محمد إبراهيم الدسوقى

مفيش فايدة

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012 10:58 م


نهار وليل المصريين يتقلب هذه الأيام على جمر كلمتين قاسيتن، هما "مفيش فايدة"، اللتين تعودت ألسنتنا على ترديدهما كثيرًا، خلال العهد السابق، تعبيرًا عن شعورنا باليأس من تغيير أحوالنا وحل مشكلاتنا الحياتية المتكاثرة. تعبير "مفيش فايدة" أصبح المرادف العملى لظاهرة النحر فى حياتنا، لأنه يلتهم رويدا رويدا شواطئ بوابة التفاؤل والأمل التى فتحتها ثورة الخامس والعشرين من يناير بوتيرة سريعة، وما يزيدها خطرًا أننا لا نحاول وضع مصدات تقينا من استفحاله وغرقنا فى جُب الإحباط الأسود.

فإن تأملت تفاصيل واقعنا ستصعق من كم الإخفاقات المتوالية، وارتدادنا للخلف وليس للأمام، والاضطراب والتشويش الطاغى على المشهد العام، وطغيان الحسابات الفردية وتقديمها على ما يفيد ويحقق صالح الوطن والمواطن. فالمصريون لم يتمكنوا بعد من توحيد صفوفهم والاتفاق على كلمة سواء تأخذ بيد البلاد لبر السلامة والأمان، فالكل يتعارك على كعكة السلطة وتقاسم المنافع، وهو ما انعكس بالسلب على العامة الذين فضلوا البحث عما يخصهم دون التفكير فى أن تصرفاتهم تضر بالبلد. أما الدستور فقد سقط صريعا فى مستنقع الاختلاف ورغبة الفصيل الغالب ـ التيار الدينى ـ فى صياغته بصورة تتوافق مع رؤيتهم، بينما تعترض القوى المدنية الأخرى على هذا التوجه، وترغب فى خروجه بشكل يتلاءم مع تصوراتها وتوجهاتها، وغابت منطقة الوسط، فلا أحد مستعد للتراجع أو التحاور، والنتيجة أن الجمعية التأسيسية للدستور ماتت إكلينيكليا، بعد انسحاب ممثلى التيار المدنى والكنائس الثلاث.

القاعدة تسرى أيضا على استيقاظنا صباحا على أخبار حوادث السيارات والقطارات المفجعة، وكان أحدثها فى أسيوط، حيث قتل عشرات الأطفال، وصب الجميع جم غضبه وثورته على الدولة والحكومة والرئيس محمد مرسى، والمرور يزداد سوءا وعشوائية، حتى أن بعضنا يترحم على عصر مبارك، الذى كان المرور فى أيامه مختنقًا، لكنه لم يكن بالسوء الراهن. وفى المعية فإن قطاع الخدمات بكامله يسير فى الاتجاه المعاكس، فالخدمة الصحية الجيدة أضحت نادرة وعزيزة، وكذلك المواصلات العامة الموظفة لتعذيب مَنْ يستخدمها، والطرق سيئة بالمدن والقرى، والمياه غير نظيفة، والكهرباء مقطوعة، والنيل يتعذب من كثرة ما يلقى فى جوفه من ملوثات.

ولبيان القصد والنية، فإن المقصود ليس دفعك للاكتئاب، والسعى للفوز بفرصة هجرة للخارج، بل ترشيد الغضب، وتحكيم العقل والمنطق، ففى فاجعة أسيوط التى أوجعت قلوبنا جميعا ركز أهالى الضحايا ومعهم وسائل الإعلام على مسئولية السكك الحديدية فى وقوع الحادث ـ لا أختلف حول ذلك ـ، غير أنهم لم يتذكروا مسئوليتهم، فالأوتوبيس كان يحمل 67 شخصًا، مع أن حمولته 29 شخصًا فقط، لماذا أغفل الأهالى هذا العنصر الذى يستحق المساءلة؟

وغاب عنا أن الإهمال صفة متأصلة فينا وتحتاج لعلاجها، فكم واحد منا يؤدى عمله بإتقان وحرفية ولا أقول بضمير؟ فالإهمال لن يختفى إلا إذا بدأنا بأنفسنا وبمحيطنا.
من جهة ثانية يسود بين المصريين الخطأ الشائع بأن حالنا المائل سينصلح بين عشية وضحاها، وأن مياهنا على سبيل المثال ستصبح أنقى من العسل، كيف يتسنى هذا ونحن نلقى مخلفاتنا وقاذوراتنا فى النهر الخالد مصدر كوب مائنا الرئيسى؟

من حقك وواجبك انتقاد الحكومة وتقاعسها عن أداء مهامها، لكن قبلها وقبل أن تقول "مفيش فايدة" لتنظر لنفسك ولأفعالك، فالمسئولية لها طرفان الدولة والمواطن، وحينما يلتزم كل طرف بنصيبه فيها فثق أن مصر ستكون فى القمة.


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة