الثورة)، ومطالب التيارات الدينية، التى لا يمكن لعاقل أن ينكر وجودها، بأن تكون هناك نصوص تضمن الحفاظ على هوية مصر الإسلامية.

فى اعتقادى المتواضع أن الحل يكمن فى أن يتم تصميم استمارة الاستفتاء على الدستور من قسمين: القسم الأول، أو الجزء العلوى يتضمن نقطتين أوافق ولا أوافق على مشروع الدستور.
أما القسم الثانى من الورقة فيتضمن مساحة يتم فيها سؤال الناخب عن المواد التى يرفضها فى مشروع الدستور، بأن يحدد الناخب عدد 5 مواد بحد أقصى، وأن أى ورقة تتضمن ذكر أكثر من خمس مواد ستعد باطلة، على أن تكون هناك حملة مكثفة لتعريف الناس بهذا الأمر قبل الاستفتاء.

فالاستمارات التى سيؤشر عليها الناخب بلا، هى منتهية من البداية، ولكن بالنسبة للاستمارات التى سيؤشر عليها الناخب بنعم، ويحدد مواد بعينها مرفوضة، فهذه هى الحالات التى ستكون فاصلة، فعلى سبيل المثال لو افترضنا أن من قاموا بالتصويت فى الاستفتاء هم 50 مليون مصرى، صوت بلا 20 مليون، فهذا يعنى أن أغلب المصريين صوتوا لهذا الدستور بنعم، ولكن علينا بالنسبة للثلاثين مليون الذين صوتوا بنعم أن نحصر أرقام المواد التى أكدوا على رفضهم لها، فلو تبين لنا أن (15) مليون وواحد قد أشاروا إلى رفضهم للمادة (219) مثلا فهنا لدينا أغلبية مطلقة بين من صوتوا بنعم للدستور ولكنهم يرفضون مادة بعينها، هنا يصدر الدستور بعد استبعاد هذه المادة.. وهكذا.

كما نعلم أن جل الخلاف أو صلب الخلاف الراهن هو حول أربع مواد، وعلى رأسها المادة التى تفسر مبادئ الشريعة الإسلامية، وهى المادة (219 فى النسخة الأخيرة) والمواد الخاصة بالرجوع إلى هيئة كبار علماء الأزهر قبل عرض أى مشروع قانون على مجلس الشعب.. إلخ.

أعلم أن الإخوة فى التيارات الليبرالية سيبادرون بالقول بأن الدستور بأكمله لا يعبر عن طموحاتنا وليست المواد المشار إليها أعلاه فقط، بدليل أن الرئيس لا يزال يتمتع تقريباً بكافة السلطات التى كان يمنحها له دستور 1971، وأننا كنا نتمنى قيام نظام مختلط فى مصر.. إلخ، أنا معكم فى كل هذا، وهذا ربما ما كان يتمناه المصريون، ولكن ألا تتفقوا معى على أن النصوص الخاصة بمسألة إقحام الشريعة هى محور الخلاف الرئيسى، إذا لنترك الكلمة الفاصلة للشعب الذى تجاهلناه كثيراً.

فقد يرى أغلب المصريين أن فى إقحام المواد المشار إليها بالدستور تزيد لا فائدة منه، فهنا علينا أن ننصاع لرأى الشعب الذى هو مصدر السلطات، ولكن قد يحدث العكس ويتبين أن من أشاروا إلى مواد بعينها لا يشكلون أغلبية وأن أغلبية المصريين هم مع الإبقاء على تلك المواد التى طالب البعض بإلغائها.
مؤكد أننا نقف عند مفترق طرق، ومأزق خطير وضعنا فيه كل من هم على الساحة السياسية إسلاميين وليبراليين، فالجميع أخطأ بحق مصر وبحق هذا الشعب، كما أن الجميع نصب من نفسه وصياً على هذا الشعب، ولم يدركوا جميعا أن الشعب لفظهم جميعاً.

كان أولى بالتيارات الليبرالية التى طعنت فى تشكيل الجمعية التأسيسية ألا تواصل الرحلة، وتشارك فى صياغة مسودة الدستور، وأن تتمسك بموقفها الرافض للتشكيل، أما وأنها انغمست فى المناقشات ووافقت على أغلب مواد الدستور، فإنها قبلت ضمناً هذا التشكيل، وكان عليها أن تكمل ما بدأته من أجل مصر، ولكن الذى حدث هو أنه بعد أن أدركوا الخطأ قرروا هدم المعبد، ولكن بعد أن وقعت الفأس فى الرأس.

مؤكد أن أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن تتحمل هذه المراهقة السياسية من قِبل كل الأطراف، وأنا لا أستثنى أحدا فالجميع، وأكرر، أجرم فى حق مصر وفى حق الثورة، فهل نواصل رحلة هدمها ليشمت الأعداء ولنندم على الأيام الخوالى، أم أن علينا أن نفعل شيئا نصلح به ما أفسده المفسدون.
أعتقد أن فى اقتراحى المشار إليه أعلاه إلقاء للكرة فى الملعب الصحيح، وهو ملعب الشعب، ليقول الشعب كلمته، مؤكد أن بعض الليبراليين سيخرجون علينا بالقول بأنه وكما تم استغلال تدين الشعب فى الاستفتاء الأول سيتم استغلاله خلال هذا الاستفتاء!! قد يحدث هذا، ومؤكد أنه سيتم اللعب على وتر الدين فى كل الأحوال سواء بالنسبة لهذا الدستور أو غيره.

الحل يا أحبتى ليس فى العويل أو الصراخ وإنما فى العمل، أى بتقوية حجتكم وإقناع الشارع بوجهة نظركم، فبدلا من انشغالكم بجدل سياسى لا طائل منه أو بالسب أو النيل من الطرف الآخر عليكم أن تنشغلوا بتوعية الناس (لا تخويفهم)، عندها سيخرج المواطن ويقول كلمته الفاصلة، أما أن نواصل حوار الطرشان الذى بدأناه منذ قيام الثورة، فلن يكون أمامنا سوى طريق مسدود.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

* أستاذ بحقوق المنصورة

سعيد








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة