د.محمود وهيب السيد يكتب: الانتخابات الأمريكية والقضية الفلسطينية

الإثنين، 12 نوفمبر 2012 12:42 م
د.محمود وهيب السيد يكتب: الانتخابات الأمريكية والقضية الفلسطينية  أوباما

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يكاد يكون من قواعد السياسة المعاصرة، أن يكون لمنطقة الشرق الأوسط نصيب ملحوظ فى ميادين المعارك السياسية، التى تدور بين مرشحى الرئاسة للانتخابات الأمريكية، ويستكمل هذا النصيب بثمن تدفعة المنطقة مقدما لحساب أى من المرشحين، لترجيح كفته، والنموذج الأبرز فى ذلك والذى لا يريد التاريخ والأحداث أن تمحوه من الذاكرة، ماقيل أن السادات قد قدمة من تنازلات للرئيس الأمريكى والمرشح الديمقراطى كارتر، الراعى الحقيقى لعملية السلام فى الشرق الأوسط، لكى يفوز فى عملية الإعادة ضد منافسة ريجان، إلا أنه خسر، وذلك نتيجة نجاح اللوبى الصهيونى فى استغلال فشل كارتر، المهين أثناء الثورة الخومينية فى حل مشكلة الرهائن الأمريكيين فى السفارة الأمريكية بطهران بالقوة.
بالطبع لكل وقت لعملية انتخابات تجرى للرئاسة الأمريكية، أو حتى البرلمانية حساباتها وفق ظروفها وبيئتها السياسية، والتى يرى القادة العرب والفلسطينيين أخذها فى الحسبان، لتحيد أى من المتنافسين سيتم المراهنة عليه ودعمه، وقد كان من المفهوم أن يأمل العرب فوز المرشح الديمقراطى أوباما على منافسة رومنى، فرغم سجل أوباما السياسى السيىء فى فترته الرئاسية الأولى، والتى أخذل فيها توقعات الجميع منه والعرب خاصة، وأخلف كل وعوده التى سبق أن قطعها على نفسه، ووثقها بالمؤتمر السياسى العام الذى طلب أن يعقد بجامعة القاهرة عام 2009، إلا أنه لا يمكن المجازفة بالعمل على ترجيح كافة منافسه الجمهورى رومنى، لما عرف عنه طوال تاريخه السياسى من ميل مفرط، لتأييد الصهيونية العالمية وحق إسرائيل فى التوسع على حساب أراضى جاراتها العرب، كما أنه مرشح الحزب الجمهورى المعروف سياساته الساعية لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم أجمع، حتى ولو باستخدام القوة المسلحة، ولعل أفعال وسياسات سلفة الأحمق بوش الأبن، والتى كبدت العالم كله ويلات حروب إقليمية مازالت تعانى منها شعوبعا ودولها حتى الآن، وكان للعرب والدول الإسلامية النصيب الأوفر منها.

لذلك فإن المتابع للسياسات العربية والفلسطينية تجاه ما يحدث على صعيد الانتخابات الأمريكية، التى تدور رحاها الآن يجد أنه تصب فى كفة الرهان على فوز المرشح الديمقراطى أوباما، ومحاولة دعمه بكل السبل، وعلى الرغم من أنه بات معروفا منذ سنوات أن أى موقف أو قرار يتخذه العرب فى شئونهم السياسية الخارجية، وخاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية لا يمكن لهم أن يتخذوه، أو يعبروا عنه إلا بموافقة أمريكية مسبقة أو بضغط منها، إلا أن ما حدث منهم فى الأيام القليلة الماضية، وبعد أن احتدمت نيران المعركة الانتخابية، وبان فى أوقات منها أن كفة كلا المرشحين متعادلتان، ما حدث فاق كل تصور أو معقول، كل ذلك كان من أجل عيون أوباما، ومن تلك التصرفات والمواقف مايلى:
1- لأول مرة يعلن الرئيس الأمريكى أوباما والمرشح الديمقراطى، مخالفا بذلك سياسة حزبه المستقرة منذ عهود، بأنه يعترف بالقدس الشرقية عاصمة لإسرائيل، وأنه سينقل السفارة الأمريكية عقب فوزه إليها، ولما كان كل وعد يقطعة المرشح الرئاسى، يلزمه المواطن الأمريكى بتنفيذه إذا ما فاز، فما بالك إذا كان هذا المواطن هو اللوبى الصهيونى القادر على عدم ضياع مثل تلك الفرصة الذهبية من يديه، الأمر الذى يعنى بلا شك ضياع القدس للأبد، ومع ذلك مر هذا التصريح الخطير مرور الكرام من جميع القادة العرب، بل الفلسطينيين أنفسهم، دون أن يصدر منهم أى إشارة تفيد حتى أنهم قد سمعوا به، هذا التصريح الذى كان من شأنه أن تقوم الدنيا، ولا تقعد عربيا إذا صدر من مرشح أمريكى تقترب فرصة من الفوز.. فلماذا ؟!!
2- أعادت الحكومة المصرية سفيرها لدى إسرائيل، وكانت قد سحبته عام 2000 كرد فعل للأفعال الوحشية الإسرائيلية ضد فلسطينيين قطاع غزة، ولم تنجح كل محاولات الضغط أو الرجاء التى مارسوها عليه لإرجاعه طوال تلك السنين، أعادته الآن حتى بدون طلب أمريكى أو إسرائيلى وبلا مقابل، ومعززا بخطاب دبلوماسى شديد الرومانسية ينبىء على مدى الدفء التى عليه العلاقات المصرية الإسرائيلية، وقد كان من الطبيعى، ولكى يتحقق فائدة منه تجاه أوباما أن تقوم الإدراة الإسرائيلية بنشرة على الملأ، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل زاد عليه أن قدم السفير الأمريكى الجديد أوراق اعتماده للرئيس الأمريكى بالقدس المحتلة، وهو ما لم يحدث من قبل حيث حرصت الحكومات المصرية طوال عهودها على أن يقدم السفير المصرى أوراق اعتماده بالعاصمة الرسمية لإسرائيل، وهى تل أبيب، لما فى ذلك من دلالة عن سياستها المستقرة تجاه القدس .فلماذا ؟!!.
3- تتناقل وسائل الأنباء العالمية بصورة يومية أنباء شبه مؤكدة عن ترتيبات يتم إعدادها ومسرحها الشمال الشرقى من سيناء، تصب جميعها فى هدف توطين عدد كبير من فلسطينى غزة بها، منها إعطاء الجنسية المصرية لعدد غير قليل من فلسطينى غزة والسماح لهم تحت أى شكل بتملك أو حق انتفاع لأراضى بسيناء، وقد تم التمهيد لذلك بالسماح بتواجد الفصائل الجهادية بها وسيطرتها على أجزاء هامة منها، بتمكينها من تهريب المزيد من السلاح الثقيل، حتى باتت تلك الفصائل فى موقف المبادرة بالقيام بعمليات إرهابية تستهدف القوات المصرية هناك، وأخرها ما حدث يوم 3/11 ضد ضباط وجنود الشرطة بأحد الأكمنه بالعريش، والسماح لشركات قطرية بالذات، والمعروف علاقة قطر بحماس، بالعمل فى شمال سيناء، كل ذلك مع استمرار وجود، وفتح وعمل أنفاق التهريب التى تسمح بتهريب كل شىء، وأى شىء فلماذا ؟!!
4- التصريح الخطير الذى أدلى به الرئيس الفلسطينى للسلطة الفلسطينة محمود عباس أبو مازن، وهو فى معرض حديثه الذى أدلى به للتليفزيون الإسرائيلى، بمناسبة مرور مائة وخمسة أعوام على وعد بلفور الشهير، بأنه لا يحلم بالعيش الدائم ببلدته الأصلية صفد، حيث إنها تقع ضمن الحدود الدولية لدولة إسرائيل، فدولة فلسطين وفق مفهومة تشمل قطاع غزة والضفة الشرقية المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية، بما يعنى اعترافة بتنازله عن حق العودة لفلسطين، والشتات لمنازلهم وأراضيهم، وهو الحق الذى مات دونه الرئيس السابق عرفات، وقد مر هذا التصريح الفلسطينى الخطير بهدوء، اللهم من رد فعل باهت وغير ملحوظ صدر عن بعض الفصائل الفلسطينية فلماذا ؟!!.
5-
كلها موقف تصب فى خانة محاولة الفلسطينيين والقادة العرب العمل على إنجاح أوباما بأى صورة، إلا أن أى محلل سياسى منصف لا يمكن إلا أن يقرر أن هذا الثمن الذى دفعه العرب مقدما، كان بالفعل فادحاً، ويمس جوهر وصميم استقلالهم، ومستقبل عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينة، وشكل التسوية التى يمكن أن تحدث بعد ذلك.. لذلك يبقى السؤال هل سيقوم أوباما برد الجميل العظيم للعرب والفلسطينيين لاستعادة حقوقهم الشرعية؟ فاز أوباما والأيام القادمة ستحل إجابة على هذا التساؤل، إلا أنه رغم ذلك فقد علمتنا الحياة أن المرء لا يدفع ثمنا لشىء بات فى ملكيته فعلا، والسؤال الأهم والأخطر، وهو هل يعنى كل ما تم من قرارات وتنازلات خطيرة من الحكومات العربية والفلسطينيين تمس قضيتهم الأساسية وأراضيهم المقدسة، يعنى أن القضية الفلسطينية الأزلية قد تمت تسويتها بالفعل؟ بالطبع إذا كان الحال كذلك والمرجح أن يكون، فالطرف الخاسر معروف مقدما، ولن ترحمه شعوبها والتاريخ أيضاً.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة