هل تسمح لخيالك بفسحة من الوقت تتأمل فيها بعض الملاحظات الطريفة العفيفة والغريبة المريبة فى آن معا؟!، فلديك ساعات من الوقت بدل الضائع تكفى لا لتقضيها فقط تسبيحا واستغفارا، بل حمدا للخالق على ما أنعم عليك به من نعمة العقل الذى أحيانا قد ينجح فى إيجاد تفسيرات منطقية لما يقع تحت طائلته من ألغاز، وربما كثيرا ما يعجز، ليس لنقص والعياذ بالله، وإنما لا يكلف الله نفسا إلا وسعها!
خد عندك:
1- أن شرائح المرأة والمعاقين والصحفيين وممثلى الطفل وبعض الإسلاميين وبعض القضاة وبعض الحقوقيين والمحكمة الدستورية والنيابة الإدارية والشهر العقارى والمركزى للمحاسبات يعترضون على مسودة الدستور، أو بالأحرى ما يخصهم من مواد -أو ربما عدم وجود مواد تخصهم أصلا- !، هذا فى الوقت الذى تتردد فيه بعض التصريحات من شخصيات أو تويتات وحوارات تؤكد أن الجمعية تعبر عن الشعب بمختلف الفئات، وتضم كافة التيارات والحياة زبادى فى الخلاط!
وهو ما يمكن قبوله دون دهشة من منطلق منطق الرأى والرأى الآخر، لكن الغريب - إذا جاز الوصف- أن تفاجأ أخيرا أن الشعب بما يعج به من طوائف معترضة ومعتصمة قد قرر بأغلبية أصواته التى تتعدى 57% أن يقول (نعم)!، وهو ما يجعلك تضطر للأخذ بأحد التفسيرين، أحدهما تستخدمه قامات السلطة وممثلو الحكومة فى أحايين كثيرة لتبرير فشلهم أو تهربهم، والقائل إن هذه الفئات ليست كل الشعب ولا تمثله بالضرورة، أو التفسير الآخر – والذى لا نؤيده طبعا- وهو أن الشعب (بيستعبط)!
أو تفسيرا ثالثا لا يضعه أى من واضعى الدستور أو القوى المعترضة عليه فى حسبانهم، وهو أن قطاع عريض من الشعب الذى سيستفتى على الدستور قد لا يكون مهتما أساسا بهذه المعارك النخبوية أو الفئوية، وربما قد لا يكون مهتما أصلا بموضوع الدستور!
2- أن التصويت على مواد الدستور سيكون دفعة واحدة، عملا بمبدأ "ضربة بالمرزبة ولا ميه بالشاكوش"، وهو ما يعنى أنه إذا لم تتمكن الجمعية بأعضائها المائة الممثلين من محاولة رأب الصدع لهذه الاحتجاجات – وأقصد طبعا الاحتجاجات المتعلقة بمضمون ما يكتب وليس بمبدأ تشكيل الجمعية - من خلال إعادة النظر فى بعض المواد المعترض عليها، أو تقريب وجهات النظر بين ما يدور داخل الجمعية، وما اختلف عليه خارجها، فقد يدفع هذه الشرائح الرافضة إلى التصويت بـ(لا) اعتراضا على بعض مواده، وهو أمر مشروع ومكفول وفقا لما يرتئيه كل شخص متماشيا مع وجهة نظره، أو يدفعهم إلى مقاطعة التصويت نهائيا، وحينها لن يتبقى سوى القوى المؤيدة، بالإضافة إلى الفئة العريضة من غير المهتمين أو غير الواعين سالفة الذكر، فتصبح فرصة (نعم) أكثر ترجيحا، حيث تنعدم المبررات الموضوعية للرفض فى ظل تنحى كتلة ليست بالقليلة عن التصويت، اللهم إلا بعض الوسوسات من بعض القوى ذات التأثير الفكرى كالقوى الإسلامية مثلا، والتى قد تختلف هى الأخرى فى وسوساتها!
3 - إنه فى ظل اعتراض بعض القوى على ما يكتب فى الدستور، وانسحاب بعضها الآخر، وتجميد بعض أعضائها لعضويتهم باللجنة تارة وتراجعهم عن موقفهم تارة أخرى، ومقاطعة المدنيين باللجنة لموقف الإسلاميين، بل مقاطعة بعض المدنيين خارج اللجنة لموقف المدنيين داخلها، وانتظار لحكم المحكمة الدستورية للبت فى التشكيل الحالى، ووجود طعن يطعن على الطعن الخاص ببطلان تشكيل اللجنة الأولى أمام القضاء، من المفترض أن يتعين على كل فرد فى المجتمع بمختلف طوائفه من عمال وفلاحين وسواقين وحلاقين وعاطلين أن يقوم بقراءة المسودة الخاصة بالدستور بموادها الـ 234 للاستفتاء عليها، بما يعنى أن يقوم كل هؤلاء بتصفح الموقع الإلكترونى الخاص بالدستور، وقراءة المسودة، والتعليق على الصياغات الخاصة بموادها، وهو ما يعد فى جانب منه دربا من الخيال، نظرا لاعتبارات تتعلق بضيق الوقت، أو ضيق الثقافة، أو عدم توافر إمكانية الدخول على شبكة الإنترنت، أو جهل بعضهم بالقراءة أصلا!
وهذا ما يجعل الفضائيات بما تعكسه من صراع يومى على الدستور بديلا سهلا لدى قطاع عريض، ومن ثم يصبح قرار التصويت مرهونا بهذه الصراعات، ومتأرجحا بين كفتى التأييد والرفض استنادا إلى مبررات ما أنزل الله بها من سلطان، كالتصويت بـ(نعم) بمنطق "وأطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم"!، و"البلد بقت مش ناقصة وعاوزين نشوف أكل عيشنا!"، أو بـ "لا" بمنطق "كنا أكلنا ايه عشان نشرب عليه ميه"، و"خدنا ايه من الدستور عشان نبكى عليه!".
المشكلة باختصار أن الدستور لا يندرج ضمن أولويات المواطن العادى الذى تشغله هموم الحياة ومعركة لقمة العيش، ويبقى كل صراع دستورى دائر فى غرف السياسيين والفقهاء أو المعنيين دون أن يتخطى حدود هذه الدائرة الضيقة، وتبقى ثقافة قطاع عريض من الشعب حيال دستورهم محكومة بالمنطق الإيمانى القائل (الخيرة فيما اختارها الله)!، ومفهومهم عنه لا يتعدى ما يتردد فى بعض الإعلانات الساذجة التى يطلقها التليفزيون المصرى فى موسم الاستفتاءات، وتدفعه حيال عملية التصويت بعض العبارات الجوفاء على منوال "صوتك أمانة"، دون أن يدرى بأن قراره غير المدروس بالتصويت ربما يجعل البلد كلها تصوت عليه، وربنا يجيب العواقب سليمة!
دستور مصر - صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة