على رمضان يكتب: مليونيات الـ"كش ملك" واقتصادنا المذبوح

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012 05:21 م
 على رمضان يكتب: مليونيات الـ"كش ملك" واقتصادنا المذبوح صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل تنقصنا خلافات وجراح حتى نزيد من جراحنا عمقا ونضيف لخلافاتنا نزاعا؟ وهل ينقصنا حرائق لنسكب عليها مزيدا من الزيت والبنزين؟ وهل يحتاج اقتصادنا لمزيد من النزيف؟

النبى صلى الله عليه وسلم هو القدوة، فقد حدث أن تنازعت القبائل على وضع الحجر الأسود، فقام بخلع عباءته الشريفة ووضع الحجر فى وسطها، وحمل كل رئيس قبيلة طرف العباءة إلى الكعبة وقام الرسول بوضع الحجر فى مكانه، لتدفن الفتنة فى مهدها وينتهى النزاع إلى الأبد.

النبى المتواضع الذى انحنى فوق فرسه ساجدا لله وهو يدخل مكة منتصراً فاتحاً كما وعده ربه، وكان حرى به أن يجتث الرقاب بعد نقض قريش لصلح الحديبية، واختبأ رجال أم القرى خوفا ورعبا وهلعا من انتقام المسلمين، لكنه صلى الله عليه وسلم انحنى متواضعا حتى إن ذقنه لتكاد أن تمس واسطة الرحل، وأعلن فى الملأ أنه لا تفاخر بالنسب ولا بالعصبة وختم خطبته بقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، ثم تلا: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، واعتقد عثمان بن طلحة حامل مفاتيح الكعبة والذى أغلظ القول للنبى يوم الهجرة أن المسلمين سيسلبونه المفاتيح إلى الأبد، لكن النبى العادل ردها إليه قائلاً له: "هاك المفاتيح يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء، خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".

النبى الأعظم الذى خرج من مكة طريد الظلم والقهر والغى أعاده الله منصورا عزيزاً، وكان استشعار النبى بمؤازرة الله سببا فى أن ينحنى لعظمته ويرحم خلقه ليعلن أن اليوم ليس يوم الملحمة وإنما هو يوم المرحمة.

وتوج النبى كل ذلك بإصدار عفو عام عن مكة وأهلها، حين سأل قومه: ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كبير، قال: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء".
هذا هو النبى القدوة والأسوة الحسنة.
فكانت نتيجة ذلك دخول الكثيرين فى الإسلام، أمثال صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة وفضالة الليثى وغيرهم حتى دخلت قريش كلها فى الإسلام.
فهل تفيد المليونيات فى تحقيق الهدف السامى للإسلام وهو التآلف والتعاون على البر والتقوى؟

هل تمكنت الدولة من توفير حوائج الناس وتوفير العدالة لتقرب الناس من محبة عدل الدين والاستمساك بشريعته؟ أم أن الدولة منذ ستين عاما تشوه مفهوم الإسلام الصحيح وتنشر السطحية الفكرية الدينية فى معتنقيه حتى بات الشكل هو الأساس أما الجوهر فلا وجود له.

هل عادت لمصر القدوة الصالحة التى تلتف حولها الجماهيروتذهب لاتباع أمرها وغرس الإيمان فى تربتها حيث تتوفر لديهم أخلاق الإسلام التى قرأنا عنها فى سلوكيات النبى وصحبه الأجلاء؟

أين التربية والتكوين اللذان يمنحان الفرد الضمير الدينى؟، أم أننا طيلة الشهور الماضية لم نسمع إلا عن حكايات وحواديت إسلاميين صاروا عبئا على الإسلام فى تصرفاتهم وأفعالهم، بينما الحكماء الأجلاء قد صمتوا فى وقت السكوت فيه خطر على البلاد، والأزهر غائب لا يبدى تعليقا!.
الميزة الكبرى فى الإسلام أنه دين جماهيرى شعبى ليس لوسيط أن يتدخل فى أموره، فالصلاة والزكاة والصوم كلها عبادات فردية ليس للدولة التدخل فيها، ومصر إسلامية منذ أمد، الصلاة فيها قائمة والسرقة والزنى فيها معاقب من يضبط بهما، والمعتمرون والحجاج منها ما أكثرهم أما الحدود فهى جزء ضئيل من الأحكام ولتطبيقها شروط يجب توافرها قبل تطبيقها، ولا تتوفر هذه الشروط حاليا، لأن أولها وجوب العدل الاجتماعى الذى يقى الفرد من الوقوع فيها كالسرقة والزنى، حيث أصبح من المستحيلات- تماما كالغول والعنقاء والخل الوفى- أن يجد الشاب أو الشابة فرصتهما للكسب والزواج فور بلوغهما، وعدم الزواج لهيب مشتعل فى مجتمع مفتوح القنوات والفضائيات والإنترنت، فى غياب التربية والدعوة السليمة، فهل عالجنا القضايا الهامة التى تحطم الأديان كلها وتمنع الفرد عن الإيمان: الفقر والجهل.

الفقر هو الدافع الذى بسببه تمتد أيدى الفقراء للسرقة والنصب والغش والتزوير والقتل أحيانا.. وسيسأل الحاكم عن الفقير: لماذا تركته يحتاج ليسرق؟

وقد أقسم النبى أنه: "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع"
الفقر هو الدافع الأول للأنثى المحتاجة إلى أن تبيع جسدها وتقتات بشرفها.. وسيسأل الحاكم عن الزانية لتأكل: لماذا لم توفر لها حياة كريمة تصونها؟

الفقر هو الدافع الأساسى للكفر بكل القيم التى تحث عليها الأديان.. وسيسأل الحاكم: لماذا تركت فى دولتك غنياً يلتهم قوت الفقير؟

وهو الأمر الذى جعل أمير المؤمنين عمر يسقط حد السرقة فى عام الرمادة لما أصاب البلاد من جدب وتدهور.

أما الجهل فأوله الجهل بالدين والتمسك فقط بقشوره وسطحياته وتجاهل جوهره، وازداد بعدما انصرف الدعاة عن الدعوة متجهين صوب السياسة وانزلقوا فى دهاليزها!.

إن الإسلام عزيز، لا يقبل تطبيقه على فرد وهو له كاره، والله سبحانه وتعالى يريد أن يحبه الناس على علم وعن معرفة لا عن جهل وغفوة وبرضاهم التام وليس بعقاب ولا قسوة فماذا قدمت المليونيات للناس إلا التناحر والتباغض والحدة والتحدى الأجوف الداعى إلى القتال لا إلى التحاب والوئام؟
وإذا كانت المليونية سبيلا إلى استعراض القوة العددية، وهى ثابتة ومتيقن بها حسب التعداد السكانى، فهى إذن ليست تعاونا على البر والتقوى وإنما هى تعاون على عدوان، لأن هناك من يقف معارضاً، وبالتالى ستقوم مناوشات ويسقط جرحى وتسيل دماء.

أم أننا نستخدم المليونيات– التى تأتى على اقتصادنا– فى سباق نحو انتصار بعضنا على البعض، على طريقة الشطرنج: كش ملك ، فمرة مليونية ضد الشريعة وأخرى مع الشريعة؟

أين التعاون على البر والتقوى فى ذلك؟ وهل دخل الإسلام القلوب إلا طواعية من الذين أحبوه ورأوا النور الساطع منه؟
الدين هو وسيلة لسلام دنيوى وأمن قبل الموت وبعده، والشمس الدافئة المملوءة بالحنان خير من الزوابع العاصفة التى تهرب منها الأبدان وتختبئ تحت جلود ذاتها.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة