هل نحن بالفعل شعب مدمن؟! هل اعتدنا الاعتماد على المسكنات والمهدئات والمخدرات فى الهروب من كوارثنا؟!
أخشى أن يكون النظام السابق قد تركنا بعد أن تفشى فى دمائنا آثار ما كانوا يحقنوننا به من مخدرات تلهينا عن كوارثهم ومصائبهم، فأصبحنا نلهى أنفسنا بأنفسنا، أصبحنا نشترى المخدر بأموالنا بعد أن كانوا يتكفلون بإحضاره لنا حتى أبواب منازلنا.
استيقظنا صباح يوم الأحد على فاجعة كفيلة بأن تجعلنا نعلن الحداد عمرا كاملا، استيقظنا على خبر كفيل بأن يجعل السماء ترتدى السواد حزنا وقهرا وغما على أرواح بريئة راحت ضحية الإهمال والاستهانة، استيقظنا على دماء أطفال تروى الأرض التى كادت تنطق من هول ما رأت، بكينا وانهلنا بالسباب على كل مصادر وأسباب الإهمال، وجلسنا نتابع تصريحات المسئولين وردود أفعالهم، وتوقعنا أن تقوم الدنيا ولا تقعد، ففوجئنا بردود أفعال واهية لا تعكس إلا استهانة بأرواح هؤلاء الأبرياء، ووقفنا نتعجب من موقف حكومة قررت أن تنفق الملايين على حجب المواقع الإباحية، فجعلت سعر فيلم البورنو أرخص من سعر الطفل، فقررت مشكورة صرف تعويض أربعة آلاف جنيه لكل طفل ذبحته بإهمالها وغفلتها وتراخيها، يحضرنى الآن تعليقا قرأته على الفيس بوك يقول أن " ثمن الطفل المصرى أصبح أرخص من ثمن الآيفون".
إن من أمر بهذا التعويض الواهى لا شك أنه جاهل بطبيعة بشر ينظرون إلى "للعوض" على أنه "عيبة" وغالبا ما يقولون " إحنا مش بنقبل العوض" إذا أتلفت لأحدهم شيئا وطلبت تعويضه، فما بالك بمن يحاول تعويضهم بأربعة آلاف جنيه عن دهس طفل من أطفالهم ؟؟!!
وتمر الساعات القليلة الباقية من اليوم المنكوب ونفاجأ بما لم يخطر لنا على بال، الناس مجتمعة فى الشوارع وأمام المقاهى لتتابع مباراة الأهلى ويصرخون ويهللون ويصفقون ويحتفلون بالفوز فى الشوارع والميادين، ولن أستبعد أن يكون الكثير منهم قبل ساعات كانوا يبكون ألما وحسرة. ترى ماذا نقول لأنفسنا عندما نشاهد هذا التناقض الصارخ؟ هل جن الشعب المصرى فأصبح يبكى ويضحك فى نفس الوقت ؟ هل أصبح غير قادر على التمييز لهذه الدرجة؟!!
وقفت كثيرا أتأمل هذه الظاهرة وأنا أتساءل كيف يسلك شعب عاطفى وشديد الحساسية مثل الشعب المصرى هذا السلوك؟ هل وصل بنا التبلد إلى هذه الدرجة المفزعة؟ هل نحن شعب أنانى فاقد الإحساس؟ فوجدت الإجابة فى صورة احتمالية لها طابع نفسى، لقد اعتدنا طوال سنوات طويلة مضت على استراتيجية الإلهاء التى كان يستخدمها معنا النظام السابق كى يصرف أنظارنا عن كوارثه، فيختلق فضائح للفنانين، ويلمع نجوم الكرة ويشغلنا بأخبارهم وأخبار مبارياتهم، ويخلق لنا الشائعات، ونحن نستجيب لهذا المخدر وننساق وراءهم غافلين تماما عن أنهم يحقنونا بمخدر يتسرب يوما بعد يوم إلى دمائنا ويختلط بها حتى ندمنه ونصبح غير قادرين على الاستغناء عنه.
ألهذا الحد كان هذا النظام مؤثرا على نفسيتنا وشخصيتنا وطريقة معالجتنا للأمور؟!! ألهذا الحد أصبحنا نلجأ لحشيش الحكومة وندفع بدمائنا ثمنه وننساق وراءه مغيبين ؟ هل نحن ضعفاء لهذه الدرجة وغير قادرين على مواجهة مصائبنا وكوارثنا فنلجأ للهروب؟
أرفض فكرة أننا أصبحنا لا نبالى مصائب بعضنا ولا نحزن على بعضنا البعض، ليست تلك هى شخصية المواطن المصرى، لم تكن هكذا فى يوم من الأيام ولن تكون، نحن للأسف ما زلنا مرضى وأسرى لنظام سابق لم يعلمنا سوى الهروب، نظام تفنن فى تغييب وعينا وعقولنا، نظام تفنن فى ذبح قدرتنا على التمييز والإدراك، ولست أدرى متى سوف نتعافى ونواجه كل من تسول له نفسه اللعب بأرواحنا والتفريط فى دمائنا، لست أدرى متى سنشفى من هذا الإدمان.
عزة هاشم أحمد تكتب: متى نشفى من هذا الإدمان؟
الأربعاء، 21 نوفمبر 2012 05:09 م
حادث القطار
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام عبد الله
مقال واعد
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام عبد الله
مقال واعد
عدد الردود 0
بواسطة:
هبه الماجد
مصريين ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
الصحفية سماح شحاتة
شعب مغيب