مع انتهاء أيام ذى الحجة، واقتراب العيد بفرحته وأمنياته، غادروا وطنهم وأسرهم كى يلحقوا بإخوانهم ليساعدوهم، ويقدموا لهم يد العون، وتركوا خلفهم فرحة العيد إلى مصير مجهول غير معلوم.
هؤلاء ليسوا أبطال روايات بل هم فرسان الإنسانية، هم أطباء مصر الشرفاء، الذين تركوا مصر، ليعبروا الحدود السورية، ويقدمون أبسط الحقوق الإنسانية، وهو الحق فى العلاج، وليقضوا عيدهم وسط أجواء شديدة، وبالطبع مخيفة، وتكاد تفوق الخيال.
تبدأ المغامرة عندما قررت لجنة الإغاثة والطوارئ، التابعة لاتحاد الأطباء العرب، بإرسال فريق طبى مصرى، لا لمساعدة السوريين اللاجئين خارج الحدود السورية، وإنما لمساعدتهم، وتقديم الدعم الطبى لهم داخل الأراضى السورية، حيث القذف العشوائى من قبل نظام بشار.
وبدأت ترتيبات المغامرة التى يحكمها الواجب الإنسانى، عن طريق تكوين فريق بحثى من الأطباء، من مختلف التخصصات هدفه هو تحديد أفضل الأماكن، لإنشاء مستشفى ميدانى، وتقديم البدائل فى حالة قذف المستشفى.
وقد تمكن هذا الفريق من التواصل مع بعض السوريين، كى يكونوا دليلهم فى صحراء سوريا، خاصة أنه لا توجد طرق رسمية للدخول، والطريق ملئ بالمخاطر، وبالفعل فى خلال 10 أيام، قدموا خريطة سرية للأماكن التى يمكن إجراء مستشفى ميدانى بها، بالإضافة إلى تحديد التخصصات االطبية التى يحتاجها المرضى.
وقد أكد لـ"اليوم السابع" الدكتور عمر أحمد فتحى العياط، رئيس مجلس إدارة مستشفى الطالبية، وأحد أعضاء الفريق البحثى، أن هذه الخريطة لا تقل أهمية عن الخرائط الحربية، خاصة أن جنود الأسد تستهدف قذف المستشفيات، وهو ما لم تعهده الإنسانية طوال تاريخها، حتى فى عهد التتار، ففى سوريا يحرم الإنسان حتى من العلاج، ويترك حتى يموت متأثرا بجراحه.
ويستطرد قائلا، كانت الخطة أن نقوم بتسليم الأطباء المصريين الخريطة، وكنا على اعتقاد أنهم سيأتون بعد الاحتفال بالعيد فى مصر، حيث الأهل والأمان، ولكن فوجئ ببسالة الأطباء المصريين، وتفانيهم فى تأدية الواجب الإنسانى، فبعد 24 ساعة فقط من تجهيز الخريطة حضر الطاقم المصرى لسوريا، وكان ذلك فى أخر أيام شهر رمضان المبارك، ويرى هذا الموقف شرف لمصر وللأمة العربية كلها.
واستكمل الدكتور عمر، حديثه متأثرا لما رآه من معاناة الشعب السورى، وأن الفريق استهدف توصيل رسالة طمأنينة للسوريين، بجانب الدعم الطبى، والتأكيد على دعم المصريين لإخوانهم السوريين، وهو ما استقبله السوريون بحفاوة، رغم الألم الذى يعتصر قلوبهم.
وبالرغم من تهجير النساء، وتشريدهن وقتل الرجال والأطفال، إلا أنهم كانوا يحرسوننا خوفا من أى عدوان، ويحموننا من الصعاب التى تواجهنا.
ويتنهد لحظات ليتذكر موقفا ارتفعت فيه أصوات القذف، فما كان للسوريين إلا أن كانوا يحمون الأطباء بأرواحهم، ويهتمون بتلقينهم الشهادة كى يلقوا الله شهداء.
وعند وصول فرسان الإنسانية إلى الأراضى السورية، هنا تنتقل المغامرة الإنسانية إلى طور جديد، فقد بدأت مواجهة الصعاب والتعامل مع الواقع الأليم، كما وصفه الدكتور أحمد الصروى، مدرس مساعد الجراحة بمعهد الأورام القومى.
وتحدث إلينا عن طبيعة الإصابات التى واجهها، فأوضح أنها إصابات حرب، ولكن ما يوجع النفس أنها جميعا حالات غدر، فلم نرى اشتباكات بين فريقين، وإنما كان القصف العشوائى على المدنيين العزل، وروى لنا أنه نطق بالشهادة فى تلك الأيام ما لم ينطقها من قبل فى حياته.
وأكد أن نظام الأسد، يعتمد على سياسة قصف ممنهج لأماكن تجمعات السوريين، ومنها المخابز التى نظرا للأزمة، فهى لا تفتح إلا ساعات قليلة، ويتجمهر عليها السوريون، وقد يصل طابور الخبز هناك لـ500 فرد، وفى هذه اللحظة يأتى الغدر بقصف المخابز، ومن عليها من أفراد، مما يؤدى لحدوث مجزرة جماعية لأشخاص خرجوا فقط لأخذ قطع من الخبز لهم ولأسرهم.
ومن الأمور التى كانت تثير دهشته، أن القصف كان غير مبرر فى أحيان كثيرة، فلم يقتصر على ضرب المناطق التابعة للجيش السورى الحر، بل كان نظام الأسد يقصف أسرا ومناطقا بأكملها تدعمه ومناهضة للثورة، وذلك لزيادة الاحتقان بين طوائف الشعب السورى، وإقامة حرب أهلية بينهم، كى يضعف قواهم، ولا يحاربوه، وهو ما نراه فى قصف مدينة كحلب، التى تعد مركزا تجاريا كبيرا.
وأثناء لحظات من الصمت والحسرة، تذكر الدكتور أحمد، مشهد وصول أسرة بأكملها، مكونة من الأب والأم والابن وثلاث أخوات، وكان ينادى كل منهم على الآخر حتى صمت صوت الأب، ويليه الابن واستشهدا وظلت الأم والأخوات على قيد الحياة، بينما أصوات القصف تدوى، وتنذر بضحايا جدد.
ومن المفارقات الغريبة والسعيدة أيضا، أن فرسان الإنسانية قابلوا طبيب مصرى متخصص فى مجال التحاليل، ويدرس الدكتوراه بأمريكا، وقد ترك دراسته، ولم يفكر حتى فى أن تخصصة قد يكون غير مجدى فى إصابات الحروب التى تحتاج إلى الإسعاف الفورى، ولكنة أراد مساعدة الشعب السورى بأى طريق.
ولم تخلو الأزمة السورية من قصص بطولات المصريين، فقد وصل إلى فريق الأطباء أن ممرضتين مصريتين، قد تسللن الحدود ووصلن لسوريا، تأيدا ودعما لها، ولكن لقين حتفهن، ولم يعرف أين دفنا حتى الآن.
وتعانى سوريا من نقص شديد فى الكوادر الطبية المتخصصة فى الإصابات الحربية، وهو ما رواه لنا الدكتور محمد هشام عيسى، منسق قطاع الإغاثة، ومسئول الفريق الطبى.
وأكد أن هناك حالة من الإرهاب الشديد الواقع على الطبيب السورى، لمنعه من علاج المصابين، حيث يجبر نظام الأسد الأطباء على التواجد فى الصباح الباكر بالمستشفيات العامة، للإمضاء، ومن يتقاعس يصدر أمر اعتقال له ولأسرته.
وأغرب ما سمعناه، ما أوضحه لنا من نظام لا إنسانى ابتدعه نظام الأسد على الأطباء السوريين، فمن يتأكد لهم أنه يقوم بمساندة أى مصاب، يأمرون ببتر جزء من جسده، وغالبا ما يكون الجزء الذى عالجه للشخص الآخر.
وأكد لنا على مسؤليته الشخصية، أن هناك أطباء بترت أرجلهم نتيجة إجرائهم عمليات لمصابين بإصابات الأوعية الدموية فى القدم.
وللمرة الثانية يؤكد طبيب مصرى، على منهجة القصف المتعمد ولكن يضيف الدكتور محمد، أن القصف يتعمد إصابة الجزء السفلى من الجسم، وذلك لإحداث حالات من العاهات المستديمة، إما بإصابة العمود الفقرى، فيصاب المريض بالشلل أو بإصابات بالغة فى الأطراف تؤدى إلى بتر الأرجل.
ويشير إلى أن نظام الأسد، يستهدف جعل معارضيه غير فاعلين فى المجتمع، وغير قادرين على العمل.
ومن الشخصيات التى لا يمكن أن ينساها الدكتور محمد بلال ذلك الشاب الذى أتى المستشفى، ولديه إصابة، فكان ساعده فى حالة تهشم كامل،وجلده متسلخ تماما جراء القصف، وكان معه أبيه، وكان ينادى أبيه ليلحقه، وهلل الأب لا تصيح يا أبى صيح يا الله صيح يا الله، ونادى بلال ربه، واستشهد بعد أن قبل أيدى والده، وسأله الرضا عنه.
وما لبث فرسان الإنسانية يومهم الخامس عشر، حتى عادوا من جديد لأرض الوطن الحبيب، ليكمل بعدهم المسيرة غيرهم من الفرسان، وتتوالى البعثات لسوريا التى أصبحت بداخلها ما يقرب عن مليون لاجىء، ولكن يتوالى معه القصف الغاشم والعشوائى للمدنين العزل، وسط تواطىء صريح وصمت مخزى من دول العالم عن مجازر الشعب السورى، الذى حوله الضمير العالمى لمجرد أرقام نرصدها يوما بعد يوم.
لأول مرة "فرسان الإنسانية" من قلب سوريا.. أطباء مصر يكشفون خطة بشار لشن حرب أهلية.. ويؤكدون: الأسد ابتدع لشعبه ما لم يحدث فى عهد التتار
الجمعة، 16 نوفمبر 2012 03:26 م
"فرسان الإنسانية" من قلب سوريا
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد
ياترى ديه ماتستحقش تسحب السفير يا د مرسي
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد غانم .
إن ما يحدث فى سوريا عار على المجتمع الدولى كله