أحمد شحاتة يكتب: أغلق محلك الساعة 10 أحسن لك

"أحسن لك" هنا لا تعنى التهديد – لا سمح الله –، ولكنها بمعنى أفضل لك وأصلح للمجتمع.
هناك ما يعرف فى علم الإدارة بـ "مقاومة التغيير"، وهذا السلوك يظهر عندما يتعود الإنسان على شىء ما ويتطبع عليه سواء كان هذا الشىء جيداً أو سيئاً، ثم تأتى عليه رياح التغيير، فيجد هذا التغيير – حتى لو كان للأفضل – مقاومة عنيفة وذلك لأسباب:-

1) طبيعة النفس البشرية: فالنفس دائما ما تميل إلى الاستقرار والاستمرار فى السلوك – حتى ولو كان هذا السلوك خاطئاً – حتى إن الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه عندما كانوا يدعون الناس إلى عبادة الله وحده وترك ما تعودوا عليه من عبادة الأصنام والأوثان، كان الناس يرفضون تلك الدعوة أشد الرفض بحجة أنهم وجدوا آباءهم يعبدون تلك الآلهة وهم سائرون على ما كان عليه آبائهم (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون).

2)الخوف من المجهول: "الرئيس مبارك خلاص اتعودنا عليه حتى لو كان غير أمين على البلد، بس أهى ماشية، لو مبارك مشى أو مات مين إللى ها يمسك وها يعمل فينا إيه، اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش" هكذا كان يقول كثير من الناس قبل الثورة، يحكمهم طاغية، ومع ذلك هم يقبلون به خوفاً من مستقبل لا يعلمونه، ومن مجهول ينتظرونه، وهذا فى الحقيقة وهم كبير، لأن الوضع الراهن كان حينئذ يحتمل خيارا واحدا وهو أنه سيىء، أما الوضع القادم يحتمل خيارين فقد يكون سيئا وقد يكون حسنا، إذن الفرصة فى القادم أفضل.

3)الحفاظ على مصالح شخصية: شريحة من أصحاب المصالح يزعجعهم وصول التيارات الإسلامية إلى مناصب برلمانية وحكومية، لأن التيارات الإسلامية مرتبطة بتطبيق الشريعة، وتطبيق الشريعة لا يتناسب مع هؤلاء لأن معظم أعمالهم واستثماراتهم فى أنشطة مخالفة للشريعة وبالتالى هم يقاومون الشريعة أشد المقاومة، ولكن فى صورة مقاومة وصول التيارات الإسلامية إلى مناصب متعلقة بصنع القرار فى الدولة، وبالتالى فإن مقاومة "أصحاب المصالح" للتغيير هنا تأتى دفاعا عن مصالحهم الشخصية والنفع الخاص، قس على ذلك أى تغيير يتعارض مع أصحاب المصالح.

4)الجهل بعنصر التغيير: ومن هنا أبدأ فيما يتعلق بقرار "إغلاق المحال التجارية فى الساعة العاشرة مساء" فهو قرار هام ومفيد وفى الصالح العام، ولكن لم يتم إيضاح مزاياه للناس، ولم يُوضح للناس كيفية تطبيق هذا القرار ومدى تأثيره على مبيعات هذه المحال من عدمه.. إلخ، وهذا ما آخذه على الحكومة صراحة عدم قيامها بحملة إعلامية فى القنوات الرسمية والخاصة عن طبيعة هذا القرار الذى سيغير من نمط حياتنا وكيفية تطبيقه ومدى تأثر الناس به، وبما أن الحكومة لم تقم بذلك فاسمح لى أيها القارئ الكريم أن أقوم بهذا الدور وأوضح لك ما لم توضحه الحكومة:

أولا: نحن لسنا بدعا من الدول، فكثير من الدول العربية والأوروبية المتقدمة تغلق محالها التجارية فى العاشرة مساء، وأثبت ذلك نجاحا كبيرا – إذن نحن نتحدث عن تجربة ناجحة –.
ثانيا: أصحاب المحال لن تتأثر مبيعاتهم لأن المستهلكين لن يتوقفوا عن شراء الطعام والملابس.. وغيرها من البضائع، ولكن فقط سيغيرون مواعيد الشراء بدلا من الشراء ليلاً سيشترون نهارا أو فى الساعات الأولى من الليل.

ثالثا: المستهلكون لن يتضرروا لأن المحال ستعمل بكامل ساعات عملها، ولكن فقط ستغير المواعيد، يعنى إذا كان المحل يعمل من 12 صباحا إلى 12 مساء سيعمل بعد تنفيذ القرار من 10 صباحاً إلى 10 مساء أى نفس ساعات العمل وهى 12 ساعة كاملة، كما أن العمالة أيضا لن تتأثر لأن عدد ساعات العمل كما هى لم تقل.

رابعا: إغلاق المحال فى العاشرة سيوفر للدولة ملايين الجنيهات شهرياً، التى كانت تضيع فى إنارة المحال لساعات طويلة ليلاً، فمعظم المحلات تستخدم كماً هائلا من اللمبات لإضاءه الفترينات والعروض وللبهرجة وجذب الزبائن، وقد تكون هذه اللمبات غير موفرة وغالبا ما تكون أحجامها كبيرة، حتى إن الكهرباء التى تستهلكها لمبة واحدة من هذه اللمبات الكبيرة غير الموفرة قد يستخدم لإنارة شقة كاملة.

خامسا: تطبيق هذا القرار، سيوفر الأمن ويقلل الجريمة، فمعظم الأشقياء من المجرمين واللصوص وأصحاب الكيف وتجار المخدرات، لا يظهرون إلا ليلاً ويجلسون على المقاهى لساعات متأخرة من الليل، يتاجرون فى المخدرات، ويؤذون المارة بمعاكسات ومضايقات، ويخططون ويدبرون للجريمة، ويجلسون على هذه المقاهى إلى آخر الليل ثم ينطلقون منها لتنفيذ جرائمهم.

إذن فلنخض التجربة ولا نخشى التغيير، فالتغيير سنة من سنن الله فى الأرض، وسيحقق تطبيق هذا القرار الخير الكثير لجميع المصريين بإذن الله، وفى حالة – لا قدر الله – لم تنجح هذه التجربة ولم تحقق الأهداف المرجوة منها يمكن إلغاؤها.