محمد الذى لم يبلغ من العمر الثالثة عشرة من عمره كان يحفظها تمهيدا لإلقائها بالمعهد الأزهرى، وكان يساعده فى حفظها والده أشرف هاشم الذى يعمل أمين شرطة بمديرية أمن أسيوط، الأب يصف محمد وهو يحفظ ويرتل الأبيات قائلا: "محمد كان يقرأ الأبيات بصوت بديع قبل أيام من الحادث وكنت وقتها لم أفهم المعنى الحقيقى للأبيات، ولكن بعد حادث القطار تيقنت من الحقيقة المباشرة وكأن الله عز وجل كان يوصل لى رسالة ربانية بالصبر والثبات فى مصائب الدنيا، والعجيب أن تكون تلك الرسالة عن طريق ابنى الأكبر وفرحة حياتى الأولى".
يضيف أشرف هاشم أن ابنه محمد كان من حفظة القرآن الكريم، وكان الرابع على معهد بن على النموذجى للتعليم الأزهرى ومشارك أساسى فى كل الحفلات التى تنظم بالمعهد، وسبق أن حصل على جوائز فضلا عن أنه كان بيعشق القرآن الكريم خاصة أن صوته بديع وكان كل من يسمع يصوت يسبح بالله.
محمد بحسب ما يذكر والده كان مواظبا على المسجد ومتعلقا بالشيوخ الذين يحفظونه القرآن حتى أنه كان يقلدهم فى طريقة إلقائهم للخطب الدينية، وكان يسابق المعهد فى القرآن الكريم، فكان المعهد الأزهرى يحفظ سورة يوسف وهو فى النساء.
يضيف الأب أن ابنه كان يعشق الأذان فى المسجد فى الصلوات المختلفة لما يتميز به من صوت جميل، وكان دائما ما بيقول لى "أنا هأذن يا أبى بصوت أذان المسجد النبوى علشان ربنا يرزقنا فى الآخرة ونكون من أطولهم أعناقا".
يضيف الأب أن نفسه راودته قبل ساعات من الحادث بأن ابنه محمد "ابن موت"، ولن يعيش فى الحياة، غير أنه استغفر الله وقتها، ويحكى الأب عن هذا المشهد تفصيليا يقول: "وجدت محمد يأتى إلى بسرعة ويقول لى يا والدى لقد صنعت كوكتيلا من خطب شيوخى فى المعهد التعليمى والمسجد وتحديدا من الشيخ حازم بن على والدكتور محمد والشيخ توفيق".
ويضيف الأب أن محمد بدأ إلقاء الخطبة الدينية بمقدمة بارعة جعلتنى فى حالة ذهول من الحضور والذهن الصافى ومخارج الحروف وطريقة الإلقاء والشجن والحزن بالآيات التى يرتلها".
المصيبة عند أشرف هاشم لم تكن فى محمد فقط بل كانت أيضا فى اثنين من أولاده وهما أحمد 9 سنوات وهاشم 12 سنة، وكلاهما مقربان إلى قلبه بمعزة محمد تماما، ويقول عنهما الأب: "طلب منى هشام وأحمد جهاز كمبيوتر، فقلت لهم القرآن الأول ثم الكمبيوتر، وبالفعل التزما بالعهد وحفظا القرآن وواظبا على الدروس بصفة مستمرة حتى جاءت اللحظة الحاسمة التى فقدتهم فيها جميعا، وهى أكثر اللحظات مأساوية فى حياته.
يقول الأب أشرف هاشم: "كنت فى مديرية الأمن أباشر عملى وورد لى اتصال بأن فى حادث فى أتوبيس المعهد الأزهرى، ووقتها لم أقلق ولم أتوقع أن يكون اصطدم بقطار، حتى اتصلت بالنجدة للاستفسار فأبلغنى أحد أصدقائى فى النجدة أن الحادث كبير والقطر دهس الأتوبيس، فسألته عن التلاميذ، فأجاب بأن الأطفال أشلاء، ووقتها لم أستطع أن أتماسك وتركت عملى وتوجهت على الفور إلى مكان الحادث فصدمت بالمشهد، وبدأت أبحث عن أبنائى وعينى تزرف بالدمع ولا أجدهم فقط أشاهد جثث على اليمين وعلى الشمال وأطفال غير واضحة المعالم".
يضيف الأب: "البحث استغرق منى وقتا طويلا دون أى فائدة حتى دلنى أهل الخير إلى أن هناك بعض الأطفال لم يموتوا ونقلوا مصابين إلى المستشفى فتعلق قلبى بالكلمة ودعوت الله أن يكون أبنائى الثلاثة منهم فتوجهت إلى مستشفى منفلوط فاكتشفت أن المستشفى مليئة بالجثث أيضا، فسألت عن أبنائى فلم يجبنى أى شخص حتى وجههنى أحد العاملين إلى المشرحة والكشف عن الأطفال الموجودين والتحقق من ما إذا كان أولادى بها أم لا.
يقول الأب باكيا: "دخلت المشرحة وأول طفل شاهدته من عظمة ربنا كان هو ابنى أحمد وكان متبهدل شوية وبعد كده شوفت ابنى الأكبر وقرة عينى محمد وكان يا حول الله نائما على الأرض كأنه ساجد والدم ينزف منه ولم أغير من طريقة نومه فتركته كما هو ساجد".
يضيف الأب "حزنى وهمى كان ثقيلا ولا يزال ولكنى وأنا فى المشرحة لم أجد ابنى الثالث هاشم حتى الآن وبقدر إيمانى بقدر الله عز وجل فى مصيبتى بمحمد وأحمد إلا أننى تعلقت بأن يكون الابن الثالث حى ولكن وجدته فى الثلاجة فنظرت إليه وتخيلت أنه يبتسم لى.
ويضيف الأب: "سبحان الله بقدر ما أصابنى من هم وحزن لفراق أبنائى الثلاثة، بقدر ما ملأ قلبى من طمأنينة وراحة وبدأت بالتعاون مع أقاربى فى حمل أبنائى الثلاثة تمهيدا للانتهاء من مراسم دفنهم، وقام الشيوخ الذين كانوا يحفظون أطفالى القرآن بشراء الكفن وتغسيل أبنائى وقالولى اقعد أنت وارتاح.
ينهى الأب حديثه باكيا: بقدر ما بداخلى من هم غير أنى أتذكر حديث رسول الله إنما الصبر عند الصدمة الأولى وأنا مؤمن وموحد بالله، وأنا كنت مواظبا على صلاة القيام فى الأسابيع الماضية، وكنت أقرأ سورة محمد من حبى فيها وحبى لمحمد ابنى وأدعو "اللهم أجرنى فى مصيبتى".
على الهامش:
بعد الانتهاء من مواساة أشرف هاشم على أبنائه الثلاثة اصطحبنا إلى غرفة أبنائه وبها جهاز الكمبيوتر الخاص بهم، فتحه لنا وكانت المرة الأولى بعد الحادث، فوجدنا 3 ملفات مكتوبين باسم أبنائه الثلاثة محمد وأحمد وهاشم، وهنا انهار الأب فى البكاء، وباستكشاف الجهاز تبين احتواءه على القرآن الكريم لأصوات شيوخ مختلفين ومقاطع فيديو لأطفال مكتوب عليها "معجزة القرآن الكريم".








