د.نيازى مصطفى

الحاكم باسم الله

الخميس، 29 نوفمبر 2012 04:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فرض المشهد السياسى الراهن وجوده على الجميع بما احتواه من تداعيات وأحداث بدأت منذ الخميس الماضى، حينما فاجأنا الرئيس مرسى بصدور ما سماه إعلاناً دستورياً، ثم أعقبه بصدور قرار بقانون يسمى قانون حماية الثورة، ودعوا سريعاً لمظاهرة فى ميدان التحرير فى اليوم التالى مباشرة، وهو ما استجابت له قطاعات عديدة من الشعب المصرى للاعتراض على هذا الإعلان غير الدستورى فى أصله وفحواه، ولم تلق الرئاسة بالاً لهؤلاء واستمعت فقط لما تريد أن تسمعه، وألقى الرئيس كلمة فى ذات يوم مظاهرة ميدان التحرير لأنصاره من جماعة الإخوان المسلمين الذى يؤيدون كل ما يصدر عن الرئيس، لمجرد أنه من الجماعة، وكأن على باقى الشعب من غير أفراد جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الإسلام السياسى أن يسمعوا ويطيعوا، ودون أى نقاش أو حتى محاولة للفهم، غير مدركين أن الشعب المصرى قد تغير ولن يعود للوراء مرة أخرى.

لقد رأينا وسمعنا على مدار الأشهر الماضية أثناء أداء الصلوات فى المساجد، وخاصة أيام الجمع، كثيرا من الخطباء، وهم يقومون بإلقاء خطبة يوم الجمعة بالدعاء للرئيس الذى اختاره الله لنا وولاه علينا، بل ورأينا ونشرت الصحف أحد هؤلاء فى حضور الرئيس ذاته قال إن الله أتاه الملك، وأنه سيدنا جميعاً، ودون أى تعليق ومراجعة من الرئيس، والواقع أن التأثير على عوام الناس بهذه المقولات والإيحاء لها بأن الرئيس هو حاكم باسم الله، وليس باختيار الشعب، ووفق إرادته الحرة التى أتت به بنسبة 51% فقط.

والحقيقة أننى ربطت بين هذا المشهد الذى كان يحدث منذ تولى الرئيس وبين الإعلان غير الدستورى الأخير، فأعتقد أنه اكتمال لحلقات مسلسل "الحاكم بأمر الله"، أو تكريس نظرية الحق الإلهى فى الحكم التى كانت سائدة فى أوروبا فى عصور الظلام، وما ارتبطت به صكوك الغفران ودخول الجنة، بل وبيع قطع أراض بها من قبل رجال الدين، ومشاهدتنا للواقع المصرى منذ بداية الثورة إلى الآن، سنجد أن الرئيس وجماعته قد أعجبتهم، بل وراقت له هذه النظرية الرائعة من وجهة نظرهم، فهى تمكن لهم، خاصة وأنهم قد استعملوها سابقاً، حينما أقنعوا الناس بالموافقة على التعديلات الدستورية التى طرحها المجلس العسكرى بالاتفاق معهم، والتى تم تسويقها للشعب على أن من يقول "نعم" سيدخل الجنة، ومن يقول "لا" سيدخل النار، وما أطلق عليه أحد شيوخهم من أن الاستفتاء هو غزوة الصناديق، كما قال، وهو الاستفتاء الذى جعلنا نعيش فى مرحلة انتقالية، يبدو أنها قد لا تنتهى قريباً على العكس من الشقيقة تونس التى اتبعت الطريق الصحيح بانتخاب جمعية تأسيسية أولاً، ثم وضع دستور، ثم انتخابات برلمانية ورئاسية، أما ما أتحفنا به فقهاء الإخوان المسلمين وتابعيهم فهو ما أوصلنا إلى هذا الحال المضطرب.

إن محاولة الرئيس تحصين القرارات والقوانين والإعلانات، وكل ما يصدر عنه، والتى أتى بها هذا العمل المادى الذى سماه إعلاناً دستورياً هو اكتمال لمخطط الحاكم بأمر الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، ونقول لهم جميعاً إن الرئيس وأى رئيس يأتى دائماً وسيبقى كذلك ـ بإرادة الشعب، وكما أتى به الشعب، يستطيع أن يطيح به أننا نريد وبحق دولة مستقرة ونعمل جميعاً لتقدمها وازدهارها، ولكننا أبداً لن نوافق على أن نعطى موافقة بلا أى ضمانات أو نسمع ونطيع دون أن نفهم ونعى، ونناقش، فأصول الديمقراطية التى أتت بالرئيس، وتستطيع أن تأتى بآخر فى أى وقت هى من يحكم الجميع، وليس قواعد وأصول جماعة لها تنظيم دولى ولها خطط تحاول أن تفرضها على الجميع دون أن تقيم لهم وزناً، إن جميع القوى الوطنية التى كانت قد اختلفت وتشرذمت وحدتها المحنة التى تحيط بالجميع، وتم تشكيل جبهة الإنقاذ الوطنى بقيادة جماعية لكل القوى الوطنية، وسوف تستمر حتى تحقق أهدافها جميعاً أهداف ثورة مصر.

إننا نطالب الرئيس بسحب إعلانه غير الدستورى، ثم الحوار مع القوى الوطنية للخروج إلى بر الأمان، ونذكره بوعوده قبل الانتخابات جميعها التى لا يذكرها الآن، ونقول له إن الرجوع إلى الحق فضيلة، وإن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم كان يتم مراجعتهم، ونذكر فى هذا الشأن سيدنا عمر ـ رضى الله عنه ـ حينما قال "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، بل إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يشاور أصحابه عملاً بالنص القرآنى وقال "أنتم أدرى بشئون دنياكم"، إننا نرى مصر دولة قوية بشعبها وجميع أبنائها، فالموقف فى غاية الخطورة.

سيادة الرئيس اسحب هذا الإعلان، ولا تتردد، فمقام الرئاسة مصون، وعاشت مصر حرة وأبناؤها أحرارا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة