د. رضا عبد السلام

النظام الاقتصادى لمصر فى الدستور الجديد!

الجمعة، 02 نوفمبر 2012 02:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يطالب البعض بأن يتضمن الدستور المصرى الجديد نصوصاً واضحة وقاطعة، تحدد هوية النظام الاقتصادى لمصر، بمعنى أن يتم النص على أن النظام الاقتصادى فى مصر هو نظام رأسمالى أو اشتراكى أو إسلامى...إلخ، تماماً مثلما كان الوضع فى دستور 1971م الذى نص صراحة على أن النظام الاقتصادى لمصر هو نظام اشتراكى...إلخ.

والحقيقة، إذا كان لى من رأى كباحث اقتصادى فى الاقتصاد السياسى ومحلل للأنظمة الاقتصادية، أرى عدم الحاجة للنص فى الدستور صراحة على نظام اقتصادى بعينه. وقد عرضت رأيى هذا من قبل أمام لجنة الجمعية التأسيسية التى زارت جامعة المنصورة خلال الصيف.

فقد ولى العالم وجهه شطر الاشتراكية فلم يجنى سوى الخراب والانهيار، وقد زالت الاشتراكية وماتت وهى فى عمر 72 عاماً (من 1917 – 1989م)، وبعد انهيار الاشتراكية فُتِحَ الباب على مصراعيه للمد الرأسمالى، فباتت أغلب دول العالم تحت مظلة الرأسمالية، ولكنها لم تلبث أن وقعت فى براثن الأزمات، خاصة أن الاقتصاد الرأسمالى بطبيعته هو اقتصاد الأزمة، أى أنه يمر بدورات ومن ثم أزمات من حين لآخر، وليس أدل على ذلك من أزمة دول شرق آسيا 1997 وأزمة شركات الاتصالات مطلع الألفية وأزمة دول أوروبا مطلع الألفية أيضاً وأزمة الغذاء العالمى 2007م وأخيراً الأزمة العالمية الطاحنة 2008م والتى لا نزال نعيش توابعها إلى الآن، وخير مثال أزمة منطقة اليورو ...إلخ.

ربما يبادر البعض بالقول لما لا يُنص فى الدستور على أن النظام الاقتصادى لمصر هو النظام الاقتصادى الإسلامى، وهذه فى رأى ليست أكثر من كلمات حق يراد بها باطل. فهل لدينا نظام علمى متكامل يسمى النظام الاقتصادى الإسلامى؟ هل هناك نظام اقتصادى إسلامى ونظام اقتصادى مسيحى ونظام اقتصادى يهودى؟! هل اتفقت الأمة الإسلامية على كافة القضايا الخلافية، وخلصت إلى رؤية موحدة بشأن كل تلك القضايا ومن أبرزها قضية الربا. فما يعد ربا فى السعودية لا يعتبره مجمع البحوث الإسلامية ربا...وهكذا. الحقيقة أن ما لدينا الآن لا يعدو أن يكون مجرد اجتهادات فقهية متناثرة لا ترقى إلى مستوى النظام الاقتصادى المتكامل الأركان الذى نتمناه.

مؤكد أننى فى مقدمة من يأملون فى أن تقدم الأمة الإسلامية نفسها للعالم برؤية موحدة وواضحة المعالم، تنقذ البشرية مما هى فيه من ضياع ودمار تحت راية الاشتراكية تارة وتحت راية الرأسمالية تارة أخرى. ورغم نقدنا اللاذع للرأسمالية إلا أنها تبقى أقرب الأنظمة أو الرؤى إلى الواقع والفطرة الإنسانية. فالرأسمالية ليست نظاماً مسيحياً أو يهودياً ولكنه نظام صاغه علماء الاقتصاد من الواقع، فهو ليس اختراع أو ابتكار ولكنه تنظيم وتجسيد علمى لواقع حقيقى.

يبقى السؤال: هل من الضرورى النص على نظام اقتصادى بعينه فى الدستور؟! وهنا أقول لسنا بحاجة للنص على نظام معين لاقتصاد مصر، ولكن يمكن أن يتضمن الدستور باباً عنوانه "المسار الاقتصادى لمصر"، حيث يتم النص فيه على أهمية دور القطاع الخاص فى عملية التنمية، وأهمية حفز هذا القطاع بكافة سبل الحفز. يلزم النص أيضاً على أهمية وضع ضوابط تضمن الدور الاجتماعى لمؤسسات القطاع الخاص، بحيث لا يكون هدفه الأوحد تعظيم الأرباح ولكن أداء دور اجتماعى.

ينبغى أن يتضمن هذا الباب نصاً واضحاً يؤكد أهمية دور الدولة فى الحياة الاقتصادية، لكى تعمل جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص على ألا تزاحمه. فلا مكان للدولة الحارسة، فالدولة تتدخل فى الحياة الاقتصادية كلما اقتضت ضرورات الاقتصاد ذلك التدخل، بحيث لا يترك العنان للقطاع الخاص مثلما هو الوضع فى الرأسمالية الجامحة.

فأكرر دائماً "أنه مهما كانت تكلفة تدخل الدولة فى الحياة الاقتصادية فإن هذه التكلفة لا يمكن أن تقارن بتكلفة ترك العنان للقطاع الخاص، وأعتقد أن التاريخ الاقتصادى خير معلم فى هذا الخصوص. لابد وأن يتضمن هذا الباب نصوصاً تتعلق بدعم الطبقات الفقيرة والمحتاجة، وإعطاء أولوية فى خطط التنمية للصناعات الأساسية والاستراتيجية، وحماية الصناعات الصغيرة والمتوسطة بما لا يتعارض مع تعهداتنا الدولية التى تتطلب هى الأخرى مراجعة شاملة.

إذاً وجود نص قاطع بشأن نظام اقتصادى بعينه فى الدستور ليس قدراً محتوماً! فهذا ليس قرآن، خاصة أن العالم جرب النظامين ولم يجنى سوى الفشل الذريع تحت لوائهما. لذا الأفضل عدم النص صراحة على نظام بعينه بحيث يضمن باب المسار الاقتصادى لمصر نصوصاً واضحة، توازن بين دور الدولة فى الحياة الاقتصادية ودور القطاع الخاص باعتباره قائد لقاطرة التنمية.. والله الموفق.

• استاذ بحقوق المنصورة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة