قبل أن يفيق ذوو شهداء ثورة 25 يناير من صدمتهم لفراق أحب وأعز الناس بهذه الطريقة الوحشية والضارية التى قُتِلوا بها، وقبل أن تلتئم وتندمل جراح مصابى الثورة وتخضع للعلاج المناسب بعد تعرضهم لشتى صور العنف والبلطجة على يد زبانية النظام المصرى السابق، وقبل أن يأمن باقى المصريين على حياتهم وأولادهم وممتلكاتهم بسبب غياب الشرطة الذى أدى بدوره إلى الانفلات الأمنى وانتشار أعمال القتل والسلب والنهب ليل نهار، فوجئ العالم أجمع بإطلاق مجموعة من القنوات الفضائية الشيطانية المنافية للآداب والخادشة للحياء، لتخصصها فى عرض الرقص الشرقى والغناء الفاجر الداعر الداعى إلى نشر الخلاعة والمجون والعُرى والرذيلة والفواحش والموبقات على نطاق واسع لإلهاء الشعب المصرى، وتغييبه عما يدور على الصعيد السياسى بالمكوث أمامها لمتابعة ما تبثه من قذورات لأطول فترة ممكنة. لعل عقارب الزمن ترجع إلى الوراء ويتم تركيب من تم خلعه مرة أخرى!
كان إطلاق هذه القنوات الملعونة فى هذه الآونة بالتحديد دليلًا دامغًا على استمرار حرب النظام السابق ضد المصريين لتجريف عقولهم، وإسقاطهم فى هاوية الخراب والانحطاط والانفلات الأخلاقى، وليس الانفلات الأمنى فحسب، ليترحموا على الماضى، ويأسفوا لقيام الثورة ويلعنوا مَن قاموا بها وأشعلوها!
ورغم تعدد "المليونيات" الأسبوعية وكثرتها لدرجة جعلت الغالبية المتفرجة تائهين وحائرين فى أمرها، إضافة إلى كثرة الاعتصامات الفئوية التى يستغل أصحابها قسوة ظروف البلد ويصطادون فى الماء العكر، إلا أن أحدًا لم ينتفض ولم يثُر على هذه القنوات المدمرة التى تنخر كالسوس فى بيوتنا وتهدد سلامة الجيل بأكمله، وخاصة فلذات الأكباد الذين صارت السيطرة عليهم والتحكم فى ما يتابعون ويشاهدون دربًا من دروب المستحيل، لتمتع معظمهم بذكاء تكنولوجى خارق يعينهم بسهولة على البحث عن هذه القنوات، وإنزالها حتى وإن كانت "مُشّفَرة"، فالكثير من الآباء والأمهات مشغولون طول الوقت بأعمالهم ووظائفهم لتوفير لقمة العيش ونفقات ومتطلبات الحياة بشكل عام، وبالتالى يتركون أبناءهم فرادى لفترات طويلة بلا مراقبة أو متابعة، مما يجعلهم يقعون بسهولة فى أسر هذه القنوات المنحطة، ويدمنون مشاهدتها غير واعين بخطورتها على أخلاقهم وسلوكياتهم، حيث توقظ مشاعرهم قبل أوانها، وترسخ لديهم ثقافة العُرى والانحلال البعيدة كل البعد عن عاداتنا وقيمنا وثوابتنا كعرب ومسلمين، كما تقتل فيهم النخوة والمروءة والغيرة، وتجعلهم يعتادون رؤية الحرام والفاحش من القول والفعل دون أن يغضبوا أو يستنكروا ويرفضوا أو على الأقل يحاولوا تجنب ذلك!!
مطلوب وقف بث هذه القنوات فى أسرع وقت وبشكل نهائى لا رجعة فيه، فضلًا عن ملاحقة أصحابها ومموليها قانونيًا لتسببهم فى إفساد الذوق العام، ونشر ما حرم الله بدعوى الحرية والمدنية الزائفة، متعللين بأن "الجمهور عاوز كده"، لأن استمرار هذه القنوات فى عملها بهذا الشكل ينذر بعواقب وخيمة، ويضع النظام الجديد المحسوب على الإسلاميين فى مأزق وموقف حرج، هذا النظام الذى لابد وأن يبادر بالقضاء تماماً على هذه القنوات الساقطة، والتصدى بحزم لمن يقف وراءها دون استهانة وبطء أو تقليل من حجم المخاطر التى تسببها.. فهذا الأمر لا يقل خطورة ودمارًا عن الفساد السياسى والاقتصادى وباقى ملفات الفساد الخطيرة المدرجة على جدول أولويات الرئيس الحالى.
فما الذى ينفع المصريين إذا ما ذهبت أخلاقهم ولم تعُد، أى نهضة سيرونها وأى خير سينعمون به إذا ما ظل الانفلات الأخلاقى هو سيد الموقف وعنوان مصر الجديدة.
هناء المداح تكتب: متى يتم إغلاق قنوات "على واحدة ونُص"؟
السبت، 17 نوفمبر 2012 01:22 ص