موسى يقسم حكم مبارك لـ3 مراحل.. ويؤكد: حلم الزعامة العربية لم يراود مبارك.. وكان يقول «كل ده عك».. والرئيس السابق استبعد نجاح التوريث ثم سار فيه بعد تولى بشار حكم سوريا.. وطنطاوى وسليمان لم يؤيداه

الإثنين، 26 نوفمبر 2012 08:54 ص
موسى يقسم حكم مبارك لـ3 مراحل.. ويؤكد: حلم الزعامة العربية لم يراود مبارك.. وكان يقول «كل ده عك».. والرئيس السابق استبعد نجاح التوريث ثم سار فيه بعد تولى بشار حكم سوريا.. وطنطاوى وسليمان لم يؤيداه عمرو موسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقسم عمرو موسى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك إلى ثلاث مراحل كانت الأخيرة أخطرها بسبب سيره فى مشروع التوريث الذى كان تردد فى قبوله بعد السابقة السورية، ويؤكد موسى أن قيادة المؤسسة العسكرية لم تكن تؤيد التوريث، ويروى موسى أنه حذر من انتقال «الربيع العربى» إلى مصر بعد اندلاعه فى تونس لكن مبارك سارع إلى الرد بأن مصر ليست تونس. وهنا نص الحلقة الثانية:

حضرت لقاءات جمعت حسنى مبارك ومعمر القذافى، كيف تصف علاقتهما؟
- من الناحية الإنسانية كان هناك نوع من التوافق، العقيد كان يرى أن مبارك يختلف عن أنور السادات الذى كان عنيفاً فى علاقاته مع القذافى، وعن جمال عبد الناصر الذى كان القذافى يعتبره والده السياسى ويعتبر نفسه خليفته. رأى أنه يستطيع التفاهم مع مبارك، كان القذافى يعتبر أن حجم مبارك مختلف عن أسلافه، وتوجهه مختلف، وليست لديه أطماع زعامة كما ليس لديه طموح، ولم يكن مبارك يدَّعى أنه زعيم الأمة العربية كما كان القذافى يقول عن نفسه، القذافى كان يعتبر مبارك رئيساً يمكن التعايش معه. وكان القذافى يرى أن خليفة جمال عبد الناصر فى زعامة الأمة ليس حسنى مبارك وإنما معمر القذافى، ومن هنا كان منطلق تعامل القذافى مع مبارك، فقد كان القذافى يعتبر مبارك موافقاً على دوره فى زعامة الأمة خلفاً لعبدالناصر. الحقيقة أن مبارك كان «مكبر دماغه» كما نقول فى مصر ولا يعير كلام القذافى وتطلعاته اهتماماً كبيراً وإنما كان هدفه أن «يكف شره» ويحقق بعض الفوائد الاقتصادية على مستوى الدولة وإن كان دائماً يقول إن "القذافى بخيل".

ألم يكن مبارك يعتبر نفسه زعيماً للعالم العربى؟
- لا، ولم يكن يهتم بذلك ولا يدّعى ذلك وربما لم يكن يريد ذلك.

هل لك أن تصف لنا شخصية حسنى مبارك.
- ما قلته الآن كان مفتاح شخصيته السياسية. من خلال تولى منصب وزير الخارجية لمدة عشر سنوات، تزامنت مع منتصف فترة عهد مبارك، أستطيع أن أقول إن فترة حكم مبارك مرَّت بثلاث مراحل:

الأولى كانت خلال السنوات العشر الأولى من حكمه (الثمانينيات)عندما كان لا يزال يتحسس طريقه، والبلد يتفتح أمامه وأمور كثيرة تحصل، وهو كان متواضعاً فى طموحاته. وأعلن مبارك صراحة «أنا لست أنور السادات ولست جمال عبد الناصر، أنا شخص مختلف. البلد كانت حينها مجروحة ومتوترة ومفلسة وحاول مبارك التهدئة تماشياً مع توجه المزاج المصرى نحو التهدئة، ومرت تلك الفترة الأولى بسلام.

المرحلة الثانية خلال السنوات العشر التالية (التسعينيات) من حكمه كانت سنوات خطرة للغاية عالمياً إذ انتهت خلالها الحرب الباردة وتسيَّدت الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح هناك نظام عالمى جديد وسياسة دولية إزاء القضية الفلسطينية، وجرى غزو الكويت وتحريرها مع دور سياسى وعسكرى مهم لمصر وتحديات كبيرة جداً ومطلوب فيها دور لمصر. وفى تلك الفترة بدأ بعض الإصلاحات الاقتصادية وكان لمصر عدد من المواقف السياسية الكبيرة إزاء الملف النووى فى الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والسلام والمفاوضات ومناورات سياسية حديثة فى إطار البحر الأبيض والتعاون الأوروبى ونشاط فى أفريقيا اقتصادى وسياسى.

وكانت المرحلة الثالثة السنوات العشر الأخيرة (السنوات العشر الأولى من القرن الحالى) كانت كارثية لأسباب ثلاثة:

أولاً، لأن مبارك بدأ خلالها يتقدم فى السن ويفقد الاهتمام اليومى بإدارة البلاد.

وثانياً، لأنه بدأ يُؤثِر السلامة فى أى قرار بحيث لا يؤدى إلى أى ارتباك أو رد فعل معاكس أو اضطراب، وبدأ الابتعاد عن اتخاذ أية قرارات تحتاج إلى جهد ومتابعة ومبادرات.

وثالثاً، لأن الحديث فى موضوع التوريث بدأ.

كنا نشعر بأن مصر فى السنوات العشر الأخيرة لعهد مبارك كانت تتراجع خطوة خطوة وأن الرئيس مرتاح إلى هذا إن لم يكن هذا هو قراره فعلاً بأنه لا يريد التدخل فى كل صغيرة وكبيرة، ولا حتى فى كل كبيرة لاحقاً، وكان يتَّبِع سياسة تهدئة الناس فيقوم بزيارات روتينية مختلفة إلى دول الخليج وسوريا وليبيا، على عكس ما كان يحصل فى التسعينيات عندما كانت مصر دولة تُتخذ فيها قرارات مهمة وتُعلن مواقف جديدة.

هل يمكنك إعطاء مثل عن دور له فى التسعينيات؟
- كمثال على دوره الرئاسى فى التسعينيات أحكى القصة الآتية: كنا فى مؤتمر قمة الدار البيضاء لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكان الأول الذى يُعقد بعد اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل. عُقد المؤتمر فى ضيافة الملك الحسن الثانى وبرئاسته، رحمه الله، وتمثلت فيه جميع الدول العربية وإسرائيل والدول الأوروبية. حصلت حادثتان: الأولى أن شمعون بيريز كان يسعى إلى عقد اجتماع لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة للتوافق على نظام أمنى جديد فى الشرق الأوسط. وبالفعل وصلت أنا يوم 30 (أكتوبر) 1994 بُعيد الثامنة مساء وتوجهت إلى فندق المنصور وإذ بشمعون بيريز يتصل بى هاتفياً لأمر عاجل كما قال مكتبه لمكتبى ويرحب بى ويهنئنى بالسلامة فاستفسرت عن الأمر العاجل.

قال إنه فقط أراد إبلاغى بأننا اتفقنا على أن نجتمع غداً لنبحث فى موضوع الأمن، فى المنطقة فسألته مَنْ اتفق مع من على الاجتماع وما هو الموضوع الأمنى المطروح بالضبط ومَنْ اتخذ القرار؟ بيريز، الذى كان ينزل فى فندق آخر، قال إن إسرائيل ومصر والدول التى أشرت إليها ستجتمع. فسألته هل مصر وافقت على مثل هذا الاجتماع؟ قال لهذا السبب أنا أتصل بك الآن لإجراء الترتيبات. وسألته ما الهدف؟ فقال الأمن. قلت له إننى أجده أمراً خطراً جداً أن أبلَّغ عن اجتماع يُعقد غداً فى موضوع مهم مثل الأمن الإقليمى قبل أن نتشاور بخصوصه على الأقل فى مصر، وبالتالى أنا غير موافق عليه. وأضفت أريد أن أبلغك وأكرر أننى أنا كوزير للخارجية غير موافق على هذا الكلام إنما بالنظر إلى خطورة الموقف وخطورة الاقتراح الذى تتحدث عنه فأنا سأكلم الرئيس (الذى كان فى القاهرة ولم يشارك فى القمة).

اتصلت على الفور بالرئيس مبارك ونقلت له ما دار بينى وبين بيريز بالتفصيل وكيف كان ردى عليه، وأننى سألته مَنْ قرر هذا الاجتماع ومَنْ قرر أنه يمكن مناقشة قضية الأمن فى هذا الشكل ثم أضفت أن سوريا غير ممثلة فى الاجتماع فكيف نبحث فى الأمن وبلد رئيسى مثل سوريا غير موجود. فكر الرئيس فى حديثى لأقل من دقيقة لا أكثر ثم قال لى معك حق أنا موافق على طرحك، وطلب منى التصرّف على هذا الأساس.

الواقع أنه بعد حديث بيريز الهاتفى شككت فى أن يكون الأمر أثير فى القاهرة وأن القاهرة لم تعترض باعتبار أن بيريز كان يتحدث معى وكأنه أمر تم إبرامه فعلاً، ومن ثم حرصت على أن أذكر للرئيس كلام بيريز واعتراضى فى الوقت نفسه.

ماذا فعلت؟
- خلدتُ إلى النوم واتصل بى بيريز حوالى السابعة صباحاً، قلت له من الجيد أنك اتصلت فأنا أبلغتك أمس عدم موافقتى كوزير للخارجية على الكلام الذى قلته واليوم أبلغك عدم موافقة رئيس الجمهورية على هذا الكلام وبالتالى لن نحضر. قال لى بالأمس سألتنى من هو صاحب المبادرة؟ الحقيقة أنها كانت فكرة دولة عربية، سأحجِمُ عن ذكرها ثم راح يتحدث بدهائه المعروف بما يشير إلى أن هذه الدولة العربية هى الأردن. طلبت مقابلة رئيس الوفد الأردنى وكان الأمير الحسن ولى العهد وسألته ما الموضوع وسورية غير موجودة؟ قال لى هذه ليست فكرتنا بل فكرة ملك المغرب. قلت له فى جميع الأحوال مصر لن تشارك وفى حال عُقد الاجتماع فأنا لدى تعليمات أن أتوجه من هنا إلى دمشق. لم أناقش هذه الفكرة مع الرئيس ولكننى أطلقتها لأشير إلى احتمالات تكتل مضاد لمساعى بيريز، وكنت أنوى بالفعل عرضها على الرئيس إذا عقد الاجتماع، وكان لهذا رنة قوية جداً لدى المسئول الأردنى الكبير. ولدى خروجى من عنده كان وارن كريستوفر (وزير الخارجية الأمريكى) وبيريز يدخلان عليه سوياً فسألانى: هل من جديد؟ قلت لهما أنا أبلغت بيريز بالجديد فى السابعة من صباح اليوم وليس لدى جديد وتركتهما.

بعد ذلك عُقد مؤتمر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووقف رابين وقال: القدس قدسنا، وأنا رددت عليه: لا القدس قدسنا نحن، وانقسم المؤتمر الضخم فوراً نصف مؤيد لإسرائيل ونصف مؤيد للعرب وفشل المؤتمر. فى غضون ذلك قابلت معظم وزراء الخارجية ورؤساء الوفود الموجودين وقابلت أيضاً إسحق رابين، واستفسرت منه عن قضية الأمن الإقليمي. فسألنى أى أمن؟ فقلت له الأمن الذى يتحدث عنه بيريز، فقلَّل رابين من أهمية الموضوع، وبحركة يد تُقلل من أهمية بيريز نفسه. تكلمت بعدها مع تانسو تشيلر رئيسة وزراء تركيا بعدما تحدثت مع وزير الخارجية التركى آنذاك وكان متفهماً للبعد العربى بالنسبة لتركيا فقلت له العبارة الآتية: تركيا عادت لتوها إلى العالم العربى فى الشرق الأوسط، وتريدون الخروج فى اليوم التالي. تقبلون دعوة إسرائيل لمناقشة الأمن فى المنطقة من دون التشاور معنا وأنا علمت بهذا الموضوع أمس من بيريز عند وصولى إلى الدار البيضاء وبطريقة الإخطار أو الإبلاغ. فقال لى معك حق فلنكلم رئيسة الوزراء وكانت تقف بالقرب منا، فقالت لى لقد سمعنا بغضبك، لا نحن لن نشارك فى مثل هذا الاجتماع. وتوجهت إلى ممثل تونس وغيره وقلت إننا لن نشارك فى هذا الاجتماع وإذا عقد الاجتماع فسأعلن معارضتنا لهذا الموضوع فى مؤتمر صحافى هنا وأتوجه فوراً إلى دمشق. أنا توَّلد لدى شعور من كل هذا بأن موضوع الأمن وراءه ترتيبات وخطط غامضة، وقد أفشلته مصر حينها، ويمكننى القول إن المواجهة الصريحة بينى كوزير لخارجية مصر وبين السياسات الإسرائيلية بدأت فى الدار البيضاء ولم تتوقف منذ ذاك. وبالفعل وقفت فى وجه رئيس وزراء إسرائيل فى الدار البيضاء وقلت له إن كلامه عن القدس لا يسرى علينا ولا يهمنا فالقدس عربية. فعندما قال رابين إن إسرائيل بَنَتْ القدس ضجَّ نصف القاعة بالمصفقين المؤيدين لإسرائيل، وعندما قلت القدس عربية وكلام رابين غير مقبول وغير صحيح تاريخياً قام المشاركون العرب بالتصفيق الحاد وانقسم المؤتمر. قلقتُ وأنا عندى هاجس أن هذا سيتكرر لأننى أعرف كيف تتصرف إسرائيل كدولة فهى فشلت فى ذلك المؤتمر لكنها ستكرر المحاولة.

ماذا كان موقف الرئيس مبارك؟
- بعد عودتى قابلت الرئيس مبارك وقلت له إننا أفشلنا هذا الموضوع ولكن، لا بد من أن نأخذ حذرنا لأنه وفق معرفتى بهم وخبرتى فى التعامل معهم سيحاولون مجدداً خصوصاً أنها مصلحة إسرائيلية. فقال لى وما العمل؟ قلت له أقترح التنسيق مع المملكة العربية السعودية وسوريا وربما عقد اجتماع ثلاثى نرد به على الدبلوماسية الإسرائيلية النشطة. فقال وهو كذلك. فقلت أزور الدولتين لنعرف إن كان هناك إمكانية اجتماع ينسَّق معهما ونطّلع على موقفهما فوافق وقال «روح اشرح الموضوع للملك فهد وشوف هيقول إيه وبعدين اتكلم مع الرئيس حافظ (الأسد).

توجهت إلى السعودية وقابلت الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، فى وقت متأخر ليلاً وكان معى شخص واحد فقط هو مستشارى السياسى السفير نبيل فهمى أصبح لاحقاً سفير مصر فى واشنطن) وقلت له يا جلالة الملك حصل كذا وكذا فى الدار البيضاء، (السعودية شاركت فى المؤتمر لكن تمثيلها لم يكن على مستوى عالٍ) وأنا سمعت بيريز يتكلم قائلاً إنه انتهى عصر أن يكون الشرق الأوسط منطقة عربية ما يعنى أن هناك هجمة على العالم العربى وعلى عروبة المنطقة وأنتم سدنتها، والأمر يقتضى أن نعقد اجتماعاً ثلاثياً سعودياً – مصرياً – سورياً وإن هذا هو جوهر الرسالة التى يرسلها إليكم الرئيس مبارك والتى سأبلغها للرئيس الأسد فى ضوء موقف جلالتك. فكر الملك قليلاً ثم قال أنا موافق على عقد المؤتمر الثلاثى ولا بد أن يُعقد فى مصر فمصر أختنا الكبيرة، وكرر كلامه هذا ثلاث مرات تقريباً بالحرف. وبعد فترة قال الملك الاجتماع فى مصر لكن ليس بالضرورة فى القاهرة حيث الزخم الإعلامى ونحن نريد أن نتحدث سوياً (بحرية أكبر). فقلت للملك إننى جئت ولدى تعليمات أن أقترح أن يكون الاجتماع هنا فى السعودية فقال يجب أن يكون فى مصر. وقلت للملك إننى سأتوجه إلى دمشق ثم القاهرة وأعود إلى جلالتك. استمر لقاؤنا نحو ثلاث ساعات وعند مغادرتى كان فى يد الملك فهد سبحة قال لى تفضل هذه السبحة سبِّح بها، فأخذتها وشكرته ومشيت. حضر الاجتماع الأمير سعود الفيصل والمستشار السياسى للملك عبدالعزيز التويجرى.

توجهت إلى دمشق والتقيت الرئيس الأسد الذى ظل يكرر على سؤاله: الملك فهد قال لك إنه مستعد لاجتماع ثلاثي؟ قلت له نعم. فسأل مرة أخرى أنت تحدثت مع الملك فهد شخصياً، قلت له نعم. قال هو مستعد لعقد اجتماع بين مصر والسعودية وسورية، قلت له نعم. قال وهل سنتفق على ميعاد أو أن هذا مجرد كلام، قلت له لا طبعاً سنتفق على ميعاد وأنا حضرت لأسمع من سيادتك أنك ستشارك فى هذا الاجتماع. عاد وقال لى السعودية قالت لك ذلك، قلت له نعم يا سيادة الرئيس وبصفتى وزير الخارجية المصرية أبلغ سيادتك كرئيس جمهورية سورية رسمياً بأن مصر طرحت فكرة عقد اجتماع قمة ثلاثية وأن المملكة العربية السعودية وافقت عليه. كان الرئيس حافظ الأسد مندهشاً ومسروراً بما أبلغته به. قال لى أنا موافق، متى يُعقد الاجتماع؟ قلت أنا بصدد الحصول على موافقتك المبدئية الآن لترتيب المواعيد، والمكان سيكون فى مصر وربما فى مدينة الإسكندرية، فرحب بالفكرة. شكرته وقلت له أستطيع أن أبلغ الرئيس مبارك والملك فهد بموافقتكم، قال نعم. وأنا متأكد أن السوريين تواصلوا مع السعودية فوراً ليتأكدوا من الموضوع. العلاقات بين الثلاثى المصرى - السعودى - السورى كان يشوبها بعض التوتر. عدت إلى مصر، وكان ذلك فى تشرين الثانى (نوفمبر) 1994، لترتيب زمان الاجتماع ومكانه واقترحت أن نعتمد الإسكندرية مكاناً للقمة.

عُقد مؤتمر إسلامى فى (ديسمبر) 1994 فى الدار البيضاء أى بعد أقل من شهرين منذ قمة الشرق الأوسط فى تلك المدينة نفسها وكانت اتصالاتى مستمرة مع الأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية السعودي) وفاروق الشرع (وزير الخارجية السورى) واتفقنا على تحديد موعد القمة الثلاثية خلال لقائنا فى المغرب. فى الدار البيضاء دعانى الأمير سعود الفيصل إلى العشاء مع الوزير الشرع وجلسنا فى قاعة صغيرة وبجوارنا جهاز تلفزيون صوته مرتفع إلى أعلى درجاته ومن الجهة الأخرى جهاز راديو صوته على أعلى درجاته كى لا يسمع أحد حديثنا، وكنا نجد صعوبة حتى نحن الثلاثة فى سماع بعضنا واتفقنا أن تكون القمة فى الأسبوع الأخير من كانون الأول فى الإسكندرية، واستمتعنا بالعشاء وغادرنا. والطريف أننا استخدمنا لغة الإشارة فى بعض فقرات الحديث بيننا، وبالنسبة ليوم الاجتماع خرجنا إلى الشرفة واتفقنا على يوم الاجتماع 26 كانون الأول على ما أذكر.

عدت لإعداد الترتيبات اللازمة وكانت صحة الملك فهد بدأت تضعف فى شكل واضح وربما كانت تلك آخر رحلة رسمية خارجية له قبل رحلة الاستشفاء الأخيرة. الأمر الذى أبهرنى أن السفارات الغربية فى المملكة العربية السعودية علمت أن الطائرة الملكية تُعد ولكنها لم تعرف وجهتها. وهذا يُظهر أن العرب عندما يجد الجد فإنهم يتعاملون بجدية كبيرة جداً إذ لم تذكر المملكة العربية السعودية على لسان أى من مسئوليها أى شىء عن الاتفاق الذى تم بيننا بهذا الخصوص، لا السعوديون ولا المصريون ولا السوريون وأبقيناها مسألة عربية بحتة لم يعلم بها أحد حتى فوجئوا جميعاً بالحدث الكبير.

وسمعت لاحقاً أن الغربيين اكتشفوا بعد ذلك أن الملك توجه إلى مصر ولكن السفارات فى السعودية لم تكن على علم مسبق بأن الملك سيتوجه إلى مصر ولا ماذا سيجري. وعقد الاجتماع واتفقنا خلاله على خطوط رئيسة لما يتعلق بالعمل فى فلسطين والمؤتمرات الخاصة بالشرق الأوسط والقدس والتنسيق العربى قبل أى شيء وسادت الاجتماع روح طيبة. وهذا كان أحد الأحداث المهمة التى حصلت عام 1994.

بالعودة إلى عهد مبارك، برأيك موضوع التوريث كان مطروحاً فى شكل جدى؟
- نعم، بالطبع كان جدياً خصوصاً فى السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك، وكانت السنوات الخمس الأخيرة مكرسة لخطة التوريث وكانت هناك حال رفض مصرية عارمة وواضحة لهذا الموضوع، ليس بالضرورة طعناً بشخص ما، سواء جمال مبارك أو غيره، لكن لماذا وبأى حق يكون هناك توريث لرئاسة الدولة.

هل تعتقد أن التوريث السورى فتح شهية مبارك؟
-من دون شك. فى مصر خصوصاً وفى العالم العربى عموماً التوريث قائم فى المهن، فالطبيب يريد أن يصبح ابنه طبيباً ليأخذ شهرته وعيادته، وكذلك المهندس والقاضى، وهذا موجود فى شكل خاص فى المجتمع المصرى وهو جزء من حياة المجتمع. إنما إذا كان هذا مقبولاً فى المهن وعلى مضض فالمواطن يستطيع أن يختار الطبيب الذى سيزوره ولكن أن يُفرض على المواطن رئيس لأنه ابن رئيس تلك المسألة كانت غير مقبولة ولم نعلم بها أو ندرسها أو نعايشها فى الجمهوريات إلا فى المثال السورى وفى جمهوريات بعيدة. وكان حسنى مبارك دائماً يقول إن سوريا غير مصر وإن التوريث ينجح فى سوريا لكنه لا ينجح فى مصر، وأنا شخصياً سمعت ذلك منه مرات عدة خلال عملى وزيراً للخارجية وإثر استلام بشّار الأسد الحكم عام 2000 دارت بيننا أحاديث عن الرئيس السورى الجديد وفى لقاء عمل منفرد مع الرئيس فى أواخر عام 2000 تطرق الحديث إلى رئاسة بشار وقال تولى بشار الحكم بإخراج متقن فعلقت بأن هناك شعوراً باحتمال تعرضه لصعوبات وربما لأخطار شخصية فاستوقف كلامى الرئيس. لكن، يبدو أن طرح التوريث تطور فى السنوات الأخيرة إلى أن أصبح سياسة رئيسية، الأمر الذى هزّ الرئاسة ليس فقط بسبب امتعاض المواطنين من هذا الطرح لكن، أيضاً لأن كثيرين من المقربين من دوائر الحكم كانوا أيضاً معارضين، اللواء عمر سليمان مثلاً لم يكن مقتنعاً أبداً بفكرة التوريث ودار حديث بيننا حول هذا الأمر وأستطيع القول إن صفوت الشريف لم يكن مقتنعاً أيضاً. والحق أن المصريين لم يكونوا راضين عن هذا، ومن سوء حظ «الوريث» أنه عندما جاء بأشخاص آخرين من الشباب الذين تلقوا تعليماً جيداً لم يتمكنوا من إدارة الأمور بحكمة فلم يهتموا بالفقراء الذين يربو عددهم على نصف المصريين مع الأسف الشديد وذلك أعطى الجميع رسالة أنه سواء كان الحرس القديم مع الرئيس أو الحرس الجديد مع الابن فإن الأمور تسير نحو الخراب. وكانت هناك معارضة واسعة وعدم اقتناع بالتوريث. التوريث كان أحد الأسباب الرئيسية أو كما نقول «القشة التى قصمت ظهر البعير».

هل كانت المؤسسة العسكرية وقادتها مع التوريث؟
- كلا، الجميع كان ضد التوريث، وقطعاً المشير حسين طنطاوى لم يكن مع التوريث أبداً ولم يكن يتحدث عن التوريث أو الوريث إلا ساخراً. التوريث لم يحصل على تأييد فعلى ما عدا من بعض رجال الأعمال من الجيل الجديد وبعض رجالات الإدارة والبيروقراطية ومَنْ لهم مصالح.

هل كنت تلتقى مع الرئيس مبارك فى آخر أيام عهده؟ متى آخر مرة التقيت به؟
- آخر لقاءين جمعانى به كانا فى قمة سرت فى تشرين الأول 2010 ثم فى قمة التنمية الاقتصادية العربية الثانية التى عقدت فى شرم الشيخ يوم 19 (يناير) 2011 وفى القمتين اختلفنا علناً وفى جلسات مسجلة. الأولى عندما اقترحت إقامة رابطة الحوار العربى فاعترض الرئيس المصرى والثانية حيث ألقيت خطاباً بصفتى أميناً عاماً لجامعة الدول العربية توقعت فيه ثورة فى مصر بعدما كانت الثورة بدأت فى تونس. عند دخولنا إلى قاعة القمة مع رؤساء الوفود صباح يوم 19 كانون الثانى استوقفت صحافية شابة الرئيس مبارك صائحة: يا ريّس يا ريّس، والرئيس مبارك كان يسير وإلى جانبه الشيخ صباح الأحمد الذى كان رئيس القمة السابقة وأنا، وسألَته ماذا تتوقع بعد ثورة تونس؟ أجابها الرئيس السابق تونس شىء ومصر شىء آخر ودخلنا القاعة.

أنا قلت فى خطابى إن ثورة تونس ليست بعيدة عن هنا يا سيادة الرئيس وهاجمنى حينها عدد كبير من أعضاء النظام والوزراء. وقلت لهم تعتقدون أن الثورة بعيدة، الثورة ستحصل فى مصر. قلت فى كلمتى: يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو إن النفس العربية منكسرة، إن المواطنين يعانون من القمع يعانون من الفقر... وكانت كلمتى قاسية جداً وكانت من إرهاصات الثورة، وكانت تلك آخر مرة ألتقى فيها الرئيس السابق وكنا نجلس متجاورين على المنصة الرئيسة: رئيس القمة السابق (الشيخ صباح الأحمد) ورئيس القمة الجديدة (الرئيس السابق) والأمين العام للجامعة العربية، والطريف أنه بعد انتهاء كلمتى كان رد فعله أن سألنى نقدر نشرب قهوة هنا على المنصة، قلت طبعاً وناديت مساعداً كان قريباً منا وقلت له اسأل الشيخ صباح الأحمد يحب يشرب إي. وهات اتنين قهوة سادة للرئيس ولى وجلسنا نشرب القهوة صامتين وكانت حالة التوجس ظاهرة.

هل هناك شىء من الصحة فى ما تردد أنك أبعدت عن وزارة الخارجية إعداداً للتوريث؟
- كثيرون يقولون ذلك ولكن قطعاً كان هناك توتر شخصى فى ذلك الوقت إزاء وزير الخارجية الذى أصبح يعمل بأسلوب جمع حوله المواطنين وبالتالى تركزت عليه الأضواء والتوقعات، وأصبحت جميع الاتصالات مع دولة ما يجب أن تمر عبر وزير الخارجية أصبح صعباً الالتفاف من ورائه، بل أصبحت الدول تتواصل مع وزير الخارجية وتبلغه بما يحصل بالتفصيل خصوصاً عندما شعروا بمحاولة الالتفاف حول الخارجية. هذا حدث أكثر من مرة إذ جرت بالفعل اتصالات من ورائى فكانت الدول ترد إلى مباشرة أو تطلب رأيى أو ترسل إلى سفرائنا بتفاصيل كثيرة فيبعثون بها إلى فور علمهم بالأمر ربما باستثناء الولايات المتحدة. أصبحت وزارة الخارجية مؤسسة كبيرة جداً ولها فروع وأصابع وأذرع واتصالات مع كل العالم على أعلى المستويات. وكانت الاتصالات الهاتفية لا تتوقف من أقصى البرازيل إلى اليابان ومن كل الدول. بعض أزكان النظام شعر بأن هذا توجه نحو خلق مركز قوة سياسية مهمة ذات ثقل دولى محسوس وكان هذا يغيظ بعضهم وربما انتقل إلى الرئيس نفسه.

هل تجزم بأن أحلام الزعامة التى راودت صدام حسين والقذافى وغيرهما لم تراود مبارك؟
- مبارك قماشة أخرى كان يعتبر «كل ده عَكّ» بمعنى كلام لن ينتهى على خير، وفضَّل النأى بمصر وكانت كلمته الأثيرة «نتفرَّج» على ما يحدث، فالقذافى أراد تزعم أفريقيا وأفسح له مبارك المجال. لم يكن مبارك مستعداً أن يتحدى سوريا فى لبنان، كان ذلك خارج حساباته تماماً. والأمور فى فلسطين استقرت على تفاهمات على خطوط معينة مع ياسر عرفات وكان يعرف ما يريده الأمريكيون. مبارك كان زعيماً مهادناً وربما انسحابياً فى بعض المسائل على عكس ما كنت أراه حيث إن المسألة لم تكن فقط «عك» بل هناك شق سياسى يجب متابعته بل كان على مصر مواجهة هذا «العك» وضبط الأمور وهو ما نجحت فيه مصر حتى نهاية التسعينيات وفشلت فيه بعد ذلك.


موضوعات متعلقة..

عمرو موسى: «الإخوان» لم يصنعوا الثورة لكنهم انضموا إليها وقطفوا ثمارها.. والدولة الدينية ليست فى مصلحة مصر.. والخوف على الحريات وراء وثيقة الأزهر.. ولدى قلق من أخونة الدولة.. وعدم تداول السلطة





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

شيخ البلد

فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن مصرى

الفرعون الذى استخف قومه

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن مصرى

رجال مبارك

عدد الردود 0

بواسطة:

Ebrahim hassan

الله يرحمك با ابو لمعه

عدد الردود 0

بواسطة:

عمرو امام

المِعَدِدَة الندابة

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية

المقال كبير اوى

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبدالله

من المرات القليلة التى سقط فيها

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عمر

طبعا ما انت ما كنتش بتفارقه

فوق

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد المصرى

سيناريو الأنقلاب

عدد الردود 0

بواسطة:

هانى

وماذا انت فعلت

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة