نشر الكاتب الكبير الأستاذ سعيد الشحات مقالا حول عزم مقاتلى أكتوبر للقيام بوقفة يوم ١٧ نوفمبر عند النصب التذكارى للجندى المجهول تحت شعار "حتى لا تضيع سيناء"، وقد توجهت فى الموعد المحدد، وكنت أول من وصل هناك، وبينما كنت أقف أمام نصب الجندى المجهول وخواطرى ترحل إلى زمن أصبح اليوم بعيدا، توقفت إحدى السيارات فجأة، كان بها شاب وفتاة، سألنى الشاب متضاحكاً: "ماذا تفعل هنا وحدك بهذا العلم؟ إن المباراة لم تبدأ بعد" ثم أردف قائلاً: "على كل حال هذا فال حسن"، كان يقصد مباراة الأهلى والترجى التى صادفت نفس الموعد، أوضحت له سر وجودى، حكيت له عن سيناء، لاحظت أن الدموع ترقرقت فى عينيه، نزل من السيارة كى يعانقنى، ثم انصرف.
مشاعر مختلطة.. رجال لم ألتق ببعضهم منذ سنوات وقد توج الشيب رأسهم.. رفيق الصاعقة أحمد يقول بحماس وبصوت شرخته السنين "إحنا لازم نروح سينا يا دفعة.. لا يمكن تضيع واحنا لسة عايشين".. بطل الصاعقة محمد التميمى بنفس الملامح الصارمة للفدائى الذى حير قوات العدو أثناء حرب الاستنزاف، الأديب الرائع جمال الغيطانى.. وغيرهم كثيرون.. ولكن من ناحية أخرى أحزننى أن بعض الشباب حاولوا التحرش بى لأننى كنت أضع "الكوفية الفلسطينية" على كتفى ومكتوب عليها "القدس لنا"، وبعد نقاش مرهق اقتنع الشباب، ولكن سيدة عجوز فاضلة انقضت وهى تقذف من لسانها الطيب ما لذ وطاب من أوصاف الخيانة وإننى أحب حماس أكثر من شهدائنا.. الخ.. همس لها الأستاذ جمال الغيطانى بأن من تهاجمه هو أحد أبطال الصاعقة والعبور.. ويبدو أنها لم تكن تسمع سوى نفسها، فقد ظلت تقول إننا يجب أن ندافع عن مصر فقط، وتروح فلسطين فى داهية!! تركتها ولكنها لاحقتنى تطلب منى بحدة أن أخلع الكوفية وإلا.. أبعدتها بأدب وحسم.. حضر الوقفة أيضاً بعض شيوخ سيناء وبعض ممن كانت الصاعقة تتعاون معهم خلف الخطوط، وسمعت منهم أمورا خطيرة ليس هذا محلها.
شعرت بالرثاء لأولئك الذين اعترضوا على كوفيتى الفلسطينية، وغضبت من كل النخب التى تركت هذا الشعب الطيب نهب هذه الحالة الضبابية.. ولكن من ناحية أخرى اقترب منى محرر شاب من الشروق، وأقسم أنه يسمع هذا الكلام لأول مرة، وسألنى أين كنتم؟ أين كان كل هؤلاء المقاتلين يختفون.. قلت له ببساطة إنهم فرغوا من المهمة التى كانوا مكلفين بها ثم عادوا لمواجهة أعباء الحياة مثل كل الناس.. لم يطلبوا شيئا ولا يجوز أن يطلبوا أى شىء.. حتى عندما أصبح العبور عنوانه: "صاحب القرار" ثم تحول بعد ذلك إلى "صاحب الضربة الجوية"، وقلت له ضاحكا إن إحدى الشركات الحكومية نشرت تهنئة فى إحدى الصحف بمناسبة ذكرى العبور كتبت فيها تهنئة للرئيس مرسى "قائد العبور".. أشرت إلى رجل كهل يتوكأ على عكازه بصعوبه، وقلت للصحفى "هذا الرجل كان أحد أساطير الصاعقة، وها هو يحضر اليوم مستعدا للقتال مرة أخرى من أجل سيناء".
