د. حمدى الحناوى يكتب: خلف متاريس من ورق

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012 02:52 م
د. حمدى الحناوى يكتب: خلف متاريس من ورق الجمعية التأسيسية للدستور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نجحت ثورة يناير فى إسقاط الدكتاتورية العسكرية، ثم وقفت عند مفترق طرق ليس فيه إشارة إلى الطريق الصحيح، وتركز كل من السلطة والمعارضة على صياغة مبادئ الدستور، وبينما يحتدم الجدل ويشتد الخلاف، لا توجد رؤية واضحة سوى رؤية التيارات الإسلامية، لدولة تطبق الشريعة، وفى مقابل تلك الرؤية يوجد رد فعل يرفض إقامة دولة دينية، وهذا يصنع استقطابا يوحى بأن هناك معركة بين الإسلام وبين خصومه، وفى معركة كهذه، لا نلوم الناس إن انحازوا إلى الإسلام وأعطوا للتيارات الإسلامية أغلبية انتخابية ساحقة.

يحدث هذا فى سياق التخلف، حيث تستطيع التيارات الدينية أن توهم ملايين الأميين، وأنصاف الأميين، بأن الدين يكفى لحل مشكلاتهم، أو أنه شرط ضرورى لحلها، ووقوف المعارضة عند حدود رد الفعل، يسمح بانتشار ذلك الوهم، ولن تتغير تلك الصورة إلا بأن تخرج المعارضة من القوالب القديمة، وتعد مشروعا وطنيا أوسع وأعمق، تكون غايته القضاء على التخلف، وبهذا تجبر التيارات الدينية على التنافس فوق أرض غير أرضها، من أجل حلول حقيقية للمشكلات، يقررها العلم، وينتجها التقدم الاقتصادى والاجتماعى.

هنا نلاحظ العكس، فلدى الإخوان ما يسمونه مشروع النهضة، مع أنه لا يوجد بهذا الاسم سوى برنامج انتخابى لا يخطط لأى نهضة حقيقية، وبدلا من أن تتصدى المعارضة لذلك، تقدم ردا شكليا لا يتعدى الشعارات، ولا تضيف إلى هذا سوى المطالبة بالتوافق على مبادئ الدستور، فى حدود هذا الرد تضع المعارضة الورقة الرابحة فى يد خصومها، وتضع هى القيود فى أيديها، فالتوافق لا تقرره قوة الحجة أو المنطق، والمبادئ الدستورية موضع الخلاف، ليست مبادئ محايدة يمكن أن يلتقى حولها الجميع، والحديث عن مصالح الوطن فى هذه الحالة، ليس إلا كلمات حمالة أوجه، فما يراه البعض مصلحة الوطن يراه آخرون غير ذلك.

يحسم الموقف فى هذه الحالة بتصويت الأغلبية، وحين توضع النقاط فوق الحروف، سوف يتبين أن المعارضة لا تخسر معركتها الدستورية اليوم، وإنما خسرتها قبل أن تبدأ، حين أفلتت من يدها قيادة الثورة، وقد تأكدت الخسارة بعد ذلك ثلاث مرات فى منافسات التصويت العام، فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وفى الانتخابات البرلمانية، ثم فى الانتخابات الرئاسية، ومن يكسب المنافسة داخل اللجان، هو من يكسب التصويت العام أولا، قبل تشكيل أى لجان، وقد حدث هذا لأن المعارك كلها دارت فى ملعب التيارات الدينية، وقد آن أوان الانتقال إلى ملعب آخر.

يجب أن ترى المعارضة أن صياغة الدستور ليس فرصتها الأخيرة، لأنه لا توجد فى التاريخ فرصة أخيرة، بل حركة مستمرة وتغير دائم، وإذا كان قد جرى تزييفا لإرادة الشعب، بإيهامه بأنه فى معركة للدفاع عن الإسلام، فقد كان ذلك التزييف ممكنا فى ظل التخلف، منبع الجهل والفقر والبؤس الاجتماعى، وفى ميدان الدين يمكن بيع الوهم بقليل من الاجتهاد وإعادة التفسير وإطالة الجدل حول شعارات جوفاء وكلمات مطاطة، أما فى ميدان التقدم الاقتصادى والاجتماعى، فالقضايا محددة، والبناء على الأرض ينشئ حقائق صلبة لا تحتمل الجدل.

هنا فى ذلك الميدان يعاد تنظيم الصفوف، وتدور المعركة الفاصلة، ولا تتبدد القوى خلف متاريس من ورق، وهنا ينزع سلاح القوى التى تسعى للعودة إلى الوراء، لأن المجتمع يحتاج لأن يتقدم إلى الأمام، ومن هنا يكفى ما دار من جدل حول الدستور، وجدير بنا أن نعرف حدود ذلك الجدل، وقد تغير الدستور المصرى مرات عديدة فى أقل من نصف قرن، فماذا لو احتجنا إلى تغييره مرة آخرى فيما بعد؟






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة