شهدت مرحلة ما بعد يناير 2011 بزوغ نجم بعض الشخصيات التى لم نكن نسمع عنها ولا نعرفها، والغريب أنهم يصدرون لنا دائما باعتبارهم "شخصيات محترمة" وقد كنت أحسب أن هذه ظاهرة إيجابية معتقدا أن الشعب بدأ فى إفراز نخبته الجديدة التى حرمها مبارك من الظهور، لكنى بعد فترة تأكدت من أن هذه الظاهرة أكبر من اعتقادى بكثير وأنها تستحق الدراسة بجدية، وأعتقد أن المؤرخين سيقفون أمامها كثيرا متعجبين كيف برزت تلك الشخصيات وأين كانت، وكيف صدق الشعب أنهم فعلا "محترمون".
من هذه الأسماء التى قفزت فوق أسماعنا اسم المستشار "محمد فؤاد جاد الله" الذى صورته مواقع الإخوان باعتباره بطلا، فصدقها الناس، من دون أن نعرف ما نوعية هذه البطولة وكيف حصل عليها، لكن الغريب حقا هو أن سيادة المستشار يتعامل وفق هذا المنطق، وهذا ما ظهر جليا فى حواره مع الإعلامية "لبنى عسل" على قناة الحياة أمس، فقد تقمص سيادته دور المناضل الثورى وأخذ يصول ويجول مدافعا عما يسمى "الإعلان الدستورى" الذى أصدره من يسمى بـ"الرئيس مرسى" والمفاجأة فى هذا الأمر أن سيادة المستشار الذى اتهم معارضى قرارات مرسى بأنهم لم يروا أهالى الشهداء ولم يزورا المصابين، هى أن سيادته كان معارا إلى دولة قطر وقت الثورة، حيث كان يعمل فى الديوان الأميرى مستشارا للأمير حمد والأميرة "موزة" وحينما هبط إلى أرض مصر عمل مستشارا لعصام شرف فى حكومة المجلس العسكرى، ثم أبعده عصام شرف إلى أن أتى به مرسى إلى ديوان الرئاسة، أما المفاجأة الأغرب أن سيادة المستشار الذى أخذ يكيل الاتهامات لكل من عمل مع النظام السابق، أنه تم تعيينه فى عهد مبارك فى منصب قيادى فقد كان يعمل مستشارا لعصام شرف وقت أن كان وزيرا للنقل، كل ذلك برغم أنه كان قاضيا فى مجلس الدولة وهى الجهة القضائية الموكل إليها الفصل فى القضايا التى تتهم فيها الحكومة ومن بينها وزارة النقل التى كان يعمل بها، بما يعنى أن سيادته كان قاضيا فى الصباح ينظر فى القضايا التى يتهم فيها وزير النقل، وفى المساء كان يجلس بين يدى الوزير ليعرض عليه "البوستة" ليحصل على راتبه ومكافآته فى آخر الشهر.
فى بداية حديث سيادة المستشار للإعلامية لبنى عسل، أكد سيادته على أنه ليس منتميا إلى أى فصيل سياسي، وأنه لا يتبع أى حزب، وهذا الادعاء من وجهة نظرى هو التطور الطبيعى لتلك الجملة الشهيرة "على فكرة أنا مش إخوان" التى يلوكها أتباع المرشد محاولين أن يكسبوا كلامهم مصداقية زائفة، وتناسى سيادة المستشار أنه يشغل منصباً من أكبر المناصب السياسية فى مصر، وأنه يتبع المرشد ظالماً أو ظلوماً، ولعل ما كشف زيف ادعاء سيادة المستشار هو أنه أخذ يدافع عن مرسى وإخوانه دائما منزهاً إياه عن الخطأ أو السهو، غير مكتفيا بذلك وإنما متمادياً فى مهاجمة خصومه، مقسماً من يعارضونه إلى "طمعانين" فى المنصب، أو مأجورين، أو فلولا، بل والأكثر غرابة من ذلك أنه اتهم معارضى مرسى بأنهم "ضد المشروع الإسلامى" متاجراً بالدين مثله مثل بقية الإخوان، ولا يعرف الواحد ما هو المشروع الإسلامى الذى يتحدث عنه سيادة المستشار، فهل من الإسلام أن تطرح الحكومة مليارات بعد مليارات لبيع أذون الخزانة بفائدة يقول الإسلاميون عنها إنها "ربوية" وهل من الإسلام أن يعلن رئيسه نفسه حاكما مستبدا متجنيا على ذات الله محاولا أن يتشبه به، وهو سبحانه الوحيد الذى لا يسأل عما يفعل، وهل من المشروع الإسلامى أن يحتفظ أعضاء حزب الحرية والعدالة بملابس داخلية خاصة بالنساء فى مقر الحزب؟!
حاول السيد المستشار أن يمارس تلك العادة اللولبية الإخوانية القميئة، وهى دس السم فى العسل، ليوهمنا بعظمة ما يسمى بالإعلان الدستورى لأنه سيعيد المحاكمة فى قضايا الثورة، ولأنه عزل النائب العام ولأنه أمر بتعويضات لمصابى الثورة والشهداء، ليمرر استبداد مرسى وتحصينه للجنة التأسيسية الخربة، ولمجلس الشورى المشوه، ولقراراته الاستبدادية، والرد على تلك المزاعم يتطلب مواهب خاصة فى التحكم فى الأعصاب والانفعالات فسيادة المستشار الذى يتهم الثوار بعدم معرفتهم لمعاناة الشهداء والمصابين، نسى تماما أن معظم هؤلاء الثوار من جرحى ومصابى الثورة، وكل واحد منهم يحمل فى جسده آثار الخراطيش على جسده كأوسمة ونياشين، وأنهم كانوا فى تلك المعارك المشهودة أسودا بينما هو يجلس بين يدى سلطان قطر فى قاعات الخليج المكيفة وعلى مائدة السلطان نديما، وأن هؤلاء المتهمين بعدم معرفة معاناة أهالى الشهداء هم من انتفضوا فى "محمد محمود الأولى" ليدافعوا عن أهالى الشهداء من اعتداءات الشرطة، بينما كان رئيسه يتهم أبطال محمد محمود بأنهم مخربون ويريدون تعطيل مسيرة الديمقراطية، أما مسألة صرف التعويضات لشهداء الثورة ومصابيها فهو واجب وليس تفضلا، وقد جاء متأخرا جدا أكثر من اللازم، أما موضوع إعادة المحاكمات فهو ليس أكثر من فخ، وذلك لأنه لو أعيدت المحاكمات ألف مرة فسوف تكون النتيجة هى البراءة لسابقة الفصل فى القضية، وذلك لأن المحاكمة تعتمد على الأدلة والأدلة تم طمسها أو إخفاؤها، ولو استطاع مرسى ونائبه العام أن يحصل على أدلة جديدة ليعيد بها المحاكمة لتمكن من إعادة المحاكمة دون حاجة لقانون جديد أو إعلان دستورى جديد، لأن القانون الحالى يسمح بذلك، وهنا لنا أن نسأل: ما فائدة الإعلان المسمى بالدستور إذا كان القانون يسمح بذلك سوى أن مرسى يريد أن يمرر به قوانينه الاستبدادية.
يقول السيد المستشار، إن قرار مرسى بإقالة النائب العام جاء بناء على المطالب الثورية، وإحقاقا للحق فقد كان هذا المطلب فعلا مطلبا ثوريا وقت أن كان الإخوان نائمين فى حضن النائب العام والمجلس العسكرى، لكنه نسى أن سبب مطالبة شباب الثورة بإقالة النائب كانت اعتراضا على طريقه تعيينه لما يشوبها من فساد، لأن الذى يملك تعيين النائب العام هو الرئيس، وهو الأمر الذى يجعله تابعا له، وما فعله مرسى ما هو إلا إعادة لنظام مبارك، بل إنه زاد فى هذا الأمر بأن جعل بقاء النائب العام فى يده، بينما كان النائب العام فى السابق يتمتع باستقلال نسبى عن الرئاسة لأنه كان محصنا من العزل، وما كان يطالب به القوى الوطنية وشباب الثورة هو أن يكون تعيين النائب العام باستقلال تام عن الرئيس، بأن يتم تعيينه عن طريق مجلس القضاء الأعلى، أو يتم تصعيده وفقا للأقدمية، أى أن الخلاصة هى أن مرسى أتى باستبداد مضاعف بعد أن عانينا من استبداد فقط.
لم ينس سيادة المستشار أن يهاجم من زار النائب العام فى مكتبه، وهو يقصد بذلك السيد حمدين صباحى، مدعيا أن صباحى زاره ليسانده، وإنى وإن كنت قد انتقدت هذه الزيارة سابقا، فلا أقدر إلا على أن أستهجن هذا السلوك مع المعارضين، فقد زار صباحى النائب العام السابق فعلا، لكن سبب الزيارة كان من أجل متابعة بعض القضايا التى قدمها أهالى كفر الشيخ إلى النيابة، ومنها اتهام محافظ كفر الشيخ "الإخواني" بالاعتداء على أهالى المحافظة وإطلاق الكلاب عليهم محدثة بهم إصابات كبيرة، لكن السيد المستشار نسى تماما أنه قبل أن يزور "صباحى" النيابة العامة، كان النائب العام فى ضيافة مرسى فى قصر الرئاسة، فهل يريد السيد المستشار مثلا أن يزايد حمدين على مرسى ويسب النائب العام ومن تراجع عن قرار إقالته ليعجبه؟
فى سياق حديث السيد المستشار جاد الله للإعلامية لبنى عسل، حاول أن يبرر استبداد الإخوان بأى شكل، فتراه مثلا يدعى أن القوانين العالمية تسمح للرؤساء بأن يتخذوا بعض الإجراءات الاستثنائية فى أوقات الطوارئ، ثم استشهد بواقعة حدثت فى بلجيكا خاصة بعدم امتثال البرلمان بحكم المحكمة الدستورية، وذلك طبعا فى سياق محاولته إثبات تجنى المحكمة الدستورية على برلمان الإخوان المنحل، وفى هذا المنهج التبريرى الترقيعى يسير سيادة المستشار على خطى "أحمد عز" فعز هو الرائد الحقيقى لهذا الاتجاه، فهو الذى كان حينما يريد أن يتاجر فى الآثار يدعى أن قانون إيطاليا يسمح بذلك، وحينما كان يريد أن يستولى على المقطورات كان يقول إن بريطانيا تسمح بذلك، وهكذا كلما حاول أن يبرر شذوذه وشذوذ حزبه يدعى أن البلد الفلانية فى القارة الفلانية تسمح بذلك، وما هذا المنهج إلا ترقيع واتباع لسقط الروايات والوقائع، ولا يعرف الواحد إلى متى سيحاول حكامنا أن يخضعونا بانتقائهم للشاذ من الأفعال والقوانين كى تظل حياتنا شاذة إلى الأبد، ولكى يستريح السيد المستشار أقول له "افعل مثلما فعلت بلجيكا واضرب بحكم الدستورية عرض الحائط وأمر بانعقاد البرلمان بشرط واحد هو أن تلتزم بكل قوانين بلجيكا وأن تنسخ دستورها ليكون دستورنا، وكذلك اجعل كل القوانين المصرية مثل القوانين العالمية والتزم بتعريفها لحالة الطوارئ التى تدعى أنها تخول لك أن تقيد حرياتنا، قبل ذلك لا تكلمنا عن بلجيكا ولا القوانين العالمية".
الأزمة الحقيقة التى يتجاهلها سيادة المستشار فى قرارات مرسى الأخيرة هى أن المجتمع فقد الثقة فى الإخوان ومن يساندهم، ولذلك انتفض الجميع بعد إصدار هذه القرارات لأننا على يقين من أن مرسى يضع الجماعة فوق رأسه بينما يضع مصر تحت قدميه، وليفسر لنا سيادة المستشار قرارات مرسى المريبة أولا قبل أن يدافع عن الصلاحيات المهولة التى منحها لنفسه، وليقل لنا لماذا أفرج مرسى عن القتلة والإرهابيين وتجار السلاح بقرارات رئاسية منشورة فى جريدة الوقائع الرسمية؟!، وليقل لنا لماذا أفرج عن السودانيين المتهمين بالتجسس على المنشآت العسكرية لمجرد أنه كان يريد أن يجامل الرئيس السودانى الذى يدعى هو أيضا أنه ضمن "المشروع الإسلامى" وليقل لنا كيف يطمئن الناس إلى اللجنة التأسيسية للدستور وقد تم تعيين ربع أعضائها فى مناصب حكومية فيما يشبه الرشوة، وليقل لنا كيف يعين السيد المستشار أحمد مكى أقاربه وأصهاره فى المناصب القيادية بوزارة العدل، وليقل لنا كيف يسمح الرئيس لنفسه بأن يعطى نفسه سلطات لا يتمتع بها أكبر طغاة العالم، وليقل لنا وهذا هو الأهم ما تفاصيل اتفاق مرسى مع أمريكا على تأمين الحدود وما حقيقة سماحه لأمريكا بزرع أجهزة تنصت على حدودنا؟ وألا يعد كل هذا العبث خيانة عظمى لمصر وحنث باليمين الذى أداه السيد مرسى؟!
وائل السمرى يحلل حوار مستشار الرئيس مع لبنى عسل: جاد الله اتهم الثوار بعدم شعورهم بمعاناة الشهداء بينما كان يعمل مستشاراً لأمير قطر وقت الثورة.. وادعاؤه عدم الانتماء لفصيل هو تطور لجملة "أنا مش إخوان"
السبت، 24 نوفمبر 2012 08:14 م
المستشار محمد فؤاد جاد الله
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عبد الباقى المحامى
ماذا ننتظر من جماعة تربت على القمع و الكذب و تهريب الأموال غير الأنتقام و الأستحواز
عدد الردود 0
بواسطة:
وهل من المشروع الإسلامى أن يحتفظ أعضاء حزب الحرية والعدالة بملابس داخلية خاصة بالنساء فى م
وهل من المشروع الإسلامى أن يحتفظ أعضاء حزب الحرية والعدالة بملابس داخلية خاصة بالنساء فى م
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
مرسى يضع الجماعة فوق رأسه بينما يضع مصر تحت قدميه
زكما قال المرشد طظ فى مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الله
كلام سليم مائه في المائه
عدد الردود 0
بواسطة:
جرير عبدالله فيصل مصري\عمان-الاردن
وائل السمري يحلل شخصيات الناس
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماعيل
مستشار غايه فى الاحترام
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف الشاذلي
اعرف المستشار محمد عن قرب وتعاملت معه واشهد انه كان يسعى للتغيير في مصر وكنا وهو نخطط لما
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
يسلم لسانك
عدد الردود 0
بواسطة:
صابر أيوب
الرد القانوني جاءه من المتداخلين في اللقاء
عدد الردود 0
بواسطة:
دراجونوف
الإعلان الدستوري هو الشرعية الثورية بصيغة دستورية