محمد انيس

الدولة المدنية والدولة المهلبية

الجمعة، 23 نوفمبر 2012 11:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثر الحديث والجدال فى الآونة الأخيرة حول مفهوم الدولة المدنية، فهناك من يحتمى خلف هذا المصطلح ليخفى رغبته فى التحرر من أى قيد أخلاقى على أساس دينى، وهناك من يحتمى خلف نفس المصطلح مخفياً رغبته باستخدام قوة الدولة ومؤسساتها فى تعميم فهمه هو للدين، بين أولئك وهؤلاء يتمزق المواطن المصرى الذى لا يعرف سوى رغبته فى دولة حديثة تصون كرامته ولا تحاربه فى دينه أو تفرضه عليه، فما هى الدولة المدنية الوطنية الحديثة؟

قبل الدخول فى ذلك التعريف نلقى نظرة على الدولة الدينية والدولة العسكرية، الدولة الدينية وهى ما تخلصت منها أوروبا منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان وذلك بسبب رجال السلطة البباوية الكنسية الكاثوليكية الذين جعلوا من الدين وسيلة للتسلط على عموم الناس، وما كان يفعله المتدينون من أفعال مسيئة فى شؤون الحكم والحياة باسم الدين.

أما الدولة العسكرية أو شبه العسكرية فيعرفها المصريون جيداً بمعايشتهم لها على مدار ما يزيد عن ستون عاماً، إذ كان غير مسموح لغير ذو الخلفية العسكرية الوصول إلى مواقع السلطة المؤثرة، بالإضافة إلى سطوة كاملة لكل أذرع الأجهزة الأمنية على الحياة العامة.

لذلك فإن أبسط تعريفات الدولة المدنية هى الدولة اللادينية واللاعسكرية، كذلك فهى الدولة التى ترفع مبدأ المواطنة شعاراً أساسياً لها، مساوية ما بين أفراد مجتمعها من المواطنين فى الحقوق والواجبات، تعلى سيادة القانون على رقاب الجميع، تستند إلى دستورها الذى شارك المجتمع كله فى صياغته، وتحقق الفصل ما بين السلطات وتضمن حرية تداول السلطة بشكل سلمى، مطلقتاً حرية العمل والنشاط فى المجتمع المدنى والنقابى، انتهاء بحرية إبداء الرأى والإعلام.

إن ما وصل إليه العالم من شكل الدولة المدنية الحديثة بالمفاهيم التى ذكرتها مضافاً إليها ما هو عكس العسكرية والدينية، لهو جوهر ما تنادى به مبادئ الشريعة الإسلامية فيما يخص نسق وشكل الدولة، لكن على أى مفهوم تستند دولتنا الأن؟

يحاولون نفى نيتهم فى السير على طريق الدولة الدينية، حيث أنه لا يحتكر الفقهاء الحكم، وهذا صحيح، لكن تستغل المنابر الدينية صباح مساء للترويج للسياسيين وتبرير مواقفهم وكأنها نافذة تنظيماتهم السياسية على المجتمع، فهذا دور الأحزاب وليس رجال الدين، فلا يوجد ما هو أبشع من أن يستغل الدين ورجاله فى الترويج السياسى وتكفير المنافسين أحياناً كثيرة، ولا يمكننى إلا أن أذكر أيضاً توجيه رجال الكنائس لانتخاب أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية والكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية، أليس ذلك كله من تصرفات الإخوان والسلفيين والكنيسة هو جوهر الدولة الدينية حتى لو ابتعدنا عن مظهرها؟

كذلك فقد تخلصنا من مظهر الدولة العسكرية بأن قمنا بانتخاب رئيس مدنى فى انتخابات حرة، لكن بقيت المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية ومؤسسات جمع المعلومات على حالها مسيطرة على الحياة العامة، تحتفظ باقتصادها الخاص بلا رقابة، وصية على كافة أراضى الدولة، أليس ذلك كله هو جوهر الدولة العسكرية حتى لو ابتعادنا عن مظهرها؟

على محور آخر يستمر الانعدام الشبه كامل لصحيح مبدأ المواطنة مع امتهان منتظم لكرامة المواطن المصرى، بدءاً من الحق فى الحياة إلى أقل أمر فى شئون معيشته، فذلك دليل إضافى رئيسى على افتقارنا للدولة المدنية.

لو كنت أستاذاً أكاديمياً للعلوم السياسية لكنت قدمت الحالة المصرية الحالية فى تعريف علمى لشكل الدولة وأسميته "الدولة المهلبية"، فلقد أخذنا أسوء ما فى كل أشكال الدول ووضعناها سوياً ليصبح واقعنا، مع الاستمرار بالمتاجرة باسم الدولة المدنية.

فلنتوقف عن ممارسة جوهر الدولة الدينية والدولة العسكرية أولاً ولنبدأ فى كتابة دستور يشارك المجتمع المصرى حقاً فى صياغته وليس عبر أغلبية برلمانية تفرض رؤيتها للدين على المجتمع، دستوراً يؤسس لدولة مدنية وطنية حديثة، دولة لا تحارب المواطن فى دينه لا تفرضه عليه، تحافظ على قيمة المواطنة وكرامة المواطنين، تعلى مبادئ الشريعة الإسلامية وتنزهها عن المتاجرة السياسية والأهواء، دستوراً لا يضع القوات المسلحة فوق المساءلة ولا يحط من قدر الأزهر فيصبح أداه للفصل فى الأهواء السياسية، غير ذلك فنحن غارقون فى المهلبية.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

rahmy bakr

الى الكاتب المحترم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة