اعتدت أن أخرج من منزلى مبكراً قبل سطوع نور الشمس مثقلاً بملابسى الشتوية وبأفكارى المعتادة عن يومى فى العمل والضغط الذى سأراه فى يومى، ثم تتطور أفكارى لتتطرق إلى طموحى ومستقبلى فى العمل، وهل سأنتقل إلى موقع أعلى قريبا؟ أم أن الطريق مازال طويلاً؟ وعادة ما تقلل هذه الأفكار من جديتى وتثبط من عزمى، فتتثاقل خطواتى أكثر لينحرف بى التفكير إلى الحلم والرغبة فى الحصول على عمل أفضل براتب أعلى مع قلة فى المجهود الذى أبذله بالتأكيد، وما يشجعنى على هذا التفكير هو ضياء النهار الخافت فى هذا اليوم نتيجة تغطية السحاب لصفحة السماء، فنحن فى يوم من أيام الشتاء البارد.
ولكن فى ذلك اليوم استوقفنى ذلك المشهد وغير من تفكيرى تماما؛ حيث رأيت امرأة عجوز قصيرة القامة جاوزت الخامسة والستين من عمرها - هذا العمرالتى يطلق عليه أرذله - ترتدى ثوبا بسيطا من قماش خفيف وبجانبها دلو مملوء بالماء البارد وتمسك بقطعة قماش تبللها لتغسل تلك السيارة العالية ذات الدفع الرباعى، ولكن قامتها لا تسمح لها بالوصول إلى سطحها فتضطر أن تقفز قفزات متتالية لعلها تنجح فى مهمتها.
فشعرت أن الماء البارد الذى بدلوها لا ينسكب على سطح السيارة بل على رأسى أنا؛ لأن ما يدفع مثل هذه المرأة لهذا العناء هو بالطبع "لقمة العيش" ولكن أين حقها فى الراحة والاعتناء بصحتها فى خريف عمرها؟! وهل سيقدر صاحب السيارة الفارهة العالية شقاءها لكى تنظف له سيارته؟! أم أنه سيكتفى بإعطاءها القليل من الجنيهات على سبيل الإحسان؟! وهل ستنعم بالراحة بعد مهمتها الشاقة؟! أم أنها ستكمل شقاء يومها بنفس الوتيرة؟!
رغم قساوة المشهد ولكنى رأيت فى نشاطها وجديتها شبابا قابعا فى داخلها؛ فمن الشائع الآن أن أرى عجائز بمظهر الشباب، ولكن من الغريب أن ترى شبابا بمظهر العجائز.
لم أستطع أن أقف أمامها أكثر من 30 ثانية لأتابع حجم النشاط الذى بذلته فى تلك الفترة البسيطة، ولكن كان على أن أكمل خطواتى فى نفس طريقى ولكن هل ستدور فى بالى نفس أفكارى؟!
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة