غضب الأطباء

يدق جرس الباب بلاتوقف على غير عادته، يأتيه صوت عالٍ من وراء الباب:
- حاضر.. حاضر
فتحت الباب، وجدت الزوج مبتسمًاً منفرج الأسارير يهلل:
أزيك يا أم مايسة

استغربت الزوجة، دخلت وراءه غرفة نومه ليخلع ملابسه، سألته عن سر فرحته قال:

عريس لقطة يا أم مايسة.. والله لقطة.. مايسة ح تطير بيه.
بدت البشاشة على وجه الزوجة وربتتت بحنان على صدره وسألته:-
- ومين ده العريس اللى مخليك فرحان كده؟
- عارفه عبد المعبود أفندى زميلى فى الشغل الرجل المكافح الشريف، صرف دم قلبه على ابنه لغاية ما طلعه دكتور.. دكتووور يا أم مايسة.. جه طلب إيد بنتنا.

اجتمعت الأسرة وفى المساء رفضت مايسة بحجة أن الدكتور دخله ضعيف وليس فى مقدرته الإنفاق العادى على بيت الزوجية.. كانت صدمة للأب الذى سألها وماذا تريدين؟ أجابت أنها وصديقاتها يفضلهن خريج التجارة أو أى كلية أخرى، الذى يعمل فى بنك أو فى مجالات الحاسب الآلى.. فى هذه اللحظة ابتلع الأب ريقه وغادر المكان وهو يضرب كفاً بكف.

مقدمة وإن طالت بعض الشىء، لكنها الواقع المر، حيث تشهد السنوات القادمة العزوف عن كلية الطب وعدم اعتبارها من كليات القمة، والسؤال هنا لماذا هذه النظرة الدونية لتك المهنة الرفيعة المليئة بالإنسانية؟ إن جميع المهن الذى خلقها الله تتعامل مع الجماد أوالحيوان أو النبات والطب هى المهنة الوحيدة، التى تتعامل مع الإنسان!! فضلاً عن أنها الكلية الوحيدة الدراسة بها سبع سنوات عجاف.. لو رأيت عزيزى القارئ حجم الكتب التى يذاكرها طالب الطب ومدى صعوبتها مقارنة بأى كلية أخرى لأخذتك الشفقة بطلاب الطب.. ثم يتخرج الطبيب، دعنا من القلة الذين يعملون فى المدن وأنظر إلى الكثرة الذين يوزعون على الوحدات الصحية بالقرى بعيداً عن النظافة وضعف الإمكانيات والجلوس فى التكييف.. زملاؤهم العاملون فى البنوك وماشابهما يجلسون على مكاتب، ساعات عمل محددة، التكييف البارد فى الصيف والحار فى الشتاء، وبعد هذا كله يتقاضى البنكير بالألاف ويتقاضى الطبيب بالمئات والألف هو المضاعف العاشر للمائة.

ومن أجل هذا رفضت مايسة العريس لأن وظيفته دكتور!!
ويستغرب البعض لماذا يقوم الأطباء بالإضراب؟ أعتقد أن الأمر واضح وضوح الشمس، لابد من نظرة إلى وضع الأطباء، نظرة إلى السواد الأعظم وأن يحس بهم المسئولون الكبار فى الدولة.. أتعرفون لماذا لا يحس بهم كبار المسئولين؟ لأن هؤلاء الكبار لايذهبون إلا لمشاهير الأطباء الذين يرون فيهم الثراء والرفاهية.. وهنا أقول إن هؤلاء المشاهير قلة لاتمثل مجتمع الأطباء وهل من المتوقع أن جميعهم سوف يكونون على هذا المستوى؟

الأسئلة كثيرة والإجابات واضحة، لكن خلل المنظومة الوظيفية هى التى جعلت الهرم مقلوباً.

سيدى الرئيس: إن هذه الفئة يجب تقديرهم واحترامهم والنظر إلى مطالبهم بعين فاحصة عادلة، إن عملهم من أشرف الأعمال وأطهرها وأهمها.. لقد احتبس البول لدى رجل وكاد يموت من الألم، جاءه طبيب صغير قام بتركيب استره فأفرغ الرجل بوله، فكأنما ردت له الحياة فانبطح الرجل على الأرض يقبل قدم الطبيب الصغير، لكن هذه القبلة لا تصرف له كيلو واحد من اللحم.

سيدى الرئيس: أرجوك قابلهم كما قابلت الفنانين واسمع إليهم شفاك الله من كل مرض.
وأستودعكم الله الذى لايضيع ودائعه.

• عضو اتحاد الكتاب.