منذ أن دخلت الجمعية التأسيسية فى النفق المظلم نتيجة لاستمرار ممثلى حزبى الحرية والعدالة والنور فى التمسك بصياغة دستور يعبر فقط عن توجهات الحزبين وتجاهل كل الأصوات المخالفة، والإصرار على الانفراد بوضع الدستور والاستناد إلى الأغلبية الميكانيكية التى حصلوا عليها من اتفاق غير متوازن من مجلس الشعب المنحل، منذ ذلك وكل الأبصار اتجهت إلى الرئيس لكى يلعب دور الحكم بين القوى السياسية، وأن يتدخل لإعادة التوازن إلى الجمعية للتوصل إلى دستور متوافق عليه.
وقد عزز هذا الاستنتاج قيام الرئيس بوضع جدول مقابلات مع ممثلى القوى السياسية والأحزاب ومرشحى الرئاسة السابقين، وقلنا إن هذه مشاورات سوف تنتهى بقرارات رئاسية تجمع اللحمة الوطنية وتعزز التوافق العام لانتقال مصر إلى عصر ديمقراطى، وينتهى الأمر بإعداد الدستور والتوافق حوله.
وقد واكب هذا انفجار الأوضاع فى غزة، ووجدنا كيف أن القوى المعارضة التفت حول الرئيس وأيدت خطواته فى دعمه للشعب الفلسطينى فى غزة، وكذلك المبادرة لوقف الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتعهدات الأوضاع على الحدود، وكان الموقف الداعم ينبئ إلى أن الجبهة الداخلية متماسكة خلف الرئيس لحماية الأمن القومى المصرى لاسيما أن هذه الحرب عززت المخاوف على أمن سيناء، وكان إنهاء الحرب ووقف الغزو البرى فى غزة أحد متطلبات الأمن القومى المصرى لاسيما مشاريع ترنسفير إلى سيناء ونظرية الوطن البديل.
إلا أن الرئيس فاجأ الجميع بإصدار إعلان دستورى جديد تضمن ست مواد شكل صدمة للرأى العام والقوى السياسية وذلك للأسباب التالية:
أولا: أنه صدر بدون تشاور على الإطلاق مع القوى السياسية، ولم تتم إثارة هذا الموضوع مع أى من الرموز التى قابلها الرئيس، وشكلت خطوة منفردة وهى تتعلق بمصير الجمعية التأسيسية واستقلال السلطة القضائية.
ثانيا: أن الإعلان فى جوهره يمنح الرئيس صلاحيات استبدادية ويجعله فوق المحاسبة فينص، وبشكل سافر، على أن قراراته السابقة على هذا الإعلان واللاحقة نافذة بذاتها ومحصنة من رقابة القضاء سواء قضاء الإلغاء أو القضاء الدستورى.
ثالثا: أنه تدخل مباشر فى أعمال السلطة القضائية، حيث نص الإعلان مباشرة على وقف الدعاوى التى تنظرها المحاكم سواء المحكمة الدستورية التى تنظر دعويين مهمتين هما دعوى بطلان انتخاب مجلس الشورى ودعوى بطلان تشكيل التأسيسية أو عدم دستورية نص القانون 79 الخاص بتشكيل الجمعية التأسيسية، أو محكمة القضاء الإدارى المختصة بالطعن على القرارات الإدارية.
أخيرا المادة السادسة، وهى الصلاحيات المطلقة للرئيس لاتخاذ الإجراءات والتدابير فى حالة الضرورة هى ذات المادة التى كانت فى دستور 71 برقم 74 وهى مادة كانت مطلبا رئيسيا للقوى الوطنية للإلغاء لأنها تعطى رئيس الجمهورية صلاحيات للتعدى على الحقوق والحريات والحرمان والأموال تحت ادعاء نظرية الضرورة، ويكفى أن نشير إلى أنها المادة التى استخدمها الرئيس السابق السادات فى اعتقال كل القوى السياسية فى سبتمبر 1981.
إن تظاهر مصر الآن ضد هذا الإعلان ببساطة لأنه إعلان لنظام ديكتاتورى استبدادى لا يصلح لمصر بعد الثورة.