اقتربت الانتخابات الأمريكية..وما زلنا فى خضم التنبؤات حول من سيكون الرئيس القادم.. وبرغم الدعاية الانتخابية لكلا المرشحين، وأحاديثهما التلفزيونية، ووصولا إلى المناظرات الثلاث التى عقداها وواجه كل منهما الآخر فيها تارة بالقوة وتارة أخرى باللياقة السياسية المفروضة، أقول برغم كل ذلك، يبقى الجمهور الأمريكى، ومعه كل المهتمين بالشأن الأمريكى، منقسمين إلى قسمين، ربما متساويين، حول الاختيار الذى سيقرره الشعب الأمريكى فى مراكز الاقتراع.. ويسوق كل فريق حججه لتفسير اختياره أحد المرشحين رئيساً.. فمنهم من يتحدث عن برامج اقتصادية تؤدى إلى تجاوز الأزمة، ومنهم من يعرج على برامج الرعاية الصحية والاجتماعية، ومنهم من يتوقف طويلا أمام نمطية التفكير فى السياسة الخارجية لكلا المرشحين.. إلا أننا لا يمكننا فى النهاية أن نضع رؤية لاختيار الأمريكى دون النظر إلى معيار الـ"wasp" فى اختيار من يقود أمريكا سياسيا وعسكريا فى السنوات الأربع القادمة.
ومصطلح "wasp" هو حروف لاختصار كلماتwhite anglo - saxon protostant.. وهى تعنى أبيض أنجلو سكسونى وبروتوستانتى.. ويأتى مصطلح الـ"wasp" تعبيراً عن مصالح أقلية عنصرية، ولكنها تملك الثروة والنفوذ، تظهر قوتها بوضوح فى الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه المرشح ميت رومنى، هذه الأقلية تنظر إلى نفسها باعتبارها الجنس الأنقى فى تاريخ أمريكا، وترى فى نفسها المؤسس الحقيقى للدولة الأمريكية، وأنها بنقاء عرقها وأفكارها استطاعت أن تؤسس تاريخا لعالم جديد فى أرض جديدة تبنى من خلالها إمبراطورية تحافظ فيها على نقائها وتميزها.. ليصبح كل من هو أمريكى غير "wasp" خادماً للفكرة وداعما ومنفذا لخطتها فى الحفاظ على مصالحها.. وأول من يجب أن يكون"wasp" هو الرئيس الأمريكى.. وإذا تم اختيار رئيس غير"wasp" فإن ذلك يكون بدعم من تلك الأقلية ليؤدى دورا معينا ومحددا، ومؤقتا لتوسيع نفوذها وزيادة قوتها والحفاظ على مصالحها فى كل ركن من أركان المعمورة.. وعلى هذا الأساس فإن اختيار الرئيس الأمريكى من داخل عنصر "wasp" أو من خارجها يكون خاضعاً بشكل أو بآخر لانتقائها وتنتهى رئاسته بانتهاء دوره فى الحفاظ على تلك المصالح.. ويبقى لنا الرئيس كيندى، الذى كان نصف أمريكى، مثال.. فحين حاول الخروج عن الدور المرسوم له ليلعب دور الرئيس الباحث عن السلام العالمى تجنبا لصدام مع الاتحاد السوفيتى فى أزمة الصواريخ الكوبية.. كان لا بد من إنهاء دوره كى تستمر مسيرة مصالح ونفوذ جماعات"wasp".
وبناء على هذا المعيار يمكننا أن نقيس مدى ملاءمة أوباما للإختيار.. لنكتشف ببساطة أنه لا ينطبق عليه أى من تلك المعايير.. وأنه- بالعكس- قد جرى تسويقه كأول رئيس أسود لتلك الأمة.. فهل جاء أوباما للحكم على عكس رغبة "wasp"؟
بالطبع لا.. فهذه الجماعات تعيش الآن، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أزهى عصور قوتها لتنفيذ ما هو معروف بـ"النظام العالمى الجديد" ومن بين تفاصيله "الشرق الأوسط الجديد".. وكان أوباما هو الاختيار الأمثل والأصلح لتنفيذ ذلك المخطط.. فهو بلونه الأسود وأصوله الأفريقية الإسلامية، سيكون هو الأكثر قبولا فى الشرق الأوسط من أفغانستان حتى تونس.. ليوجد قبولا للفكر الأمريكى والتدخل الأمريكى غير المسلح، والذى ينادى بقيم السلام والديمقراطية والتعايش والمحبة، دون أن يقدم شيئاً ملموسا على الأرض لشعوب تلك المنطقة.. وبالأخص فى قضيتها الأكثر تعقيدا وهى الصراع العربى- الإسرائيلى أو فى قضايانا الاقتصادية الملحة.. إنما يبقى ليفتح طريقا أكثر اتساعا لمرحلة الفوضى الخلاقة، التى هى جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير، لتنفجر الفوضى فى المنطقة، ويسقط مفهوم الدولة فى المنطقة العربية.. لتصبح دول الشرق الأوسط أكثر ضعفا وهشاشة تسمح بسقوطها مع أول نفخة قادمة لإعادة تخطيط المنطقة وفقا لمصالح أمريكا وربيبتها إسرائيل.. الآن وقد قام أوباما بمهمته، هل تعتقدون أنه سيكون الرئيس القادم؟ لدى الكثير من الشكوك فى ذلك.. فقد أدى دوره وحان الوقت لإزاحته "ديمقراطياً"، ليصبح القادم هو البديل الأكثر تطرفاً.. فكما هى العادة، إذا انقسمت الشعوب نصفين عند الاختيار، كان الفائز هو الأكثر تطرفاً حتى ولو كان - فى حقيقته- قرع طبل أجوف لا يحمل إلا نذر الحرب والخراب.
طه أمين يكتب: الانتخابات الأمريكية.. الرئيس الـwasp
السبت، 03 نوفمبر 2012 07:08 م