تذكرت مشاجرة عندما تم اغتيال الكاتب يوسف السباعى، وكانت هناك مظاهرة قليلة العدد تهتف: "لا فلسطين بعد اليوم".. وكاد بعضهم يفتك بى لولا أن صحتى وقتها كانت تسمح بالصمود.. لأننى أردت فقط أن أقول لهم إن فلسطين مسألة أمن قومى مصرى لا يمكن الفرار منها حتى لو أردنا.. للأسف كان غسل العقول وتلويثها جريمة شارك فيها أغلب النخب.
وفى نهاية الوقفة طلب منى الحضور من رفاق السلاح إعداد بيان يتضمن أهداف هذه الوقفة، وقد تمت صياغته كما يلى:
البيان الأول لأبطال حرب أكتوبر..
تحت شعار "حتى لا تضيع سيناء" قام قدامى المحاربين الذين خاضوا معارك مصر وخاصة حرب أكتوبر بتنظيم وقفة أمام النصب التذكارى للجندى المجهول يوم السبت الموافق ١٧ نوفمبر ٢٠١٢، حضرها أيضاً عدد من أبناء سيناء ولفيف من الناشطين السياسيين من مختلف ألوان الطيف السياسى المصرى، وقد أكد الحضور على ما يلى:
١- أنه لا يمكن السماح بضياع سيناء نتيجة للإهمال والتراخى الذى يصل إلى حد التواطؤ، وضرورة أن تتخذ قيادة القوات المسلحة المصرية كافة الإجراءات اللازمة للتعامل بكل حزم وحسم للقضاء على الظاهرة الإرهابية التى تفاقمت خلال الفترة الأخيرة.
٢- الحق الأصيل لأبناء سيناء فى تملك العقارات التى يعيشون فيها، وأهمية أن يتضمن التقنين هذا الحق لكل مواطن سيناوى لأب وأم مصريين.
٣- حظر امتلاك الأجانب لأى شبر فى سيناء، وألا تزيد فترة الانتفاع للأجانب لأى عقار فى سيناء على ٢٥ عاما مقيدة بشروط محددة تتعلق بالأمن القومى المصرى.
٤- البدء فوراً فى عملية تنمية شاملة فى سيناء، تحت إشراف هيئة مستقلة تديرها شخصيات مشهود لها بالكفاءة والوطنية.
0- التزام السلطات بالشفافية والوضوح فى كل ما يتعلق بسيناء، مع مراعاة التفرقة المنضبطة فى التعامل مع الظاهرة الإجرامية بما لا يؤثر سلباً على المواطنين المسالمين أو تنتهك العادات والتقاليد المرعية، هذا وقد قرر الحاضرون وخاصة أبطال أكتوبر أنه فى حالة تقاعس السلطات عن تنفيذ ذلك، فإنهم سوف يطالبون بتسليحهم كى ينقذوا سيناء التى رووها بدمائهم وتحمل رمالها رفات أغلى الرجال، والله أكبر وحى على السلاح.. انتهى البيان.
1- وربما تساءل أحد عن موقف الجيش المصرى الحالى، وأطيب بلا تردد: لدينا جيش عظيم.. أفضل رجال.. ولكن هل هناك إرادة سياسية؟.. كيف نفسر كل هذه الحشائش الضارة التى ملأت جبال ووهاد سيناء؟.. كنت أتمنى أن أرى كل شعب مصر معنا، حتى يرى - مثلما رأيت - شباب مصر يلتف حول قدامى المحاربين كى يسمع منهم عن سيناء والعبور، وكأنهم يسمعون لأول مرة.
لابد أن نحكى لأولادنا وأحفادنا عن بطولة جيش وشعب مصر حتى لا تضيع الحكاية وتظل الهاماً لأجيال قادمة بإذن الله، يعرفون منها أنه لا يوجد مستحيل إذا صدق العزم، وخاصة لخير أجناد الأرض.. ورغم كل شىء فإننى لازلت أرى الفجر خلف كل هذه الآكام السوداء، وأرى أحفادى يحتفلون بعيد النصر فى القدس.