أحياناً أشك فى أننا شعوب متعلمة بغض النظر عن النسبة العالية للأمية بيننا، ولكننى أتحدث هنا عن المتعلمين، إن هذه الفئة تجعلنى أجزم بأن تعليمنا كان جزء هامشى من حياتنا، لا يعول عليه واجب قمنا بأدائه، كأى واجب آخر ألزمتنا الحياة والعادات والتقاليد على القيام به، خاصة وأن جزء كبير ممن يصنفون متعليمن لا يعتبروا ما درسوه مصدر لفكرهم وأن أرائهم ومعتقداتهم لا يستقونها من الحقائق التى مرت عليهم فى مراحل تعليمهم المختلفة، وذلك لأننا نفضل أن نخلق مصادر أخرى نستقى منها معلوماتنا حتى وإن كانت تلك المصادر هى الإشاعات وكأننا نشعر بمتعة حينما نستمع إلى الأقاويل تجد البهجة، وقد ارتسمت على وجوهنا لمجرد أننا نسمع أحدهم يقول إنهم يقولون، ويكون رد الفعل بأننا نضيف تلك المعلومات الثمينة إلى معلوماتنا، ونبدأ بنشرها بدورنا على من نعرف ولا نعرف ولانضيع وقت، ولا طريقة حتى نعيد ما سمعناه حتى تعم الفائدة، ولا تفوت المتعة على الناس المسكينة التى لم تسمع تلك المعلومة من نفس المصدر الذى سمعناها منه.
إن أكثر ما يحز فى النفس أننا نحول قالوا ويقولون وقلنا إلى معين مقدس للمعلومات لدرجة لو أن جاء أحدهم بالمعلومة الحقيقية، والمنافية تماما لما قمنا بحفظه فى مخزن معلوماتنا، حتى وإن كانت من مصدر موثوق فإننا نكذبه ونعتمد على خبرنا الأول المبنى على مجرد إشاعة من شخص فارغ، أو ممتلئ بالفراغ ولهذا فإننا لن نتقدم لأننا نحب أن نعيش حياة غوغائية، ونحاول جاهدين أن ننحى العلم والحقائق جانباً، لأن الأوهام التى نرسمها فى أدمغتنا تحقق لنا راحة أكبر واطمئنانا نستطيع أن نركن إليه، خاصة وأنها تأتى على هوانا ولا تخالف ما نعتقده.
البعض وهم ليسوا بالقليل وصلوا لمرحلة متقدمة جداً فى صنع الإشاعات وابتكار الخرافات، ما إن تولد الفكرة فى رأسهم حتى يغلفوها بغلاف فاخر، ويبدءوا الغزو، ما هى إلا ساعات، وفى ظل التكنولوجيا الحديثة، ماهى إلا دقائق ونجد الشائعة انتشرت على جميع القنوات والصفحات، يتداولها الجميع فى برا وبحرا وجوا، الغالبية التى تشكل المجتمع وتؤثر فيه بشكل مباشر يسارعون لتصديقها ونشرها بدوره حتى تصل لمرحلة الحقيقة المطلقة أو القدسية التى لا ينافيها شىء، وأكثر الإشاعات التى تنتشر وتلصق فى أذهان العرب، تلك التى تنال من كبار المسئولين والمشاهير وتشوه صورتهم، حتى يتصورهم عامة الشعب وحوشا بشرية، والمؤلم هو أن من يصدقوا تلك الأقاويل أناس كنا نعدهم من النخب أو ممكن يستخدمون عقولهم للتفريق بين الحق والباطل، ولكنهم انزلقوا فى تلك الطريق التى ستؤدى بالأمة إلى أسفل سافيلن، فالأمم التى تعتمد فى معلوماتها على القيل والقال والصور التى يمكن لطفل أن يفبركها، مصيرها يكون مجهولا ويمكن لأى أحد أن يجرها من هنا إلى هنا، ويلعب بعقول أفرادها، وأن الإشاعة يا سادة مجرد اختلاقات ربما تكون مبنية على حقيقة، ولمن يضيف إليها آلاف الأكاذيب حتى تصلنا مشوهة مقرفة، ونحن نصدقها بكل بساطة دون أن نشك فى مصداقيتها، وكأنها منزلة من فوق سبع سموات، فى هذا الزمان ومع هؤلاء البشر يتوجب علينا ألا نصدق أى شىء يقال حتى نتحقق بأنفسنا، ونستشير عقولنا ولانعتمد كثيرا على قلوبنا، وإحساسنا لأن المعلومة يجب أن توزن بميزان العقل لا باستشعار القلب وميله.
فحذار حذار من تجريد العقل والركض وراء سيل الإشاعات، الذى بتنا نغرق فيه وما عدنا نقبل أن يناقشنا أحد فيه، لأننا نفترض بأن جميع ما سمعناه وقرأناه وشاهدناه وحفظناه هو حقائق غير قابلة للنقاش أو التعديل، وماهى فى النهاية إلا اختلاقات أبدع أصحابها فى تأليفها ونشرها ولصقها فى أدمغتنا لأغراض دنيئة أو لمجرد الترفيه عن النفس.
لبنى السحار يكتب: إشاعات خرافات أوهام.. مين يشترى؟
الخميس، 29 نوفمبر 2012 04:57 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو النجا
مقال جميل
مقال جميل، بالتوفيق لكاتبته
عدد الردود 0
بواسطة:
غاده عطا
فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر سيف الدين
إطلاق الشائعات فعل من لا خلاق له