يحلم مئات من المصريين المقيمين فى سوريا بالعودة إلى أرض الوطن، لكن أسبابا اقتصادية واجتماعية وأخرى وجدانية تحول دون إتمام ذلك، والتقى مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط فى دمشق بعدد من المصريين الرافضين العودة إلى أرض الوطن للتعرف على أسباب عدم عودتهم وتمسكهم بالبقاء فى سوريا رغم تصاعد أعمال العنف بل ومقتل واعتقال العديد من المصريين.
وتبذل السفارة المصرية فى دمشق جهودا صادقة لإعادتهم إلى ربوع مصر، ويؤكد الدكتور علاء عبد العزيز القائم بالأعمال المصرى فى دمشق أن السفارة ومنذ اندلاع الأحداث فى سوريا سعت لمساعدة كل مصرى يرغب فى العودة إلى أرض الوطن وانعكس ذلك فى أشكال مختلفة منها تحمل تكلفة السفر واستخراج وثائق سفر للمصريين وأبنائهم.. بالإضافة إلى اتفاق وزارة الخارجية مع شركة مصر للطيران على انتظام رحلتها اليومية إلى دمشق وزيادة سعة الطائرات.
ويقول عبد العزيز إنه على الرغم من ذلك لا يزال هناك مصريون يرفضون العودة إما لظروفهم فى مصر أو ارتباطهم بسوريا، مؤكدين أن ما يسرى على السوريين يسرى عليهم وهذا يدل على الأواصر القوية بين الشعبين الشقيقين.. مشيرا إلى أن هذا الأمر متبادل لأن كثيرا من المصريين تبرعوا بسكنهم للسوريين النازحين هذا إلى جانب التعاطف الرسمى الذى تمثل فى مساواة السوريين بالمصريين فى العلاج بالمستشفيات العامة والمصروفات الدراسية فى المدارس الحكومية وكذلك السماح لسيارة المواطن السورى بالدخول لمدة عام.
ويؤكد رضا الطنبولى ( مدير مبيعات بشركة أدوية ) أنه يتمنى العودة إلى أرض الوطن وأنه بالفعل سعى إلى ذلك، لكن اكتشف أن الأمر فى غاية الصعوبة ويحتاج إلى تدابير كبيرة ليست متوفرة حاليا.
ويقول إنه يقيم فى سوريا منذ أكثر من عشرين عاما ومتزوج من سورية ولديه بنتان وولد.. ونتيجة لوجوده فى دمشق منذ زمن أصبح مركزه مرموقا فى عمله ولديه سكن جيد وسيارة وابنته الكبرى التحقت بكلية طب الأسنان بينما التحقت الثانية هذا العام بكلية الطب البشرى .
ويضيف "إذا عدت إلى مصر فيجب أولا أن يكون لدى محل إقامة لائق وأيضا أين سأجد فرصة عمل ملائمة مع العلم أن ما أمتلكه هنا لن يساوى كثيرا فى حالة بيعه لأن شقتى إيجار وسيارتى فى حال بيعها لن تساوى أكثر من عشرة آلاف دولار".
ويتابع أنه ذهب إلى مصر خلال شهر أغسطس الماضى، وكانت ابنته قد حصلت على الثانوية العامة من سوريا بمجموع 98% والتنسيق السورى أهلها لكلية الطب البشرى.. ولكنه فوجئ بأن كلية الطب فى مصر تحتاج إلى مجموع 102% ولا يوجد فى سوريا هذا المفهوم فليس هناك مجموع أكثر من 100\% وكانت المفاجأة أن ابنته لن تلتحق بأى من كليات القمة فى مصر .
ويؤكد الطنبولى أن السفارة المصرية فى دمشق تقوم فعلا بواجبها ولكن مشكلة المصريين الذين لا يستطيعون العودة ليست مع تذاكر الطيران فقط بل تمتد إلى تأمين نفس المرحلة الدراسية لأبنائهم وأيضا إيجاد فرص عمل مناسبة وهذا غير متوفر خاصة مع الظروف التى تشهدها مصر.
بدوره يقول العزب بخيتة ( 72 سنة ) أنه يقيم فى سوريا منذ 33 عاما وزوجته سورية وبالتالى أصبحت سوريا هى بلده الثانى وابنه لا يعرف بلدا له سوى سوريا وليس لديه هوية شخصية من مصر ( لا بطاقة رقم قومى ولا جواز سفر ) .. وفى حال عودته إلى مصر يجب أن يجد مكانا للإقامة وأيضا موردا للأنفاق، فضلا عن أن سنوات عمره وصحته لا يتحملان العمل.
ويكمل قائلا "قبل حضورى إلى سوريا كنت أعمل مصمما للأزياء وكان زبائنى من كبار العائلات المصرية خلال حقبة الستينات وأوائل السبعينات.. وآخر عرض أزياء أقمته كان عام 1973 ومبيعاتى كانت مخصصة للمجهود الحربى وبعدها غادرت مصر فى جولة أوروبية استمرت حتى عام 1980 حيث استقر بى المقام فى سوريا وتزوجت من أهلها وأقمت مصنعا للملابس الجاهزة".
ويشير بخيتة إلى أنه مع تقدم العمر اضطر للتوقف عن النشاط وباع المصنع ومستلزماته واشترى عقارا ينفق من عائده. ويضيف " الآن العودة إلى مصر لا تتعدى الحلم لأنه ليس لى مقر إقامة ولا مورد دخل فى مصر والعقار الذى أعيش من عائده فى سوريا لن يباع إلا بأقل من ربع ثمنه بسبب الأحداث الجارية".
ويؤكد أن مشكلته الرئيسية هى أنه فى حاجة إلى بطاقة رقم قومى لابنه والسفارة فى دمشق تطلب منه الذهاب إلى مصر لاستخراج هذه الأوراق وهذا يعنى أنه بحاجة إلى حوالى خمسة آلاف دولار مقابل سفره مع ابنه والعودة والإقامة هناك وهو أمر فى غير مقدرته.
ويكمل قائلا "صحيح أن السفارة قدمت كل التسهيلات وأخبرتنى بإمكانية السفر أنا ونجلى على نفقتها إلى مصر (ذهابا فقط ) لكن المشكلة ليست فقط فى تذكرة الذهاب بل تمتد إلى أبعاد أكثر وكان من الأسهل للسفارة أن يكون لديها إمكانات استخراج بطاقات رقم قومى وجوازات سفر للمصريين المقيمين فى سوريا".
وبنبرة أبناء البلد يقول مصطفى.س ( 52 سنة) "حضرت إلى سوريا قبل 25 سنة واستقبلنى أهلها بالترحاب وتزوجت منهم وأصبح لى شأنى هنا فهل من الشهامة أن أتركهم فى أزمتهم بعد أن عشت معهم رفاهيتهم.. صحيح أن وضعى المادى يسمح لى بالرحيل من سوريا والعودة مع أبنائى إلى مصر ولكن وبصدق يمنعنى ارتباطى بأهل الشام وشهامتى المصرية من ذلك".
فيما تقول الحاجة / أم خالد / أنها متزوجة من سورى منذ عام 1973 وتذهب إلى مصر كل عامين أو ثلاثة للزيارة. وتضيف: "صحيح أن أمنيتى أن أعود إلى بلدى، وأبنائى أيضا يحلمون بذلك ولكنهم يحملون جنسية أبيهم ( السورية ) وبالتالى لن يجدوا أى فرصة عمل هناك".
المصريون فى سوريا.. بين حلم العودة وضرورة البقاء
السبت، 24 نوفمبر 2012 09:11 ص
الدمار فى شوارع سوريا _ صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة