من يطل على المشهد السياسى الحالى يجده مرتبكًا متسارعًا، أضعف الأسباب تجعله يتفاعل بعنف، بينما أقوى الأسباب وأكثرها منطقية لا تكبح جموحه أو ترتب من أوضاعه، فما بين مسودة دستور لقيط يتبرأ الجميع منها وأولهم من فعلها، وبين أعضاء لجنة تأسيسية يسابق أغلبهم الزمن لإخراجه إلى النور بغض النظر عن شرعيتهم، واضعين معيار الوقت أهم من معيار الجودة لإخراجه قبل الإطاحة بهم بحكم القانون، وبين هذا وذاك مؤسسة رئاسة مرتبكة جدا لافتقادها رجال الدولة من ناحية، ولأن أغلب مشاكلها من داخلها من ناحية أخرى، أما الحكومة فحدث ولا حرج عن محاولات غير واضحة المعالم لخطط على المدى القريب وقرارات عفوية أغلبها لا ينفذ إما لصعوبة ذلك، وإما لعدم قدرة الحكومة على التأثير بسبب عدم وضوح التوجه السياسى حينا، أو بسبب ثقل التركة الموروثة أحيانا أخرى.
وحتى يزداد الموقف ارتباكا وحيرة جاءت الاشتباكات بين حماس وإسرائيل لتربك المشهد الداخلى أكثر، فهناك من يذكر الإخوان بوعدهم بدولة الخلافة وعاصمتها القدس، وبعض ينادى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وآخرون ينددون بالعدوان وكفى! بينما لم نسمع من أى من أنصار الإخوان التطوع للقتال ضد إسرائيل ولم نجد من مؤسسة الرئاسة الإخوانية إلا سحب السفير المصرى، ومن اللافت والمربك أيضا أن نشاهد حرم الرئيس فى الشرقية، وهى تولج نفسها فى الحالة السياسية بتصريحات هادئة عن علاج الشارع المحتقن مع تصريحات موازية أنها لا تتدخل فى السياسة «تذكر جيهان وسوزان»، بينما فى المحافظة المجاورة خرجت زوجة الرنتيسى تقود المظاهرات ضد إسرائيل!
وبين أغلب التحولات وتغير اتجاهات السير نجد ثوابت سياسية بعينها، مثل عمل التيار الوطنى المدنى المصرى بطريقة رد الفعل دائما، ولذا صدحت النداءات المتعددة للتوحد فى أكثر من كيان جامع كالدعوة للتيار الثالث ثم التيار الشعبى، وحزبى الدستور والمؤتمر، وترديد الدعوة للكتلة المصرية، وذلك لمواجهة تيار الإسلام السياسى، وهذه الدعوات على اختلافها تحمل فى صلبها كل الحق، أما الخطأ الثابت فيها فهو الهدف، لأن التجمع يجب أن تكون له أهداف أوضح من مواجهة تيار الإسلام السياسى، ولأن تقدم الدولة الوطنية المصرية له معايير أهم وأعم من مواجهة تيار بعينه، لأن تيار الإسلام السياسى أعلن عن إمكاناته بوضوح خلال العام المنقضى حيث أظهروا مهارة لا تبارى فى التخطيط والترتيب لجميع أنواع الانتخابات، أما الحكم وآلياته ونظمه فأبعد ما يكونون عنه، وكان من الأفضل لهم أن يكونوا جزءا من نظام ممثلين لكتلتهم، بدلا من أن يكونوا هم النظام ليوقعونا فيما نحن فيه بعدم الخبرة، وبالتهافت على المكاسب السياسية الآنية، والتخطيط للبقاء فى الحكم مادام للحكم عمر.
والسؤال الآن، هل يحتاج المشهد السياسى إلى مخرج «بفتح الميم» على أفق أرحب يتسع للجميع ويشارك فيه الكل بنفس المقدار، أم يا ترى يحتاج إلى مخرج «بضم الميم» يعيد تنسيق المشهد وترتيب أوضاع اللاعبين فيه، ويضبط إيقاع حركته ويتحكم فى سرعة أدائه؟.. الجدير بالذكر أن المخرج «بفتح الميم» قيمة معنوية أو حدث سياسى، أما المخرج «بضم الميم» فهو شخص قادر على جمع المصريين بأطيافهم فى مشهد متناسق، فهل يعرفه أحد أم أنه لم يولد بعد؟!