فى تطور متلاحق للأحداث فى مصر يوم الثلاثاء الماضى سيطر المتظاهرين على غالبية الشوارع والميادين الرئيسية بعد أن أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عدم اشتراكها.
أعرب المتظاهرون عن رفضهم التام للقرارات الأخيرة التى أعلنها الرئيس المصرى محمد مرسى فى الإعلان الدستورى الذى أصدره يوم الخميس الماضى.
دعت النخبة المصرية، الشعب المصرى بأجمعه إلى التوحد فى هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر، وإلى ترك الخلافات الحزبية، لأن مصر فى خطر، فاستجابت جميع القوى السياسية والشعبية لهذا النداء وبدأت الملحمة.
لم تستأجر الأحزاب السياسية التى دعت للتظاهر أو القوى الثورية الوطنية، أوتوبيسات الأرياف لنقل المتظاهرين، وحتى لم تزودهم بالسندوتشات "الملحمة" وفى بعض الأحيان "المفرخة"، كما تعودنا هذا من قبل جماعة الإخوان المسلمين.
امتلأت ميادين المحروسة وشوارعها بملايين المصريين، ورأينا الليبرالى بجانب العلمانى بجانب الناصرى، لأنها مصر وليست عزبة الإخوان الذين توخينا فيهم خيراً، ولكنهم كانوا وما زالوا بالهيمنة على السلطة الرئاسية والبرلمانية متمسكين.
إن سبب فساد مبارك هو انفراده بالسلطة، حيث كان رئيسا لكل ما هو مهم أو غير مهم، ولكن الحق يقال إنه لم يغتصب لنفسه جميع السلطات الشرعية كما فعلها الرئيس مرسى.
أراد الرئيس استعراض العضلات لإحراج المنسحبين من اللجنة التأسيسية للدستور، ورد الاعتبار لنفسه باعتباره رئيساً ولا أحد يعيره اهتماماً إلا جماعته والمطبلاتية الذين تحدثت عنهم فى مقالى السابق، والأهم من ذلك كله الثقة الزائدة بالنفس على نمط مبارك.
ماذا رأت مصر منذ أن تولى الرئيس مرسى؟ هل رأينا وضع حجر أساس لبناء مصنع أو مشروع قومى؟ ولو حتى لخزى العين كما نقول فى الأمثال المصرية؟ هل رأينا أو لمسنا ولو بعض الشىء فى تحسين الرغيف ومكافحة طوابير العيش أو أنابيب البوتاجاز؟
نحن لا نطمع فى الكثير السريع فنحن شعب صبور، ونعلم أن هذه المشاكل لا تحل بين ليلة وضحاها، ولكننا لم نر الإجراءات التى كان من الواجب عملها منذ تولى الرئيس ونحن نسمع ونقرأ ونرى فى التلفاز، أن الرئيس سيصلى الجمعة، الرئيس أمر دون شرعية بإعادة البرلمان المحلول قضائياً، الرئيس يقيل النائب العام ثم يعيده مرة أخرى، الرئيس يرفع أسعار الوقود، الرئيس يصدر قرارات تعطيه جميع السلطات التنفيذية والتشريعية ويرفع كلمته فوق القضاء.
لقد خسرت البورصة المصرية فى ثلاثة أيام أكثر من 35 مليار جنيه وهو أكثر مما تريد مصر اقتراضه من البنك الدولى، إن اقتصاد مصر على وشك الانهيار إن لم يكن قد انهار بالفعل.
خرجت مصر.. خرج أحمد وجرجس، خرجت ماتيلدا وفاطمة، ورأينا روح ثورة يناير مرة أخرى واستنشقنا رائحة الحرية مرة أخرى، لقد كانت ملحمة من النوع الراقى، ولم تكن غوغائية.
هتف الشعب ورفع اللائحات مطالباً الرئيس بسحب هذه القرارات التعسفية التى أصدرها بنصائح مستشارى السوء.
استمع لهذا الشعب يا سيادة الرئيس، إنه يريد الخير لمصر كما تريده.
يوسف شهاب يكتب: الملحمة المصرية وأتوبيسات الأرياف
الخميس، 29 نوفمبر 2012 11:18 م