حب.. ثقة.. تضحية.. ففداء
تطل علينا هذه الأيام بأسمى معانى الحب والتضحية التى عرفتها البشرية عندما لبى إبراهيم عليه السلام نداء ربه محباً طائعاً وقلبه ينزف ألماً على ولده الوحيد والذى جاءه على كبر ولكننا نراه يمسك بسكين ليذبحه بل ويمتثل الابن دون تذمر ويقول افعل ما أامرك به الله يا ابت.. فهل هذا جنون؟ بالطبع لا.. بل هو الحب الأعظم والذى لا يوازيه حب فيذهب إبراهيم ليهب أغلى ما لديه حباً فى الله وثقة فيما عنده وكان رد الله عظيماً أكبر من عظم الفعل.. فإذا كنت يا خليلى لم تبخل على بأغلى ما عندك فأنا أكرم وأعظم فقد اجتزت الاختبار الأصعب فاحتفظ بفلذة كبدك وسأفديه بذبح عظيم يبقى رمزاً للبشرية كلها مادامت الحياة على الأرض، وسأجعله يوماً مشهوداً تذكرك فيه السموات والأرض لنثق أن ما نعطيه حباً فى الله لا يضيع بل يُضاعف ويبقى للأبد.
وفى نفس التوقيت نشاهد ملايين البشر يأتون من كل فج عميق مشتاقين للقرب من الله، متحدين أى مشقة وعناء ليقيموا شعائر خامس أركان الإسلام، وهو حج البيت وليتذكر أولى الألباب كل عام أنهم لذلك كانوا يخلقون.. لهذا الحب الذى حشد هؤلاء من مشارق الأرض ومغاربها لا فرق بين أبيض وأسود غنى وفقير شامى وأعجمى ولتُمحى هنا كل الفوارق والتمييز ونتحد تحت كلمة واحدة تهز العالم أجمع.. "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك".
وما بين وقفة عرفات والدعاء تحت جبل الرحمة وبين رمى الجمرات والسعى بين الصفا والمروة أدلة رد حب الله للامتثال لأمره فهنا ترك إبراهيم هاجر ورضيعه فى صحراء قاحلة وتمتثل هى لأمر الله وتقول إنه لن يضيعنا وتتجلى عظمة ربنا الكريم بعد سعى الأم بين الصفا والمروة سبعة أشواط تصبح من شعائر الحج، وهى تبحث عن منقذ ومن غير الله منقذا فيتفجر تحت قدمى الصغير فى قلب الصحراء ماء زمزم لتصبح مقصدا للعالم وشفاء للناس، ويضرب الله لنا مثلا فمن قلب الموت تأتى الحياة
إنه الحب الذى زرعه فينا ربنا منذ خلق أبونا آدم وجعل مستقره فى القلب فتتقلب قلوبنا تجاه البشر وأى شهوة دنيوية ويبقى حب لا يتقلب ولا يزول لأنه حب يقود إلى الخلود، وهو حب الله وحب عبادته والتى تجلت فى قوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
فالعبادة لا تقتصر على الصلوات فقط وإنما العمل عبادة وصلة الرحم عبادة وعمل الخير وإماطة الأذى وحب شخص يعيننى على القرب من الله عبادة وحُسن الخلق من أعظم العبادات فهى التى أتت برسولنا خاتم الأنبياء، فقال "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فحب الله هو العبادة التى يريدها الله وحب الله يأتى عندما ننزع الخوف من المجهول بثقتنا فيما عند الله
اللهم إنى أسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم ما ارزقتنى مما أحب فاجعله لى قوة فيما تحب وما زويت عنى مما أحب فاجعله فراغاً لى فيما تحب
وكل عام وأنتم إلى حب الله أقرب وعلى طاعته أدوم.
