أغلق شنطته وتوجه نحو باب الحافلة الخاصة به.. تودعه نظرات أمه التى وقفت تنظر إليه من النافذة ولوحت بيديها إليه مودعة له ولم تعلم أن هذه هى آخر مرة تراه فيها.
دخل إلى الحافلة وجلس على الكرسى الخاص به بدأ يلهو مع زملائه ويضحك.. يشكو من وزن الشنطة والجدول الدراسى الذى أرهق ظهره ثم فى نفس اللحظة يبتسم ضاحكا حين يبدأ أحدهم فى رواية ما حدث فى حلقة الكارتون الذى يتابعونه جميعا فى اليوم السابق.. يبدأون فى الغناء واللعب بينما الحافلة تسير بهم نحو قدرهم.
يحاول السائق أن يسرع بهم حتى لا يتعرض للعقاب عند تأخيره.. ولهذا لم يتوان أن يخترق مزلقان السكة الحديد غير مبال لصوت الجرس الذى يعلن عن اقتراب وصول القطار.
تعطلت بهم الفرامل بينما هم على شريط القطار.. ينظرون من النافذة... الجميع يصرخ من الهلع.. الكل لا يمر على باله سوى كلمة الموت بينما القطار يتقدم نحوهم..... إلا هو فلم يبك أو يصرخ .. بل ابتسم.. فقد أنزل الله على قلبه السكينة.. فمر أمام عينيه شريط حياته كيف كانت لتصبح لو عاشها.
وجد نفسه تمر به السنين حتى يصل للثانوية العامة.. فيجد مصير حياته كله معلقا باختبارات مدتها لا تتجاوز العشر ساعات.. ثم لتمر به مرحلة الجامعة ويتخرج ليجلس على المقاهى دون أن يجد عملا وينضم للطابور العريض من العاطلين، رأى نظرة أبيه له وقد أصبح شابا ومازال والده هو من يصرف عليه.. ورأى نظرة الحزن التى كانت فى عين من أراد أن يتزوجها ولم يستطع لظروفه المادية، رأى جاره الذى لا يستطيع أن يجد قوت يومه فضلا عن قوت عائلته فانتحر بسبب الفقر.
رأى نفسه يترك خلفه بلده وكل شىء أحبه فيها سعيا وراء لقمة عيشه فى إحدى البلاد التى لم يرحمه فيها أحد، وعرف أنه مهما جلس هناك فلن يستطيع أن يحقق حلمه.. حتى انتهى مشواره بعودته إلى بلده فى إحدى العبارات التى غرقت أيضا بسبب الإهمال الذى لم يتغير فى وطنه رغم قيام ثورة شعبية من 25 سنة ... فابتسم .. ورضى بأن يضحى ليكون هو الوقود الذى ينادى فى الناس لمحاربة الفساد والإهمال.. ابتسم لأنه لم يجد ما يبكى عليه فى حياته القادمة... لم يكن يحزنه فقط سوى الحزن الذى سيستقر فى قلب أبويه طوال حياتهما... فكانت آخر كلماته ... يا رب صبرهم.
أطفال
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ASEEF
كفايه حرام عليكم
هو احنا حنكي حواديت ولا ايه
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الصبر يارب
يارب صبر امهاتهم جميعا