قال الدكتور عماد عبد اللطيف، مدرس البلاغة وتحليل الخطاب، بكلية الآداب، جامعة القاهرة، إن خطاب رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى، ألقاه من أمام قصر الاتحادية، مساء اليوم، الجمعة، أعاد جميع تيمات الخطابات الاستبدادية.
وأوضح عماد عبد اللطيف فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن خطاب "مرسى" مبنى على الادعاء التقليدى الموجود فى الخطابات الاستبدادية، وهو ادعاء امتلاك الحق المطلق، فالعبارة الأساسية التى كررها "مرسى" أكثر من مرة هى عبارة "الحق أبلج والباطل لجلج"، موضحًا أنه فى إطار التنازع السياسى لا يمكن لأى طرف أن يدعى أنه هو الذى يمثل الحق وما عداه هو الباطل، مشددًا على أن الخطورة فى خطاب الرئيس "مرسى" أن يعيد إنتاج معظم تيمات الخطابات الاستبدادية.
وأوضح "عبد اللطيف" أن الخطاب هو من أكثر خطب "مرسى" احتواءً على ضمير المتكلم المفرد "الأنا"، وأنه عادة فى الخطب السياسية التى تهيمن عليها ضمائر المتكلم تعكس مدى الاستبداد على المستوى الخطابى فذات المتكلم تصبح مركز الخطاب، وهذا يوازى حزمة القوانين أو التعديلات التى تضمنها الإعلان الدستورى الجديد، فكأن ذات الرئيس تحتل مركز الخطاب كما احتلت مؤسسة الرئاسة وفقًا للتعديلات الدستورية الأخيرة سلطات الدولة بأكملها تشريعية أو تنفيذية.
وأشار "عبد اللطيف" إلى أن مكان إلقاء الخطاب، فرمزية القصر الجمهورى لها دلالة، وهى أن رئيس الدولة يخاطب المصريين بالأساس استنادًا إلى القوة الرمزية لمؤسسة الرئاسة، بالإضافة إلى أن الجمهور الذى ألقى أمامه "مرسى" كلمته لا يمثل فى الحقيقة المصريين بأكملهم، وإنما هم شريحة معينة من الطيف السياسى، وبالتالى فإن احتشاد أفراد جماعة الإخوان المسلمين أمام قصر الاتحادية، وإلقاء الخطاب من أمام القصر فى حشد من الإخوان هو دليل على انتقاص فكرة أن "مرسى" رئيسًا لكل المصريين بالمعنى الحرفى، وهو لجأ إلى هذا للحصول على دعم وتأييد الجمهور المباشر للخطبة وتقليل إمكانية أى استجابات استهجانية كان من الممكن أن يقوم بها أشخاص من خارج المؤيدين ومن خارج جماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح "عبد اللطيف" أن القيمة الرمزية لمنصب الرئاسة تأتى من أن رئيس الدولة يمثل بالفعل كل المواطنين، لكن هذا تعارض طبيعة الجمهور الذى ألقى فيه الخطاب، وكأن الدلالة الرمزية أننا أمام استحواذ آخر على الدلالة الرمزية لمنصب الرئيس.
ولفت "عبد اللطيف" إلى أن الرئيس لم يستخدم أشكال المخاطبة التقليدية فى خطابه للمصريين مثل كلمة "أيها المواطنون" أو "أيها المصريون" وإنما التعبير الذى استخدم هو "أحبائى" وهو تعبير ينتمى بشكل مباشر إلى خطاب الإخوان المسلمين، وهو ما يخالف العلاقة التى يفترض أن تكون قائمة بين رئيس الجمهورية والمواطنين، التى ينبغى أن تكون قائمة على المواطنة، وليست علاقة أسرية، والأهم هنا أن هذا الخطاب بدا أنه ليس موجهًا لجموع المصريين، بل كان الخطاب موجهاً بالفعل لحشود الإخوان المسلمين.
وأوضح "عبد اللطيف" أن الخطاب يكشف أيضًا عن شكل من أشكال توزيع الأدوار بين الرئيس والجمهور، ويبدو مخصصًا له، ومعداً بشكل مسبق، وأقصد هنا طبيعة الهتافات التى كان يهتف بها جمهور الإخوان أثناء خطاب "مرسى"، فعادة ما يتيح الخطاب السياسى مساحة بين كلماته للجمهور ليهتف، وعادة ما كانت تتم مقاطعة هذه الهتافات بعد وقت محدود لم يزد عن أربعين ثانية، وما شاهدناه أن الرئيس كان يصمت تماماً لإتاحة مساحة واسعة لهتافات حشود الإخوان، ودلالة هذه الهتافات تجعل الرئيس طرفا فى الصراع السياسى الدائر حاليًا، فجاءت الهتافات معبرة عن مطالب الإخوان المسلمين من تطهير الإعلام وتطبيق الشريعة وإعطاء الرئيس مساحة لهذه الهتافات ضمن خطبته يعنى أنه يدمجها ضمن خطابه الخاص، وهو ما يعنى أن الرئيس يتخلى عن وعوده السابقة بأن يكون رئيسًا لكل المصريين، وألا يكون رئيسًا لحزب أو جماعة بعينها كما رأينا.