قرارات «تظبيت» الشعب

شعرت أننى قد عشت حياتى كلها متشقلبة ومعكوسة وأنا ما أعرفش إن مصر اللى بحبها قوى طلعت نهارية.

أعترف لكم أيها السادة القراء أن قانون الحكومة الرشيدة الخاص بإظلام البلد كله الساعة العاشرة مساءً أصابنى بالوسواس القهرى وجعلنى أفكر تفكيرا تآمريا تجسسيا مخابراتيا، وأتخيل عدة سيناريوهات مفترضة لهذا القرار المريب.. والسبب هو أن الدعاوى التى يطلقها سيارة الوزير «عابدين» بالزعيق والشخيط فى الشعب حتى أنه أغلق السكة فى وجه المذيعة ريم ماجد لأنها تردد أقوال الناس التى تصرخ من أجل لقمة العيش، وكذلك أسلوبه المستفز فى التهديد والوعيد، ولم نر من قبل وزيرا قال للشعب «احترم نفسك» من أيام قراقوش، ولم نسمع أن مسؤولاً قد هدد باستعمال العنف مع الشعب من أيام سليم الأول.. وبالمرة صرح وزير الـ... «الصراحة مش فاكرة وزير إيه».. محمد محسوب بأن سلوكيات الشعب محتاجة «تظبيط»، و«تظبيط» دى كلمة جديدة تعنى «ترويق»، و«ترويق» رخرة اصطلاح جديد قوى معناه «ها أعرفه غلطه بس».. وكل هذه التفسيرات معناها أن الحكومة قادرة على تسيير ملايين المصريين على مزاج مزاجها، لأنها رأيها إنه شعب محتاج شغل كتير عشان ينفع للنهضة.. وقال لا فض فوه: «أن مصر كمان أصلها من زمان قوى دولة نهارية وليست ليلية»، لما قرأت هذا التصريح كانت ليلتى سوداء، لأننى طول عمرى بحب أشتغل بالليل.. أكتب واقرا واطبخ واغسل وانضف بالليل، ولذلك شعرت أننى قد عشت حياتى كلها متشقلبة ومعكوسة وأنا ما أعرفش إن مصر اللى بحبها قوى طلعت نهارية من غير ما تقول لى.. والأهم من هذه الحكم البليغة التى تنهال فوق رؤوسنا نحن شعب مصر السعيد المستقر الآمن العامل المتريش.. أن قرار الإغلاق هذا يعتبر من الخرافات التاريخية مثل الرخ والعنقاء والخل الوفى، لأنه من الناحية العملية مستحيل التطبيق، وإذا كانوا يقصدون النوم بدرى والصحيان بدرى عشان صحة الشعب ونشاطه فى العمل فهو المقصد النهضوى الذى من الممكن أن ينطبق على موظفى الحكومة ،وهؤلاء عددهم لا يمكن أن يزيد على خُمس تعداد السكان، وباقى السكان نشاطهم فى القطاع الخاص يعنى نشاط حر.. وهما كمان أحرار فى اختيار المساء والسهرة للصبح طالما لها زبائن، وطالما لم تطلب أى حكومة نوعى عليها تحديد الأنشطة التجارية بميعاد عند استخراج الرخص سواء بالفتح أو الإغلاق، ولو تعب أحد أفراد الحكومة حبيبة الشعب نفسه، وذهب ليلاً لمحل عصير أو حلويات أو مقلة لب وسودانى أو سندويتشات أو ألبان «ومش لازم الباقى»، سوف يجد أن ورديات السهر لا يقل العاملون فيها عن ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة من أصحاب البيوت، بالإضافة إلى أن المحلات ذات الأنشطة الأخرى التى لا يذهب إليها زبون المساء تغلق من تلقاء نفسها فى التاسعة أو العاشرة بدليل محلات وسط البلد «قبل الثورة».

وأما الأكشاك، التى أصبح عددها أكثر من عدد السكان فهذه سيكون لها قرار آخر وربما حكومة أخرى.. المهم أن الموضوع لم يقنعنى أبداً بأن له علاقة بتوفير الكهرباء، لأنهم لو كانوا جادين بالفعل لما أقدموا على إلغاء «تقديم الساعة» الذى يوفر ساعة كهرباء على مستوى الجمهورية بالفعل، الذى مازال يطبق فى إنجلترا ومعظم ولايات أمريكا حتى يومنا هذا، رغم سفسطة أصحاب الآراء والعلماء والناشطين الذين هللوا لإلغاء القرار لأنه من العصر البائد.. وأيضًا لم يقنعنى لأننى أشك بشدة فى أن الشرطة قادرة على تأمين جمهورية مصر العربية عندما يعمها الظلام من العاشرة مساءً.. لذلك سرح خيالى مع آراء الناس حول الهدف الحقيقى وراء هذا القرار فى عدة سيناريوهات، السيناريو الأول يقول إن الهدف هو إغلاق المقاهى لأن الناس بتتجمع مع بعض وتسهر تتكلم فى السياسة، وأن الإغلاق سيمنع تفتيح عنين الناس على حقيقة مشروع النهضة الذى اشترك فى وضعه خمسة آلاف خبير من أنحاء العالم، وعلى حقيقة مكاسب الثورة وموقعة الجمل وشعبية الإخوان، غير أن اللت والعجن بتاع المصريين خطر على الدولة الديمقراطية، اللى رجعت قانون الطوارئ وأنهم سوف يخترعون قانونا لمنع التوك شو ويقفلوا جرائد المعارضة كمان.

والسيناريو الثانى يقول إن الهدف هو إلهاء الناس فى مشاكل الإغلاق، وتفرغهم للصدام مع الشرطة وتغريقهم فى محاضر المخالفات وقرارات الإغلاق حتى تستطيع اللجنة التأسيسية تمرير الدستور وعمل استفتاء تكون نتيجته «نعم»، والبنات تتجوز قبل سن البلوغ وكل ده والناس عايشة فى مشاكل الدكاكين.

السيناريو الثالث يقول إنه ليست جميع المحلات والدكاكين قابلة للإغلاق.. وأن هناك محلات كثيرة لديها رخص سياحية تمكنها من السهر، وهكذا ستكون هناك محلات تغلق بالأمر فى العاشرة وبجوارها أخرى تسترزق حتى الصباح، ولهذا سوف يسعى أصحاب المحلات التى لا تحمل رخصا سياحية ولا رخص من أصله لاستخراج رخص سياحية، وبما أن الرخص هى من سلطات المحافظات والمجالس المحلية وكلها من الإخوان إذن سوف تخرج الرخص لمحلات الإخوان وباقى الشعب يقفل ويجيب ضرف المحل ويروح.

أما السيناريو الرابع وهو الأقوى فيقول إن الهدف هو إلهاء وتدويخ الشرطة مع المحلات وأصحاب المحلات ودخولهم فى شجار من شارع لشارع فى جميع محافظات مصر خاصة أن البلطجية متوفرين فى الأسواق والسلاح أكثر من الطماطم وربما من المانجة، وتتصاعد المشاكل إلى حد الاشتباكات بالسلاح وتبقى الدنيا ونس وفوضى خلاقة إلى حد صدور قرار رئاسى حاسم وحازم بحل وزارة الداخلية وتسريح الشرطة وتمكين ميليشيات الإخوان التى طالما وعدونا بها بدلاً منها والله الموفق والمستعان.

والحقيقة ربما تكون كل هذه السيناريوهات واردة، رغم خيال بعضها المستحيل، ولكن نحن فى زمن العجائب، وربما تكون كلها خرافات وتهيؤات من ناس مغرضة ماعندهاش نهضة فى دماغها وسواء هذه الافتراضات خيالية أو ممكنة، إذن هذا القرار هو قرار خاطئ ومعيوب ومعيب مائة فى المائة، وأصحابه يعانون من قصور شديد فى التفكير وفى علم إدارة الدكان.. قصدى الدولة، ويعانون كذلك من جهل شديد بحال البلد وبشوارع القاهرة ومصر كلها وعدد محلاتها وعدد الملايين التى تعمل بعد العاشرة لتتقوت يوما بيوم، وأن أسلوب السادة أولى الأمر الذين اعتادوا التهديد والوعيد بتربية الشعب وتظبيته وتحسين سلوكه المخجل أصبح محل شك كبير لدى الناس، وأن الثقة رغم الخطب العصى والبيانات والقرارات والوعود قد باتت منعدمة، وأن الناس أصبح لديها يقين بأن هذه الحكومة هى حكومة أهلهم وعشيرتهم ولا تراعى مصلحة شعب مصر الشقيق، رغم التاريخ المشترك والجغرافيا المشتركة واللغة والدين مثلما علمتنا زمان القومية العربية فى الكتب الثورية الناصرية الله يسامحهم بقى، وبالمناسبة الأدوية فيها نقص شديد وياريت أهلهم وعشيرتهم يصدروا لنا شوية أدوية من اللى أخدوها مننا ببلاش من أجل تحرير فلسطين وندفع فيها زى ماهما عاوزين والفلوس كثير والنهضة أكثر.. والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه.