سحر الصيدلى تكتب: لو كان الفقر رجلاً لقتلته

الجمعة، 02 نوفمبر 2012 06:25 م
سحر الصيدلى تكتب: لو كان الفقر رجلاً لقتلته صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طلب منى أحد الإخوة القراء بـ"اليوم السابع" أن أقوم بزيارة ميدانية لبعض الأحياء الفقيرة، وأن أكتب عنها.. وقد قمت بالفعل بالاستجابة لطلب هذا القارئ الكريم رغبةً منى فى أن أكتب عن هذه الأحياء من خلال ما أراه على أرض الواقع.. ولدى زيارتى لتلك الأحياء أصابنى الهلع والخوف والحزن مما رأيت.. فأمامى أشباه بشر يعيشون فقط بروح وبقايا أجساد يتنفسون من خلالها ليثبتوا لنا أنهم ما زالوا على قيد الحياة.. رأيت أطفالاً عراة يلبسون ملابسهم على عظام تلتف حولها كمية ضئيلة من اللحم.. ورجلا مهلهلا رث الثياب يجمع بقايا الطعام فيأكل منها القليل ليترك الباقى لأولاده.. وزوجة ممددة على أرض باردة ليس لديها غطاء يستر جسمها.. رأيت أكواماً من البشر يعيشون حياةً ترفض الحيوانات أن تعيشها.. وفى تلك اللحظة صرخت بوجه الفقر: والله لو كنت رجلا لقتلتك.. وإذا بقلبى يدمع وعيونى تشاركه البكاء من هول ما رأيت.. وانتابتنى حالة من الصمت الحزين..

سألنى أحد سكان هذا الحى البائسين.. كيف لتلك البيئة أن تصنع إنسانا كاملاً معطاءً فى هذه الحياة؟؟ الناس هنا يكتوون بنار الألم ليحصلوا على لقمة عيش تسد رمقهم وكأنهم يتسولونها لتشعرهم بأنهم ما زالوا أحياء.. يصبرون على جوع فيه ذلٌ ومهانةٌ لكرامتهم، التى من حقهم أن يحافظ لهم عليها المجتمع، الذى يعيشون فيه لئلا يفقدوا هويتهم التى تثبت أنهم بشر.. ولكن وللأسف الشديد فإن الصحف تحدثنا كل يوم عن الانتخابات وعن أخبار الأثرياء والمشاهير وعن أدق تفاصيل حياتهم!! هل فكر أحدهم أن يكتب عنا؟؟ هل فكر أحدهم أن يوصل صوتنا للمسئولين، الذين أصابتهم التخمة من كثرة ما أكلوا وامتدت جذورهم إلى أعماق الأرض ولم يشبعوا بعدُ ولم يتركوا لنا لقمة عيش تسكت معدتنا أو غطاءً يقى أجسامنا ويعيد لنا دفء الحياة.

إن زوبعة الفقر المحتم قادمة لتمحو نفوساً كان أملها بالحياة كبيرًا ولكنها باتت عاجزة عن التفاؤل وعن النظر إلى الحياة ولو ببصيص أمل ينير دربها ويقدمها خطوةً واحدةً نحو قبس من نور أو ضياء يكمل لها مسيرتها ويبعدها عن دروب الخطأ والزلل ويجعلها تدرك أنها إنسانة لها حقوق وعليها واجبات.. تجربة الفقر معلم قاسٍ للمرء تجعله أمام امتحان صعب يختار فيه بين الشرف والنزاهة وبين الاتجاه للسير بطرق ملتوية ليطعم أفواهاً جائعةً تنادى وتصرخ نحن بشر لنا حقوق مثل سائر البشر، الذين يعيشون بترف ويلقون إلينا بفضلاتهم فنلملمها من ورائهم لكى نعيش..

هل هذا هو ميزان العدل وبيتى يطوف الجوع به ويكاد أن يقضى على أسرتى ويقتل أبنائى؟؟ هل على أن أحمل على كاهلى كل الهموم وأرهق حياتى ونفسى لكى أعيش عيشة تأنف الحيوانات أن تعيش مثلها.. وأنسى نفسى فى زحمة العمل طوال النهار لأوفر أدنى قدر مما يحلم به أبنائى ولا أحقق لهم القليل من أحلامهم، التى واجبها يقع على عاتقى.. غيرى يحلم بالمناصب وأنا أستيقظ فى عتمة الليل أصارع الجوع وأشاطر النهار يومه لأعود محملاً بخيبة أمل تحفر بقلبى وجسدى أخاديد الزمن المتعب، وتقتل ما تبقى لى من أحلام وأمنيات وأنا أتجول بين الأزقة والحارات طلباً للرزق لأحصل بعد كل هذا العناء على أجر لا يكفى خبزًا لأولادى.. فهل رضعت الفقر من ثدى أمى وورثت العيش البدائى من والدى وجفاف اليد من حكومتى.. أليس هناك منصف لحالى يخرجنى من باطن الأرض الذى أعيش فيه إلى غرفة أمد بها ساقى وأدخل حمامى بعيدا عن أعين عشرات الناس.. ألم يعد الأمل حقاً من حقوق الفقراء والمعدمين؟؟ هل بات مكتوباً علينا ألا نراه إلا فى عيون الأغنياء بعد أن نضعه لهم فى براويز من عرقنا مقابل بعض دريهمات يلقون بها إلينا.

أين أنت يا أمير الركب لترى بنفسك حالنا وتنصفنا مما آل إليه مآلنا وتحمينا من الشمس، التى تحرق أجسادنا المنهكة ومن برد الشتاء، الذى ينخر عظامنا الواهنة؟؟ نحن فى انتظارك لكى تغسل نفوسنا بعطاياك بمثل القدر من البذخ الذى أنفقته على انتخاباتك.. نحن فى انتظار أن تنظر إلينا على أننا بشر لهم حقوق عليك.. وأنتم أيها الأثرياء والأغنياء ويا أهل المقامات العالية والرفيعة هل صوتنا وحروفنا تصل إليكم؟؟ هل ترون بأعينكم مأساتنا وكيف نعيش كالأموات؟؟ هل تعلمون أصلاً بوجودنا؟؟ بالله عليكم ارحموا أناساً خلقهم رب العباد ليكونواً إخوةً لكم فى الإنسانية فكونوا عونا لهم ولا تنسوهم.. أناس ليس لهم ذنب سوى أنهم فقراء.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة